مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* أين ضاعت العقيدة - ازمة فكر ام اخلاق

اذهب الى الأسفل

* أين ضاعت العقيدة - ازمة فكر ام اخلاق Empty * أين ضاعت العقيدة - ازمة فكر ام اخلاق

مُساهمة  طارق فتحي الأحد يناير 23, 2011 4:13 pm

أين ضاعت العقيدة
اعداد : طارق فتحي
الحمد لله ثم الحمد لله ؛ الحمد لله الذي يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن الهادي محمدا عبده ورسوله جاء بالهدى ودين الحق ليظهره  على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وأحثكم على طاعته  وأستفتح بالذي هو خير أما بعد : فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم  وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ، وإن من كلام الله تعالى قوله (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء  كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا  يعلمون)1 ؛ قال الإمام القاسمي في تفسيره : لو كانوا يعلمون : إيغال في تجهيلهم  لأنهم لا يعلمونه مع وضوحه لدى من له أدنى مُسكة (أي حظ ونصيب من  الفهم).
إن عيش المسلمين مع عنكبوتيات الأفكار والأعمال ردحا طويلا قد شل  فعالياتهم وأودى بهم إلى الحضيض ،  والانحراف عن موالاة الله ورسوله مما لا تتجاوزه الأمة حتى تدفع فاتورته الباهظة ، وادعاء الصلاح والتقوى مع  الشهوات الباطنة في النفوس يزيد الداء خفاء ، وقد قلنا في الخطبة  الماضية أن الطرح المغلوط للأمور مما لنا منه حظ كبير ، ومن آثار ذلك انحسار كثير من مقومات العقيدة الإيمانية من النفوس ، والأخطاء  التي نعيشها فكرا أو  سلوكا لا يمكن تحليلها إلا بقراءة التاريخ وفهم  الحاضر وتبين معالم المستقبل ، وقد فقه من صلحت بهم الأمة ذلك فكان  رائدهم الدعاء الوارد في قوله تعالى (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي  الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)2. وما بين الدنيا والآخرة  منازل يلزم معها التفكر فيما مضى وفيما يمضي وفيما سيأتي ؛ أما نحن  فربما أصبحنا سكارى بأهوائنا لا توقظنا مصيبة ولا تحركنا مأساة ولا تزحزحنا  عن أغلاطنا الأهوال ، وكل السبب يكمن في الفهم السقيم للأمور. الإمام  الغزالي رحمه الله كان فقيها بالنفوس يقول في إحيائه ما مؤداه : (ربما جاهد المريد نفسه حتى ترك الفواحش والمعاصي ثم ظن أنه قد هذب  خلقه واستغنى عن المجاهدة وليس كذلك فان حسن الخلق هو مجموع صفات  المؤمنين). ما هي صفات المؤمنين؟ منها قوله تعالى في سورة الأنفال (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم  آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون  الزكاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند  ربهم ومغفرة ورزق كريم)3 ، ومنها قوله تعالى : (ليس البر أن تولوا  وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر  والملائكة والكتاب والنبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى  والمسكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى  الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء  وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)4 ويعقب الإمام القاسمي على الآية بقوله : ليس الصلاح والطاعة والفعل  المرضي في تزكية النفس الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف  البر (هو أمر القبلة) ، ولكن البر الذي يجب الاهتمام به هو هذه  الخصال التي عدها جل شأنه.
والبر هو اسم جامع للطاعات وأعمال الخير  المقربة إلى الله ؛ أي باختصار صفات المؤمنين ، ومن صفات المؤمنين  أيضا ما ذكرته سورة المؤمنون وسورة الفرقان وغيرها.
ونعود إلى الغزالي الذي يقول : فمن أشكل عليه حاله فليعرض نفسه  على هذه الآيات فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن الخلق وفَقدُ جميعها علامة سوء الخلق ووجود بعضها دون البعض يدل على البعض دون البعض  فليشتغل بحفظ ما وجده وتحصيل ما فقده.
والذي حصل ما يلي: إن الإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بمحاوره الثلاثة : القول والعمل والاعتقاد ، وربما راعت الشريعة بعض الظروف القولية  أو ظروف الأعمال الظاهرة ولكنها أبدا لم تتسامح مع الجانب الاعتقادي  الذي بضعفه ينهار كل شيء. كلكم تعلمون الحديث الشريف: (من رأى منكم  منكرا فليغيره بيده (عمل) فان لم يستطع فبلسانه (قول) فان لم يستطع  فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) .. هل هناك ذرة من الإيمان بعد ذلك؟ لا يوجد  أبدا حبة من خردل من إيمان في قلب من مات الجانب الاعتقادي عنده 6  ولسنا نحب صدم الناس ولكننا نحب تفقيههم وتذكيرهم ونصيحتهم ، وإن  من النصح لهم أن نذكر لهم بصراحة  الضعف الخطير في الجانب الاعتقادي لديهم ، وأن كثيرين منا عليهم العودة ليفهموا الإسلام من ألف بائه  الأولى.
إن الأعمال الظاهرة مقاييس للناس ولقد قال الفاروق عمر رضي الله  عنه للناس: (إنما نؤاخذ الرجل على ما ظهر لنا من عمله وندع سريرته  إلى الله) ولكن سرائر القلوب وحدها هي مناط القبول أو الرد عند الله  تعالى ، وصدق الهادي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (إنما الأعمال  بالنيات ... )7
الرجل الذي تذكره بالله في أمر شرعي واضح بين يتجاوزه ؛ فيجادل طويلا  فإن لم تبق له حجة قال لك: أخي أنا هكذا ، والمرأة المصلية التي  تذكرها طويلا بعاقبة الغيبة عند الله ونتنها عند الناس فيزداد  تغيظها من النصيحة! والإنسان الذي لا يأمن جاره بوائقه أو الذي يبيت  شبعان ريان سكران وأهل حيه يكاد بعضهم يموت من الجوع وهو لا يلتفت  إليهم .. والذي لا يلذع قلبه كل ما فيه الأمة من الفساد والرذائل  المعيبة فإذا التزم ولده  بالمسجد أو ابنته بالحجاب ناصبهما العداء  بدل النصح والرعاية والذهاب معهما إلى دين الله ، والذي توكل إليه  أمانة في منصب من المناصب فيتخذه منبرا للابتزاز وأخذ الرشى وتعطيل  مصالح الناس ، والراشي الملعون الذي يدمر الأمة وينخر كما ينخر  السوس في جسد المؤسسات والإدارات والمصالح العامة من أجل مصالح  وأطماع لا من أجل ضرورة شديدة ألجأته إلى ذلك ثم يأتيك بعد ذلك يصلي  في الصف الأول وابتسامته عرضها شبر ؛ فقد ازدادت عصابة المتعاملين  معه واحدا ، والذي لديه شقة مفروشة لا يعجبه دخلها الطبيعي من الحلال  فيطلب من المكتب العقاري أن يبحث له عن بعض من يستأجرونها في  الحرام ليكسب أكثر ، والذي يؤتمن على سيارة من سيارات الدولة  فيُملكها ابنه المراهق يسوح فيها كالمجانين ويؤذي الناس بمنظره  ويذكرهم ويكون المسبب ليلعنوه ويلعنوا أمه وأباه على هذه التربية  الفاسدة ، والعالم الذي يتصدى للحق فيأتيه ترغيب أو ترهيب فيبيع  دينه بدل أن يسكب دمه ليفديه ، أو يعتزل الناس إن لم يستطع الجهر بالحق ، والطبيب الجشع الذي يعامل فقراء الناس كما يعامل أغنياءهم ويغلق  صوت قلبه كي لا يذكره بهم ، والملتزمة التي تعود أبناءها بتربيتها  المعوجة على الكذب والنفاق وتخرج منهم أسوأ النماذج التي يمكن أن  يبتلى بها الناس ، والتاجر الفاجر الذي يتمسح بالعلماء (كما تتمسح  القطة الجرباء بصاحبها السليم كي يظن الناس بها العافية) فإذا  نصحه أحد العلماء نصيحة صادقة أو نبهه إلى منكر لا ينبغي له فعله  أعرض عنه وصار يأكل من لحمه ، والذي يُنتقَدُ بعض أجداده فتثور حمية  الجاهلية في رأسه فيرغي ويزبد ويهدر ويرعد ؛ غيرة على الشرف التليد  فإذا استبيحت بيضة الإسلام وكسرت أجنحته رأيت قلبا ميتا ونفسا  ذليلة ، ومدرسة الدين التي تمنع تلميذاتها منعا باتا مطلقا من  سماع الألحان ثم تبيح ذلك لبناتها فإن سئلت قالت: حرام من أجل أن لا يتعقدن! (أي يصبحن معقدات) وكأن تعقيد بنات الناس حلال وتعقيد بناتها حرام ، والذي  يعلم أبناءه ألا يصاحبوا إلا أبناء العائلات والذوات ولا يربيه على أن  أكرمكم عند الله أتقاكم وأن من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه وأن قدم فلاح تقي خير  عند الله من عائلة من أهل الحسب والنسب تعيش في الخمور والفجور ، والأستاذة التي أبعدت إحدى التلميذات عن درس ديني لأن الدرس لا  يحوي إلا الجميلات والتلميذة المسكينة خلقها الله سمراء داكنة الوجه  لا تناسب المستوى فتقول عنها الأستاذة: لو لم يكن لها ذنوب كثيرة  لما كانت بهذا الشكل (ولعلها رأت صورتها فيها) والمتحدث العظيم  باسم الإسلام والذي يبكي على الإسلام وأهله وينتقد العلماء وتقصيرهم في  محاربة المنكرات فإن رأيت ما في بيته علمت أنه لا يترك منكرا إلا  ويحضره إلى بيته وأن له السبق في إحضار الآفات إلى الأمة ، والمتدين  الغافل الذي لا يعلم في أي صف صار ولده ، أو الذي يلحق الدروس التي لا  تتحدث إلا عن الطيران في الهواء والمشي فوق الماء وبيته أصبح شديد  الانحراف عن الدين شديد الكره له والماء يمشي من تحته والفجور  والانحلال يطير من فوقه وهو لا يحس ولا يريد أن يحس ، والعامل  الغشاش والمهني الكذاب وصاحب الورشة الدجال وكل الذين يعدون  فيخلفون ، ثم يحلفون ويكذبون.
كل هذه الصور وآلاف غيرها مبثوثة في حياتنا وفي تاريخنا وستبقى حملا  ثقيلا في مستقبلنا إن لم نحاربها ؛ هذه الصور وأمثالها ليست نتيجة  ضغط اجتاح بعض جوانب القول أو الفعل ؛ هذه الصور نتيجة فهم قاصر  للعقيدة كلها أو قل انحراف عن العقيدة كلها.
ما السبب في كل ذلك؟ السبب: طريقة طرح العقيدة للناس وتربيتهم  عليها! ولقد كان الناس يلتزمون الاعتقاد السليم في القلوب ويتحركون من  خلال السلوك الإيماني الملتزم وإن خالطهم الضعف أحيانا ، و الجسد  المسلم بقي كمجتمع يعيش في بحبوحة الإيمان وجنته الاعتقادية  والسلوكية والقولية ، وبدأ الترهل يغزو الدولة مع اتساع الفتوحات ووفرة الأموال وحصلت انحرافات وبقيت للخير راية.
وعندما بدأ الغزو الفكري والتأثر بعقائد البلاد المفتوحة ازداد تصدي  العلماء له وانهمكوا بجد كبير لمقارعته واتسعت أبواب النقاش وأصبح  التركيز على الأمور الكلامية واللفظية شديدا لأن الانحراف الاعتقادي  والسلوكي بدأ يتسلل منها ، ولكن هناك جانبا خطيرا لم يعط حقه وهو  الجانب العملي التطبيقي ، أو قل ربط الناس بالإسلام من خلال الواقع  الحياتي المعاش لا من خلال الكتب لأن المعركة الكلامية استنفذت  كثيرا من الطاقات ، وربما ظن العلماء أن قسطا ضئيلا من التركيز  العملي كاف للمجتمع من خلال القدوة الصالحة  ، واعتمادا على الفطر  النقية التي كانت منتشرة فعليا في المجتمع ، ثم حصلت سلبيات لم  تعالج بالقدر الكافي منها:
1- طبيعة توسع الدولة الإسلامية واحتكاكها مع الحضارات الأخرى فرض  نوعا من التوسع في الشرح والإغراق في التفاصيل الذي كان يجب أن يتوقف  عند انتهاء الفائدة منه ولكنه استولى على محاور التحرك فغابت  فيه وتحولت تلك الفرعيات إلى أهداف استهلكت الطاقات والجهود  والأوقات ، ولم تأت بطائل.
2- رغم وجود مدارس إسلامية واضحة البصمات إلا أنها كانت تجمعا فرديا  حول بعض الأفكار أعطاها البعد المدرسي ؛ أما التعاون الجماعي  العلمي والعملي من أجل نهضة الأمة فقد كان مشروعا ضعيفا لم يكن  التصدي له إلا بشكل فردي لا جماعي.
3- قامت كثير من المدارس الصوفية بجهد واضح لإعادة تذكير الناس  بالإسلام ولكن النظر الجزئي عندها قلص من فعاليتها وأغرقها في  أساليب تحولت إلى غايات أو أمور مبتدعة توضعت بشكل مغاير للإسلام  نفسه وغير مقبول.
   4- لم ينتبه كثير من العلماء إلى آفة الآفات : تدخل السياسة في  الدين مع أن المفترض هو توجيه الدين للسياسة في الدولة  المسلمة ؛ فقد دخلت في طريقة التحرك الدينية رغبات سياسية للدول  أو الخلفاء والسلاطين ؛ فما رغبوه أصبح مع الوقت والطرح جزءا من  الاعتقاد والسلوك ، وجلهم لم يكن يبحث عن الدين بقدر ما كان  يبحث عن غطاء ديني يبرر به تصرفاته أمام الجماهير ، وأبسط تلك  البصمات ما نشاهده عند الشعوب المسلمة حتى اليوم من رضاها  بالظلم باسم القدر وعدم اعتراضها على انتهابها باسم التسليم ، وكل  ذلك غير مقبول ومرفوض ،  وهذه أمور من أغلاط وسلبيات التحرك الديني  نفسه ؛ أما الأسباب الأخرى الخارجية فقد تحدثنا عنها في خطب  ماضية.
إن النتيجة هي قصور في فهم الاسلام وعدم التحرك به ثم التقوقع ضمن بعض  جزئياته وبعدها الاقتتال فيما لا يبني عقيدة ولا ينفع في دنيا ولا آخرة ، والسماح للقوى السياسية بفرض بصماتها وتحويل الفهم الديني إلى شكل  لا يزعجها ، وبالتالي فقد كان متوقعا وجود كثير من السلبيات في  تفكير المسلمين ووجود خلل كبير في اعتقادهم أو ما يسمونه اعتقادا ،  ولقد فُقد من الساحة (الاسلام الشمولي المتفرد) وأصبحت الثياب الغربية  تلقى عليه لتغيير صورته وتقزيمها وابعادها عن كل دور في الحياة.
لقد أخذت مسألة جواز وضع الصور على الحيطان أو حرمتها ما لم يأخذه  سقوط الأندلس وانهيار الدولة العثمانية وغزو الصليبيين لديار  المسلمين ، واحتلت مسألة حجاب الوجه للنساء من الاهتمام ما لم يحتله  الحديث عن هتك حرمات المسلمات في أكثر من بلد ، أو منعهن من الحجاب  كلية في الجامعات في بعض الدول الاسلامية!! وانصبت جهود كثيرين من  الفقهاء على موضوع تبيين المنكر للابس خاتم الذهب أكثر بكثير مما  انصبت على تبيين آثار الاستبداد السياسي وضرورة محاربته وتخليص  الأمة منه ؛ لأنه من أكبر المنكرات ؛ أما صلاة التراويح وكونها ثماني  ركعات أو عشرين فقد استهلكت من الأوراق والأوقات والصراعات والفتاوى  ما لم يصرف جزء بسيط منه للبحث عن جواب السؤال التالي: ما هو  الحكم الشرعي لمن يخون المسلمين ويبيع ديارهم ويفرط في حقوقهم  ويقاتل عن شهواته بشراسة مرعبة ولا يقاتل في سبيل الله بل ويصد  الناس عن سبيل الله.
لذا فإن العقيدة لا يمكن فهمها من كتب الفروع دون ربطها بالأصول الرئيسية أي كتاب الله تعالى والمؤيدات  النبوية ، وكل إخراج للعقيدة بعيدا عن القرآن وسنة رسول الله  الصحيحة فهو تقزيم لها وقتل ، والقرآن كتاب حياة وحركة وواقع ، وفهمه أسطرا لا تتحول إلى مصاحف بشرية يقضي على العقيدة وعلى  المسلمين.
من خلال الواقع وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان )8 سنتابع الحديث عن العقيدة وستكون خطبتنا القادمة بإذن الله  شارح لمعنى لا إله إلا الله ؛ نسأل الله التوفيق.
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون.

أزمة فكر أم أخلاق
مُساهمة طارق فتحي في الأحد 23 يناير 2011 - 5:00

اعداد : طارق فتحي

الحمد لله و الصلاة و السلام على نبيه و مصطفاه ، و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و نشهد أن محمداً عبد الله و رسوله جاء بالهدى ودين الحق ليكون للعالمين نذيراً . عباد الله اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ؛ من أصلح ما بينه و ما بين الله يكفيه الله ما بينه و ما بين الناس ؛ ذلك بأن الله يقضي على الناس و لا يقضون عليه و يملك من الناس و لا يملكون منه ، و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . أما بعد : فإنَّ أصدق الكلام كلام الله و خير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه و آله وسلم و إنَّ من كلامه تعالى قوله :
( إنَّا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرضِ و الجبالِ فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسانُ إنهُ كان ظلوماً جهولا)1 . و الأمانة فسرت كما يذكرُ العلامةُ القاسميُّ بالطاعةِ أو بالفرائض و الحدودِ و الدينِ أو بمعرفتهِ تعالى . قال الإمام ابن كثيرٍ و كلُّ هذه الأقوالِ لا تَنَافيَ بينها ؛ بل هي متفقةٌ و راجعةٌ إلى أنها التكليفُ و قبول الأوامرِ و النواهي ، وحملها الإنسان بسبب استعدادهِ الفطري فإن تَرَكَ أداءَ الأمانةِ كان ظلوماً ، و إن ترك أسباب سعادتهِ مع التمكن منها كان جهولاً ؛ كما يفهم من كلام الإمام الزمخشري .
و أصبحت تَبِعَةُ الأمانةِ عظيمةً عندما جعل الله في الأرض خليفةً ؛ فخلق آدم ثم ورثتِ البشريةُ مهمةَ الاستخلافِ و حُمِّلتِ الأمانة . و كيفما تحرك المهتدون فإنما يدندنون حول الاستخلاف و الأمانة و هي راية حملتها يد النبوة من لدنِّ آدم عليه السلام و انتهاء بخاتم الأنبياء و الرسل صلى الله عليه و آله وسلم ؛ لتستلم الأمة المسلمة هذه المسؤولية العظمى . قال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً )2 و تربية هذه الأمة الراشدةِ صاحبةُ الوسطيةِ عمليةٌ طويلةٌ شاملةٌ تتعرض لِمُعَوِّقاتٍ كثيرة ، هذه الأمة حاملة رسالةٍ قرآنيةٍ ربانية إلى كل شعوب الأرض ، وكما يقول أحد المربين : "قد يكون المطلوبُ اليومَ بإلحاحٍ التأكيد على أهمية تشكيل شخصيةِ المسلم المعاصر الذي يجسد القيم الإسلامية في واقع عملي و يبرهن على أنَّ خلود الرسالة الخاتمة و صلاحيتها لكل زمانٍ و مكان إنما يتمثل في قدرتها على إنجابِ الأنموذج المطلوبِ و تقديم الحلول الحضارية لمشكلات البشرية الكبرى ، وأنَّ معجزة الرسالة إنِّما هي معجزةٌ تكليفيةٌ تتحقق من خلال إرادات البشر و قدراتهم و تسير طبقاً للسنن و القوانين و الأسباب الجارية في الكون و النفس و الآفاق التي قدرها الله و سخرها للإنسان "3 . قال تعالى ( سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )4. وتكاد تكون أزمتنا الأساسية واحدة في حقيقتها و إن اختلفت مظاهرها و تعددت آثارها من موقع لآخر ذلك أننا لا نعترف بمسؤوليتنا عما لحق بنا و لا نواجه ما أصابنا بجرأة و شجاعة لنكتشف مواطن التقصير و نحددَ مواطن القصور لنستدركها و إنما لا نزال نلقي التبعة على الآخرين الذين هم دائماً سببُ بلائنا ومصائبنا جميعاً لنعفي أنفسنا من المسؤولية ؛ دون أن ندرك أننا بذلك نلغي أنفسنا و أهليتنا للبقاء ، و عندما نَعْرِض لمظاهر و أبعاد الأطواق أو المؤامرات أو الخطط الخارجية حولنا يكون عندنا الكثير لنقوله أما حين بقوم بعملية مراجعة بسيطة لما قدمناه أو ما يمكن أن نقدمه في هذا المجال أو ذاك فتخفت أصواتنا وتتقزم هاماتنا و تتضاءل حصيلتنا حتى تكاد تعادل صفراً أو ما يعادل الصفر ، و ما أسهل أن نصنع المسوغات لما نفعل و نعايره بمعايير غريبة و مضحكة دون أن ندري أننا نسويه و نقايسه بالعدم ، إن الخطاب الإسلامي المعاصر و الذي يطمح إلى حمل أمانة الاستخلاف في الأرض لم يتمكن بعد من استيعاب أقرب الناس إليه علاوة عن كسب الآخرين بسبب قصور نظرته ، و بدل فتح مصاريع الأبواب المغلقة ازدادت الأقفال ، و فكر الهداية انكمش أحياناً ليتوه الناس في مزالق أفكار شاردة ؛ دُفع الكثيرون إليها لقصور الخطاب الإسلامي الذي لا بد أنه قادر على النماء و التجدد الدائم و الاستيعاب للأفراد و المجتمعات و الثقافات و الأنماط المجتمعية المتباينة و ليس هدفه حصر الأمور في أودية اجتهاداتٍ مهما حلقت فإنها تبقى وليدة الاجتهاد البشري و لا تلغي بحال إمتدادات الرسالة القائمة على نصوص وحي رب الأرض والسماء ، وصدق الله تعالى إذ يقول : ( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليما )5. وقد يكون من المشكلات الأساسية التي تعاني منها العملية التربوية الإسلامية في جهدها لبناء الإنسان و الأمة الراشدة التي تنهض بأمانة الاستخلاف ، عقلية التبعيض و التفكك أو النظرات الجزئية التي تفتقر إلى الشمولية و التوازن و ضبط النِّسب في كل أمر من أمور الحياة لأنها في نهاية المطاف تمثل النظرة الأحادية الضيقة التي تتوهم أنها اكتشفت الحقيقة المطلقة كلها واستحوذت عليها من كل جوانبها فلذلك تتحزب لها و تنغلق عليها و تلغي حق غيرها في النظر و تلغي أيضاً حصتها في النمو و الامتداد الذاتي كما تحول دون الإفادة من جهود الآخرين و تسبب النظرات الجزئية المتحزبة و النظرات التبعيضية الضيقة ؛ تسبب أحياناً الفشل و الإحباط ثم التخاذل الفكري و الشلل التربوي و الانتحار الروحي و الهروب أحياناً من عالم الواقع و الحقيقة إلى عوالم الوهم و الخرافة و العطالة و انطفاء الفاعلية فهي طوراً تقدم علماً بلا تربية و طوراً تقدم تربية من دون ضوابط شرعية لسلوك الإنسان . و لوحظ أن هناك تياران يحاولان تحديد المشكلة أهي مشكلة أخلاق أم مشكلة أفكار ؛ أي : هل أن المسلمين يعرفون الأمور الصحيحة و مشكلتهم إنما هي أمر تربويٌ و حَملٌ على ما يعرفون ؟ أم أن المشكلة ليست مشكلة التزام بما يعرفون فهم ملتزمون و لكن ما يعرفونه فيه أغلاط كثيرة تحتاج إلى صياغة جديدة ؛ أي بناء عالم الأفكار الصحيحة بدل عالم الأفكار المغلوطة التي يعيشون خلالها. إنني أعتقد أنه لا يمكن الفصل بين المشكلة الفكرية والتربوية تماماً رغم و جود حالات تتباين فيها حصص كلٍّ منهما و إن كنت أعتقد أيضاً أن للمشكلة الفكرية حصةٌ هائلة ، فعالم الأفكار هو المؤثر و الموجه و المتحكم دائماً بعالم الأشخاص و الأشياء ، وحركة الإنسان و مسالكه المتنوعة هي ثمرةٌ لقناعاته و مواريثه الفكرية و تشكيله الثقافي ، فالواقع الذي عليه الناس ما هو إلا الإفراز الطبيعي و الوجه العملي المجسد لمنظومة الفكر التي تحركه و تختفي وراءه ، لذلك فأية محاولة للنهوض و الإصلاح تتجاوز الأزمة الفكرية و تصويب الخلل في عالم الأفكار سوف تمنى بالخيبة و السقوط و الخسران ، و يجب بذل الجهد في الحمل و الرعاية التربوية لعالم الأفكار الصحيحة فهي وسيلة إزهاق الباطل ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمَغُه فإذا هو زاهق )6 .
و نذكر الوقت كمثال يختل فيه الفقه الفكري و الأخلاقي عند الكثيرين ، فالوقت في بلاد العالم الثالث لا وزن له ، و في الدول الصناعية الكبرى لا يُحرص عليه إلا بسبب إدراك قيمته المادية ومن أي دافع أخلاقي .. وحدها الأمة الإسلامية جمعت بين الجانب الفكري البنَّاء و الجانب الأخلاقي الصحيح ، وعندما سئل العالم الذي كان يرمي رغيفه اليومي في طبق ماء ثم يحسوه ، عندما سئل عن سبب ذلك ؛ قال : ما بين مضغ الخبز و حسوه مقدار قراءة خمسين آية . اندغم الفكر الصحيح مع الخلق الإيماني الملتزم7 ، و الإمام المنذري رحمه الله غسَّل أحد أولاده في مدرسته و شيعه باكياً إلى باب المدرسة فقط و استودعه الله ليتابع درساً ما كان لغير أمثاله أن يحرص عليه . إنَّ أبعاد الاستخلاف الرباني و أداء الأمانة قد تبلور بشكل مذهل في شتى صعد الحياة عند أهل الالتزام . الإمام ابن القيم رحمه الله اغتنم فرصة سفره إلى الحج فكتب فوق راحلته كتابه العظيم زاد المعاد و الذي هو موسوعة من الموسوعات الكبيرة في فقه سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم . كثيرون لا يزالون غير مدركين لأهمية الأمانة حملاً و تكليفاً . أراد البعض أن يثرثر مع أحد المربين فقال له المربي : أمسك الشمس ، فالوقت يجري و هو من أثمن ما لدينا ، لماذا يثرثر البعض في الهاتف ساعات يمكن اختصارها إلى دقائق معدودة و كثيرون يتحدثون و يبحثون عن درس يتعلمون به دينهم و ربما طلبوا ذلك لأولادهم ولكن رأينا أن التجارة والولائم و المشاريع الخاصة عند الكبار و أوقات النوم و الراحة و الانبساط و التسلية و أمثالها عند الصغار بأتي في الأولويات و بعدها يمكن الاهتمام بدرس فقه أو علم يَتْرُكُ مُلقيه كل شؤونه الخاصة لأجل الآخرين فيعطونه فضول أوقاتهم . الريادة الحضارية لأمة لا تحصل ما لم يكن فيها أمثال القاضي أبي يوسف صاحب البصيرة الفكرية الثاقبة و الالتزام الأخلاقي النادر ؛ قال شجاع بن مَخْلَد سمعت أبا يوسف يقول : "مات ابنٌ لي فلم أحضر جنازته و لا دفنه و تركته على جيراني و أقربائي مخافة أن يفوتني من أبي حنيفة شئ لا تذهب حسرته عني" وقال أحد المربين لتلامذته : إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه و متى اجتمعتم تحدثتم ، و كان الجاحظ إذا وقع بيده كتاب قرأه من أوله إلى آخره أي كتاب كان حتى أنه كان يستأجر دكاكين الوراقين و يبيت فيها ليلاً لينظر في الكتب. إن لكل معنىً روحٌ متأججة لا يستقر بدونها و قراءة ما بين السطور ضرورية للإقلاع الحضاري الجديد ؛ تأملوا قول أحد المربين من أن السلف رضي الله عنهم كانوا يقولون : لا يُعَلَّمُ الرجل العلم حتى يتعلم الأدب و لو وقف على باب الأدب عشرين عاماً ؛ إذا تفكرتم في هذا ترون جانباً من الأزمة . البعض يتحدثون عن العلم و الفكر و لديهم أزمة أخلاق. ما معنى أن تنطلق للبناء و النفس مملوءة بالآفات ؛ ما معنى أن تكون الغيبة هي الزاد و الكذب هو الإدام و عدم التثبت من أقوال الفاسقين هو المعتاد ، وما الخيرية الموجودة في صاحب عمل يشكو إليك تقصير العمال و إهمالهم و هو ظالم لهم يرى القذاة في عين واحدهم و لا يرى الجذع في عينيه ، وما معنى اشتغال العامل بصلاةٍ مثلَ صلاة تراويح أهل المدينة في وقت الظهيرة فينفق ساعتين يأخذ بعدهما ساعة استراحة بحجة الصلاة وهي تقضى بدقائق معدودة ، وما معنى أن نسأل عن الحقوق و ننسى الواجبات ، وما معنى أن تتحول المصلحة الخاصة لكل واحد منا إلى المصلحة العامة ، ولماذا لا يحترم البعض إشارات المرور و لماذا يلقي البعض بقشور الموز في الطريق بدل حملها و لماذا يزرع الفلاح أشجاراً لا تبعد عن الحد إلا بضعة سنتمترات لتأكل من تراب جاره و تشرب من ماءه. لماذا يُستغل القروي الساذج عندما يأتي إلى المدينة على يد بعض من ينتمون إلى الإسلام انتماء العملة المزورة إلى الورق و لماذا يكون عند بعض الأساتذة الكرام و المربيات الفاضلات معياران لتدريس الناس و تفقيههم: معيار فيه كل التعسير و التنطع و الانغلاق وهو للناس جميعاً و معيار آخر في بيوتهم حافلٍ بالتيسير و الترخيص و الانفتاح .
و لماذا يصلي البعض في المسجد ثم يخرج منه ليأكل لحم خطيبه من دون حجة ولا بيان ولماذا يغرر البعض بالشباب فيفتحون لهم في كل يوم ألف جبهةِ مواجهة و لا يبنون لهم رؤية متوازنة تَمتص منهم عوامل التوتر و القلق و الاضطراب ، ولماذا يتحدث الكثيرون عن الرشوة و هم دافعوها وعن الظلم و هم مثبتوه وعن الأخلاق و هم ناسفوها و سواء أكانت الأزمة ضياع الأفكار الصحيحة أو انعدام الأخلاق الفاضلة أو مزيجاً معقداً منهما فإن المسؤولية الفردية في كليهما هي بداية الانعتاق من الخلل الفكري و الأخلاقي.
اذكر مثالاً عن ذلك الرشوة و أرجو من كل الأخوة أن لا يسألني أي واحدٍ منهم عن الرشوة بعد اليوم ، الرشوة حرام بكل الوجوه .. البعض يريدون فتوى ليخرجوا من إثم داخلي يحسونه يريدون نسف السد الأخلاقي بمبررٍ خارجي تحمله لهم فتوى يبحثون عنها بكل الوجوه ، ولو داروا على ألف عالم و مفتٍ و أفتوهم فإنهم لا يخرجون من الإثم ما لم يكونوا فعلاً في ضرورةٍ قاهرة يتحملون هم مسؤولية الفتوى بها لأنفسهم و ألف فتوى لا تخرجهم من إثمِ أمرٍ يعلمون أنهم لو أرادوا الخروج منه لاستطاعوا .
أحدهم سألني هل يجوز أن أدفع الزكاة إلى محتاج قلت: و ما الحاجة؟ قال يريد أن يدفع مالاً لرجل يتوسط له من أجل فرزٍ محترم في الجندية . الجواب لا يجوز دفع الزكاة و لا غيرها فهذا حرام و من كان مضطراً فعلاً فإنه يتحمل ذلك على مسؤوليته الخاصة بين يدي الله تعالى و لو أفتاه ألف عالم و مفتٍ ، و كفى شباب هذه الأمة هذه الأفكار المنحرفة التي أقنعتهم بأن تكون أقصى أحلامهم أن يعملوا حجاباً و أذنة على أن يتعرضوا لإخشيشان ضروري لمَّا فاتهم أصبحوا ذوي نفسياتٍ مثل نبات "كسار الزبادي"8 ، وأنا أعرف كثيرين ذهبوا من دون واسطة و لا رشوة لأحد ورجعوا رجالاً فالرشوة حرام و لا يموت أحد إن ذهب إلى الجندية رجلاً ليعود أكثر رجولة و قدرة على مقارعة الحياة .
أزمة أفكار مغلوطة أصحابها لا يملون من الشكوى و يطلبون من الخطباء و الدعاة الحل ، و الحل هو الصحوة الفكرة و الالتزام الأخلاقي الإيماني قدر الاستطاعة ، و عند العجز فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ؛ أما تدمير كل السدود الفكرية و الأخلاقية فهو عين مشكلة الأمة . و قد استمعت بصبر إلى بعض من يشكون من سيادة الرشوة و يطالبون بالتصدي لذلك ، فقلت لهم مختبراً : معكم حق ، و غداً سأذهب إلى وزارة الداخلية لأخذ ترخيصاً رسمياً بمظاهرة سلمية تحت سمع القانون و بصره للاحتجاج على انتشار الرشوة و سأُسأل بالطبع وهل تطلب هذا الترخيص لتقوم بالمظاهرة لوحدك؟ وسأقول : بالطبع لا فورائي أمةٌ من الناس يشدون من عضدي ، وسيقال لي : ولكن المظاهرة هي تعبير عن مشكلة أمة لا فرد و معنى ذلك أنه لابد من وجود مجموعة من الناس تمثل الباقين وسيعطى الترخيص باسمهم جميعاً فما سمعنا بعد في الدنيا أن ترخيص مظاهرة يعطى لشخص واحد! وهذا حق ، وقلت للمشتكين : إذا سمحتم أعطوني صوراً لبطاقاتكم الشخصية و سأضع معها بطاقتي لنطلب الترخيص باسمنا جميعاً ، و نظرت إلى عيونهم التي أصابها جحوظ يقارب جحوظ الموت و إلى ارتعاش أيدي واحد منهم و نشفان ريق ثالثهم ؛ لأجد أن الخلاصة عندهم هي الفرار!
إن الحقوق أيها الناس تؤخذ و لا تعطى و الأمة التي لا تريد أن تحافظ على كرامتها بالتضحية مهما كان الثمن لا تستحق أن تعيش أصلاً . انتشار الرشوة أزمة أفكار وَلَّدَتْ أزمة أخلاق ، وكل ذلك صنع بأيدينا و لم يصنعه أحد لنا ، و كما رضينا من أجل شهواتنا بأن نستبيح كل مقدس و محترم فعلينا من أجل عقيدتنا و مبادئنا أن نصبر على كل ثمن و ن قدم كل نفيس و إلا بقينا ندور حول رحى الضياع و الفساد قروناً قرونا. الفساد ينبع من ضياع الفكرة الصحيحة و الخلق السوي و منذ أيام فقط علمت بأن فلاناً تآمر مع دلال بيوت في لعبة وسخة حصيلتها أخذ العمولة على مبيع بيت لوالدته من دون أن تدري . هذا المثال من جنس مثال الذين تراموا على اليهود ليعانقوهم ترامي اليتيم على أم فقدها ثم وجدها بعد فقد طويل و لسبب لم يلصقه أحد بهم بل فضحوا أنفسهم بذلك عندما قال واحدهم أن هذا هو حلم جده منذ ثلاثين عاماً ؛ أي أن الأمر ليس لمصلحة الأمة ولا الحفاظ على عقيدتها و لا اختيار أخف ضررين محيطين بل خيانة عريقة ورثها الأحفاد عن الجدود وبيعت فيها الأمة منذ ثلاثين عاماً ليتقاسم فيها العمولة أجداد وأحفاد . هذا المثال مثل نموذج دلال البيوت وخائن أمه . كلا المثالين موقف مخزِ يدل على إفلاس حضاري و أزمةٍ فكرية مخيفة لا يتعظ أصحابها ، وانهيار أخلاقي مرعب . أزمتان : أزمة فكر وأزمة أخلاق متعانقتان جدلياً في اندغامٍ شديد و إن كانت البداية فيما أظن: أزمة فكر صحيح.
بعيداً عن الإغراق و التحليل يبقى أساس الشهود الحضاري الصحيح و التوازن الحياتي البناء المُسعِد :كتاب الله و سنة نبيه الهادي صلى الله عليه و آله و سلم ، و بآية واحدة لخصت المشكلة و قدم الحل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (و العصر إنَّ الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر) العصر . ففي محكم التأويل أنَّ الإمام الشافعي رحمه الله قال : لو فكر الناس كلهم في هذه الصورة لكفتهم ، و ذكر الطبراني أن الرجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر ، وقد ظن الناس أن ذلك كان للتبرك وهو خطأ و إنما كان ليذكر كل واحد منهما صاحبه فيما ورد فيها خصوصاً من التواصي بالحق و التواصي بالصبر حتى يجتلب منه قبل التفرق وصية خير لو كانت عنده . اللهم فقهنا في دينك و ردنا إليك رداً جميلاً .
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى