مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* قصص قصيرة : حكايات جدتي - ام مرتعبة - مات حلمي - فسحة - قط النفايات - التمني

اذهب الى الأسفل

* قصص قصيرة : حكايات جدتي - ام مرتعبة - مات حلمي -  فسحة - قط النفايات - التمني Empty * قصص قصيرة : حكايات جدتي - ام مرتعبة - مات حلمي - فسحة - قط النفايات - التمني

مُساهمة  طارق فتحي الأربعاء أبريل 02, 2014 3:36 am

حكايات جدتي
طارق فتحي
عندما ننتهي من طعام العشاء من على سطح منزلنا القديم من منطقة الفضل في بغداد – الرصافة . نأبى النوم انا واخي الذي يكبرني بعامين فقط الا ان تقص جدتي علينا احدى قصصها الجميلة والمرعبة في آن واحد . وكانت جدتي تغمرنا بمحبتها لنا حيث كل منا يعتقد ان الجدة تحبه اكثر من الآخر .
فاخذت تقص علينا رواية لا زال صدى اسمها يدور في عقلي لغاية يومنا هذاوروايتها الخالدة في ذهني ( مخرمش الوجهين ابو شين الطبايع ) مع اننا لا نفقه جل معناها لورود كلمات غريبة علينا مثل ( مخرمش – شين – الطبايع ) الا ان الرواية كانت تقدم صورة حقيقية لاعمال الانسان السيئة . يقابلها شرح جدتي للاجابة على تساؤلاتنا البريئة وتفكيك بعض من طلاسم الكلمات التي لا نعرف معانيها .
اسلوب السرد القصصي للجدة كان رائعا نبرات الصوت تختلف عند الانتقال من واقع الى آخر اثناء سردها لتفاصيل واحداث القصة . وايماءات يديها والتلويح والتطويح بهما يمينا وشمالا ونحن نتابع حركاتها بعيوننا الصغيرة يمنة ويسره فوق وتحت كأننا تحت تأثير مخدرا قوي المفعول . اضف الى ذلك تعابير وجه جدتي وتقاسيمه التي تتغير كلما تورد مصطلحا جديدا وبما يتناسب مع صفات ومعاني الكلمات من الخوف والحزن والفرح والاندهاش والترقب وما الى ذلك . ونحن بطبيعة الحال كنا نقلد حركات وتعابير قسمات وجهها تماما
كنت الاكثر سؤالا وفضولا من بين اخوتي واكثر الحاحا لتكملة ما بدأت به الجدة من حكاياتها الرائعة لدرجة تصل الى التوسل وتقبيل الايادي . اخي الذي يكبرني كان اكثر جبنا ورعبا وخوفا في المواقف المختلفة للرواية وغالب ما كان يهرب من مجلسنا ويذهب الى فراشه ويغطي راسه وجسده تماما ويغط في نوم عميق مباشرةً .
اعجوبة وبراعة الجدة في فن الايماء كان رائعا وهي تمثل ( المطر - العواصف الرعدية والترابية - الحرائق – السباحة – القفز من مكان شاهق ) مع حركات اليد وتغيير قسمات الوجه واختلاف نبرات الصوت صعودا وهبوطا مع الموسيقى التصويرية لاحداث القصة المتنوعة تجعلك ترى وتشاهد بأذنيك لا بعينيك .
ما اجملك يا جدتي وما اجمل قصصك ورواياتك المتنوعة دوما ( الاميرة فاطمة والشاطر حسن ) ( شجرة الجوز ) ( كرامات الاولياء الصالحين ) ( الملك الصالح والاخر الطالح ) ( قصص شخوص اثروا في مجتمعاتهم ) واتضح لي في ما بعد انها تتطابق تماما مع قصص الانبياء و( رجال حول الرسول ) عندما اقتنيت كتاب قصص الانبياء وانا في مرحلة الاعدادية اندهشت كثيرا لما علمت ان هذا الكتاب يروي قصص جدتي التي كنت التهمها في حينها بشغف ونهم عظيمين واحفظها عن ظهر قلب .
للتاريخ اقول ان جدتي هي في الحقيقة عمة والدتي المرحومة ( العمة كميلة ) كما كانت تناديها والدتي . هذه الجدة الرائعة حافظة للقران الكريم وللاحاديث النبوية الشريفة ولقصص الانبياء وغيرها من الموروثات الاسلامية التي توارثتها شفاها من والدها الشيخ ورجل الدين الصالح عبد الرحمن خلال سني حياتها المختلفة . واستذكارا وتوثيقل لما بذلته هذه الجدة الرائعة في تربيتنا وتنشأتنا النشأة الصالحة مما يجعلنا اليوم نترحم عليها في كل مناسبها نتذكرها فيها ونتذكر رواياتها واحداثها التي اتضح لنا اتها تتطابق تماما مع القصص القرآني وقصص الموروث الاسلامي الحاث على مكارم الاخلاق .
ولنا لقاء آخر مه الجدة ( فضيلة عبد الرحمن ) وهي عمة والدتي ايضا وندعوها بالجدة بحسب ما تأمرنا والدتنا بذلك . والى لقاء آخر مع حكايات جدتي استودعكم الله تعالى .

ام مرتعبة
طارق فتحي
قصة تحكيها ام لطفلة كانت تعيش مع طفلتها الصغيرة ذات الاربع اعوام فى منزلهما القديم حيث كان زوجها دائم السفر .. قصة من قصص مرعبة جدا نقدمها لكم من خلال نادي القصة القصيرة قصص واقعية حدثت بالفعل فى مكان ما من العالم .. احذروا من غرف الاطفال ليلا و احذروا من المساكن المهجورة و الاصدقاء القدامى الخياليين و الخزانات المقفولة والسراديب الاقبية المهجورة والسكان السابقين ..
كما تعلمون اعزائي القراء من خلال قصصي التي تدور حول الميتافيزيقيا والماورائيات. لنا منزلاً عتيقاً في منطقة الفضل في بغداد تشم منه رائحة التاريخ القديم . ويتكون من طابقين وعدة غرف وسرداب كبير مظلم طوال الوقت . وتوجد في المنطقة جارة لنا تسكن غير بعيد عن منزلنا . تعمل في مستشفى المجيدية سابقاً ( مستشفى الجمهوري حالياً ) . قسم ما يسمى اليوم بالطبابة العدلية ( الطب العدلي ) ولها ابنة صغيرة تدعى وجدان . اروي لكم قصة الام صبيحة كما روتها لوالدتي وكنت في حينها مستمعاً جيداً لما يجري من حوار .
فى احدى ليالى الشتاء الباردة وفى منزل قديم متهالك آيل للسقوط منزل بعمر التاريخ حيث كانت تعيش الام صبيحة مع ابنتها وجدان ذات الاربع اعوام سمعت الام صوت ابنتها تتحدث مع شخص ما فى غرفتها ليلا فى الطابق العلوى من المنزل .. و كانت الام تعلم جيدا انه ليس هناك اى شخص بالمنزل سواهما حيث ان زوجها كان مسافرا فى رحلة عمل و ابنتها ليس لها اصدقاء بحكم صغر سنها وليس لهم جيران اخرون فى المنطقة غيرنا ..
ذهبت الام مسرعة الى غرفة ابنتها و سالتها مع من كانت تتحدث ؟ قال لها ابنتها ببراءة الاطفال انا اتحدث مع صديقتى سعاد!!
وقتها ظنت الام ان ابنتها تتخيل اشياء غير حقيقية بسبب الوحدة فقالت بابتسامه الام المعهودة . اذا اخبرى صديقتك سعاد ان وقت النوم قد حان ففعلت البنت ما طلبته منها امها و بعد اسبوع واحد فقط علمت الام بالصدفة ان مالك سابق للمنزل كان لدية ابنة صغيرة تدعى سعاد توفيت في حادث غامض و هى طفلة تكاد تكون بعمر ابنتها !!

مات حلمي ...
طارق فتحي
يقع دارنا على شارع رئيسي يربط بين شارع الكفاح والشيخ عمر في منطقة الفضل بجانب الرصافة من العاصمة بغداد وبالتحديد في محلة ( خان لاوند ) حيث ولدت هناك في العام 1948. كان يحد الشارع من جهة جامع الفضل مقهيين متقابلين يزدحمان بالزبائن عصر كل يوم وفي نهاية الشارع باتجاه الشيخ عمر كانت تقع مستشفى الطواريء القديمة ومنه الى الباب المعظم حيث سايلو الحبوب وكراج الامانة . هذا هو عالمي الذي عرفته .
في عمر الست سنوات كنت اهرب من البيت خلسة الى الحي حيث التقي باطفال المحلة على ندرتهم آنذاك . ومع حرص والدتي الشديد ومنعنا من الخروج من البيت مخافة من هذا الشارع ومن السيارات التي ما انفكت تقطعه ذهاباً واياباً . غالباً ما كانت والدتي ترسلني الى خضير صاحب محل بقالة لابتاع لها السكر والشاي والنفط الابيض . النساء الشابات لا يخرجن للاسواق الا مرة واحدة في اليوم حيث كان الحياء الشديد من معالم ذلك الزمان .
وبالرغم ان لي اخاً يكبرني بعامين الا ان مشاوير سد طلبات واحتياجات البيت كنت اقوم بها بمفردي كوني اكثر شجاعة وحرصاً منه . في احد مشاويري الى محل سليم الاخرس لجلب ملابس والدي بعد كيها . رايت العم سليم كما كنت ادعوه يضع جمرات الفحم الحارة في المكواة فهالني ما رأيت وبفضول الاطفال كنت كثير الاسئلة عما ارى مع علمي ان العم سليم اخرس لا يستطيع الرد .
حضر طفل آخر ووقف بجانبي امام محل العم سليم وكالعادة تم التعارف بيننا وعلمت ان داره تقع مقابل محل سليم يسكن في شقة بالدور الثاني وهو الطفل الوحيد لامه ابوه توفي بمرض السل . وهو بعمر السنة الواحدة . اسمه حلمي اسم غريب وجميل جدا ينطبق تماما مع صورته وهيئته فاعجبت فيه اعجاباً شديداً سيما وان والدته لم تسمح له بالخروج من الدار وعاداتهم مشابهة لعاداتنا تماماً فتعلقت به بشدة واصبحنا نتواعد معاً ونهرب من البيت لنلتقي ونلهو سوية .
في احد المرات التقينا وبيده اطار دراجة هوائية وباليد الاخرى عصى قصيرة . فدهشت للامر وقلت له ما هذا يا حلمي اجابني انها لعبة ( الجرخ ) وساعلمك اياها واجلب لك واحدة عند لقائنا مرة اخرى . واخذ حلمي يجرخ فيه امامي ويركض وهو في غاية السعادة والفرح والابتسامة لا تفارق تقاسيم وجهه الجميل بشعره الذهبي المرسل الى الخلف كأنه يحلق في الفضاء .
تكررت لقاءاتنا والحق اقول لكم كان حلمي صديقي الوحيد من اولاد المحلة وتعلقت به بشغف وحب كبيرين . وتعرفت على والدته وانا اوصله لشقته فكانت امرأة فاتنة جدا كانها احد ملائكة حكايات جدتي . وصوتها الرخيم وهي تتكلم معنا يشدنا اليها بكل قوة فاجتمعت فيها كل الصفات والافعال الحسنة او هكذا كنت ارى الامر .
ذات عصر يوم جميل وبعد خروج والدي الى المقهى خرجت من الدار بحجة شراء بعض الحلويات المشهورة في ذلك الزمان ( المصقول الابيض الكبير وحلوى اخرى تسمى كعب الغزال وحلقوم مكعب الشكل زاهي الالوان كبير الحجم وحامض حلو وغيرها ) . ناديت حلمي باعلى صوتي وانا اقف تحت شباك شقتهم في الشارع .
هبط حلمي السلالم مسرعاً على غير عادته وبيده اطاريين مع عصيهما واحده له والاخرى لي كنت اخبئها عنده لعلمي ان والدتي سوف تكشف الامر وتمنعني من الخروج . كان حلمي اكثر جرأة مني ويذهب الى اماكن بعيدة نسبيا عن محلتنا بحكم لعبته ( الجرخ ) فاشار الي ان نذهب هذه المرة باتجاه الشيخ عمر ومنه الى سايلو الحبوب حيث ان هناك ساحة كبيرة بارضية مستوية جدا تتناسب مع لعبتنا الجديدة .
امتنعت اول الامر وقلت له انا لا اخرج من المحلة فاقنعني بان والدتي لو رأتني مصادفة وانا العب لعبة الجرخ في المحلة حتما ستكشف الامر وتمنعنا من الخروج سويةً واتضح ان حلمي اكثر جرأة مني وان امه لا تعلم اطلاقا بتصرفاته ولعبه حيث كان يكتم كل اموره عنها بخلافي تماماً . وبعد تأمل غير طويل وجدت حلمي على حق وعلى الاخص بعد تعلقي الشديد به والخوف من حرماني من اللعب معه وليس لي صديق غيره كان هو كل دنياي وفرحي وسروري .
هيا بنا نلعب صرخت بوحهه بهذه العبارة وانا غير مبالي البته واكتسبت شجاعة حلمي ومغامراته وما توقفنا لالتقاط انفاسنا الا ونحن نتكأ على جدار مستشفى الطواري القديمة وكان هذا اول خرق لقانون البيت والتعرف على عالم جديد تماماً مع العلم ان المكان لا يبعد أكثر من اربعمائة متر عن دارنا . وركبنا طيش الطفولة وانطلقنا نحو ساحة سايلو الحبوب في باب المعظم . وكم كانت دهشتي عظيمة وتوقفت عن اللعب تماما وانا اشاهد هذه الخزانات العملاقة تشمخ في السماء . يا الهي كيف صنعت وانتصبت هكذا ولماذا لا تقع عند هبوب الرياح الشديدة وما في داخلها وكيف تملأ بالحبوب .؟ واسئلة كثيرة تدور في عقلي وانا اشاهد مكان غريب لاول مرة في حياتي . ساحة كبيرة رصفت جيدا وبنعومه مدهشة وشاحنات عملاقة كأنها تنانين جبارة مصطفة بنظام وانتظام مهولين وقفت بجانب اطار احداها وهي تشمخ عالياً وقفت على اصابع قدمي ومددت يدي بكل قوه للاعلى حتى المس الاطار فما افلحت
وقطع علي حلمي سلسلة افكاري الطفولية وهو يصرخ باعلى صوته هيا بنا نلعب وكان لنا ما اردنا ولم ندع شبرا واحدا من هذه الساحة الا ومرت عجلاتنا عليها وكان حلمي يخرج بين الفينة والاخرى الى الشارع الرئيسي الخطر جداً ويغيب لحظات ويعود ثانيةً . وهو يوصف لي المتعة الهائلة وهو يمرق من بين السيارات بجرخه الدائري وهو يطير به كالعصفور .
توسلني حلمي ان اخرج معه ولو لمرة واحدة فقد مللنا من ساحة السايلو نريد لعبا حقيقيا ونحن نمرق بين سيارات حقيقية متحركة بركابها وسائقيها لا سيارات جاثمة في الساحة ونحن ندور حولها كالمجانين . فشرطت عليه بالايجاب ولمرة واحدة فقط فوافقني .
خرجنا معا الى الشارع الرئيسي بعد ان درنا دورة كاملة حول الساحة وكنت انا من يضع شروط اللعب . ونحن مسرعين بين السيارات المتحركة في الشارع الرئيسي الخطر نوعا ما فاذا بعجلة حلمي تفلت من بين يديه محاذية لشاحنة كبيرة مليئة بالحبوب تهم الدخول الى الساحة من طرف الشارع الرئيسي . وركض حلمي مسرعا في محاولة لجلب عجلته خشية ان تمر الشاحنه من فوقها وتدمرها .
تزحلق حلمي فوق كمية من الحبوب منتشرة في الساحة وقريبا من احد العجلات الخلفية المزدوجة للشاحنة وهو ممسكا بعجلته بعد ان نال مراده , حينها صدر صوتاً عظيماً رجت له اركان المكان واختلط مع اصوات توقف الشاحنة المفاجيء وكم هائل من الدخان الاسود غطى المكان اختلط مع اصوات نفذ الهواء بشدة وتعالت الصرخات من رجال كانوا يقفون غير بعيد عن المكان .
لفني صمت رهيب وخوف شديد من الرجال وهم يتراكضون نحوي مسرعي الخطى وجريت بكل ما اوتيت من قوة الا اني لم افلح وتسمرت في مكاني تماماً والهلع سيطر على جميع حواسي وعندما اقتربوا من كثيرا اجتازوني ولم يهتم احد بي فنظرت نظرة فاحصة فاذا بي ارى حلمي تحت الشاحنة واطاراتها الخلفية المزدوجة تقف فوق راسه تماما وعندما تقربت اكثر لمست جسد حلمي الساخن المقطوع الراس ولم اتبين منه سوى اكتافه البادية للعيان وسوائل حمراء وبيضاء مخلطة وغير مخلطة تنساب من جمجمته بكل هدوء . عبثاً حاولت ان ارى وجه حلمي الجميل وانا اتنقل كالعصفور حوله فما افلحت ليس هناك شيء اسمه وجه لقد سوي بالارض الصلبة تماماً . وبعدها تحركت الشاحنة للخلف قليلا واخر ما شاهدته الرجال يسحبون جثة حلمي وهو لازال ممسكاً بعجلته لم يفلتها ابداً عندها تيقنت ان حلمي قد مات ولم يعد للعب معي ثانية وساعود لوحدتي من جديد .
اخذ الرجال جسد حلمي بودن رأسه ووضعوه في سيارة صغيرة وهم يهمسون مع بعض علينا ان نسلمه الى شعبة الطواري خفت بشدة ولما لم يبالي بي احد قررت الهرب من هول هذا الموقف الذي لا زلت اذكره بكل تفاصيله بعد مرور اكثر من ستين عاما على هذا الحادث الاليم . وقفلت عائدا الى دارنا ولم اخبر احدأ بما جرى واعتكفت مع نفسي ولازلت لغاية يومنا هذا لا اعلم ما جرى بعد هذا الحادث . وهذه المرة الاولى التي افصح بها بما جرى .

فسحة من خارج الزمن
طارق فتحي
في شمال عراقنا الحبيب توجد اجمل قريتان شاهدتما في صباي هما قرية طماشة التي لم تخرج من العصر الحجري الحديث الا من فترة وجيزة . وقرية اخرى يسكنها الايزيديين احد اطياف النسيج العراقي البهي . يفصل هاتين القريتين جبلاً صغيراً يسميه اهل القريتين بجبل الشيطان لوقوع حوادث غامضة فيه ومن حوله . يوجد في اعلى هذا الجبل أي في قمته حفرة غير واسعة ليس لها قرار. ووادي فسيح جداً يدعوه اهل القرى المجاورة بوادي الشيطان تعلوه الحشائش الخضراء والزهور البرية الطبيعية ذات الالوان المشرقة التي يعجز العقل عن حقيقة وجودها وتنوعها .
وكعادة الناس البسطاء نسجت حول هذا الجبل الكثير من الاساطير والخرافات منها من الموروث الشعبي للمنطقة ومنها ما تناقله الاجداد والجدات عن الاسلاف . ومع مرو السنين والقرون تضخمت هذه الحكايات حتى اصبحت من الامور المسلمة بها والتي لا تحتمل التأويل. منها ما ينسب الى المعجزة واخرى الى كرامات الصالحين من البشر ومنها الى قدرة الله في نواميس خلقه .
قرية طماشة لا تتعدى بيوتاتها العشرون بيتاً بنيت من الحجر الصخري المتوفر بكثرة في المنطقة ومن مادة ( الملاط ) وهو ما نسميه باللهجة البغدادية الدارجة ( الجص ) وغالباً ما تكسى الجدران بالطين الممزوج مع التبن سويقات نبات الحنطة كي تعمر طويلاً.
ما يميز هذه القرية والقرى المجاورة الاخرى انها بنيت وسط البساتين فوق طبيعة خضراء تسلب الالباب . يمر اسفل منها نهير صغير يجري فيه الماء في فصل الربيع اثناء ذوبان الثلوج من قمم الجبال الشاهقة . الطبيعة الجميلة والباهرة للمكان برمته خلقت اناساً غاية في الطيبة ومكارم الاخلاق.
شاءت الاقدار ان يكون لزوج خالتي حسن عمر بستان في قرية طماشة مشاركة مع احد اقطاعي المنطقة ويدعى حسن بيك . يعتبر من اجمل بساتين المنطقة . كنت مع اولاد خالتي في قرية طماشة وهي المرة الاولى اشاهد فيها الطبيعة البكر والجمال الفطري المبثوث في كل زاوية وحجر . تعرفت على اهل القرية حيث كانوا يعاملونني معاملة خاصة كوني قادما من ارض من خارج زمنهم من بغداد العاصمة .
في عصر ذات يوم قررت ثلاثة عوائل ان تذهب صباح اليوم التالي في فسحة الى اطراف القرية الايزيدية التي تقع خلف جبل الشيطان مباشرة. وفي الصباح رحلت العوائل الثلاثة الى ما اتفقت عليه عصر اليوم الفائت. ومكثت في دار خالتي وحيدا حيث أنهم لم يوقظوني لاني اخبرتهم بالذهاب الى النهر لاصطياد بعض الاسماك ان وفقت في ذلك . حملت عدة الصيد خاصتي وذهبت الى النهر وقت الظهر . وبعد ان اصدت سمكتان صغيرتان اتاني احد اولاد خالتي الصغار يجري مسرعا وبانفاس متقطعة اخبرني ان خالتي نسيت طعامهم وعلي ان احضر لهم الطعام وكان حينها الوقت ما بعد الظهيرة .
فاجبت طلبه بالموافقة فذهبنا سوية الى البيت واحضرنا الطعام وخرجنا مسرعين باتجاه الجبل. وصلنا قبل المغرب بقليل وقررت خالتي وزوجها ان امكث معهم لتناول الطعام فلم اوافق لاني تركت عدة الصيد عند حافة النهر. عبثا حاولت خالتي ان تثنيني عن العودة الا اني ابيت الا ان اعود وكان لي ما اردت .
مضخت لقيمات صغيرات على عجلة من امري وهممت بالعودة مسرعاً. حل المساء سريعاً وانا اجري بكل ما اوتيت من قوة وعزيمة. الا ان الظلام ادركني وضاع الطريق عني فامسيت اجري على غير هدى . تلفتت ذات اليمين وذات الشمال علي اجد شيئا استدل به الى طريق العودة . فوجدت بصيص نور من بعيد فاخذت اجري باتجاه النور فاذا بي ارى نارا موقدة وسط سقيفة جميلة جدا عملت من جذوع الاشجار الرفيعة مسقفة باغصان خضراء فامتزج السواد بالخضار وبوهج النار الاحمر والاصفر منظراٍ ولا في الخيال .
سكن روعي وهدأت نفسي فارتميت بجانبهم فاذا بهم رجل كبير في السن مع ابنة شابة حسناء غاية في الجمال . فاخبرته عن وجهتي وكيف السبيل للوصول الى قرية طماشة كوني لم آألف المنطقة ليلاً واجهل الطريق بتعرجاته والتفافاته العجيبة والغريبة .
والحق اقول لكم كان وجه الشيخ العجوز جميلا جدا وهو دائم الابتسامة مع وقار وهيبة فرضهما الزمان والمكان على محياه. رد الشيخ مبتسماً كعادته . انك لن تستطيع الوصول حتى لو وصفت لك الطريق. اني اخاف عليك من الحيوانات البرية التي تنتشر في المنطقة ليلاً. فنادى على ابنته ان تجلب لي فرش النوم فاسرعت من فورها خلف السقيفة واتت بوسادة قديمة وغطاء خفيف عمل من الصوف الخالص فارتميت على بساط موازياً لبساط الشيخ بعد ان شربت كوزاً من اللبن الرائب الطازج لازلت اذكر نكهته وبعدها استسلمت لنوم عميق.
في صباح اليوم التالي نهضت باكرا بعد ان غمرتني الشمس باشعتها الذهبية الحارقة وانا وسط ذهول عجيب اذ لا وجود للسقيفة ولا للشيخ ولا لابنته الحسناء ووجدت نفسي مستلقيا على حشائش خضراء وسط بستان قريب جدا من قرية طماشة .

قط النفايات...
طارق فتحي
في العاشرة من عمري كنت صبياً غضاً نشطاً دائم الحركة في البيت العتيق الذي نسكنه في منطقة الفضل بجانب الرصافة من بغداد . بيتاً شرقيا يتكون من حوش كبير ومن حولة اساطين خشبية تخفي ورائها بعض الغرف العتيقة . وكانت العادة عندنا ان نتناول طعام العشاء على سطح المنزل قبيل غروب الشمس بقليل . بعد ان يتعاون الجميع في تهيئة مستلزمات العشاء مع صعود وهبوط درجات السلم مراراً وتكراراُ مع اخوتي الباقين .
تغمرنا السعادة عندما نرى جدتي او امي احياناً وهي ترشق السطح الترابي للمنزل برشقات من الماء من دلواً تحمله بيدها وطاسة من النحاس الاصفر تحملها في يدها الاخرى . ونشم رائحة التراب المخلوطة مع طيب الزمان والناس كأننا ملكنا الدنيا بما رحبت .
الاعمال البسيط والسهلة نقوم بها نحن الابناء اما تلك التي تتطلب جهداً اضافياً مثل مليء المشربة بالماء الصافي من حنفية البيت الوحيدة التي تتوسط الحوش بغية وضعها على محجر السطح الذي يمنعنا من السقوط. او فيها خطورة علينا مثل حمل رقية كبيرة الحجم مع سكين وصينية صغيرة نحاسية في الغالب .
وذات يوم اجتمعنا كعادتنا في كل يوم لتناول طعام العشاء بحضورنا جميعاً باستثناء والدي الذي كان يغيب قليلا في مقهى الفضل الكائن في بداية شارع الفضل من طرف شارع الكفاح مقابل جامع الفضل ابن سهل .
وحين اتممنا العشاء طلبت مني والدتي باعتباري اجرأ وانشط شخص من بين الابناء ان ارمي كيس الزبالة في خرابة مجاورة لبيتنا تقريباً حيث ان اهل المحلة يرمون نفاياتهم فيها ليلاً بالتحديد . من قبل نساء المحلة كي لا يراهم احداً حياءاً من الرجال . وقت كان الحياء فيه سمة غالبة على القوم .
والسبب الذي دعى والدتي برمي كيس النفايات هذا المساء هو العشاء الدسم الذي كان سمكا مقليا مع نواشف اهل ذلك الزمان وخشية من شم القطط للروائح وازعاجنا ليلاً في منامنا .
اخذت الكيس من يدي امي وهبطت السلالم مسرعا وانا فخور باختياري من قبل والدتي مما عزز الثقة في نفسي وشجاعتي وكنت كذلك فعلاً . وما ان خرجت من باب الدار متجها صوب الخرابة . فاذا بصائح يصيح بي ( لا ترمي الكيس ) .
فتلفت ذات اليمين وذات اليسار فلم اجد أي شخص في الشارع ولا بقرب الخرابة فعجبت من نفسي من اين اتى هذا الصوت .؟ واستمريت في الجري لأرمي الكيس فيه فاذا بالصوت يتكرر ثانيةً ( لا ترمي الكيس ) وكان هذه المرة شديد الوضوح تماماً واخذ مني الخوف مأخذه قليلا ولم استطع تفسير الامر حينها . وعندها تأكدت تماماً ان الصوت حقيقي وليس تهيؤآت تحدث لشخص خائف جداً .
عندها نفذت تعليمات صاحب الصوت بلا ارادة مني كأني انسان مبرمج من قبله ووضعت الكيس بجانب الرصيف امام الخرابة ولم ارمه فيها . وعندها انسحبت بهدوء ممثلا مع نفسي دور الشجاع الذي لا تهمه الاهوال والاحوال وانا في سري وداخلي ارتعد خوفاً واتصبب عرقاً واصبحت المسافة بيني وبين باب دارنا طويلة جدا كأنها اميال .
وعند وصولي دارنا دخلت بهدوء وأخذت انظر خلسة الى الكيس حيث مصدر الصوت الذي سمعته . فاذا بي ارى قط اسود كبير الحجم ذو منظر غريب وغير مألوف وهو حتما ليس من قطط المحلة التي آلفناها نهاراً . وتكرر ذات الصوت ولكن بنبرة مختلفة وكأنه صوت فتاة سمعتها تقول ( شكرا لك . يا شاطر اعطيت اخي طعاماً لانه اتى من السفر للتو وكان تعبان وجوعان ومزاجه عصبي لانه لم يجد لدينا طعاماً ) وتأكدت حينها ان ما سمعته من اصوات كان حقيقا وليس اوهاما او تخيلات شخص خائف .
فهرعت نحو السطح متجاوزا السلالم بطفرات تطوي سلمتين او اكثر احيانا ودسست نفسي في الفراش دون ان اكلم احداً وقصصت ما رايت بالامس لجدتي في الصباح الباكر فقالت لي لا تخف يا ولدي انه ملك صالح لا يؤذي الاطفال .

ما كل ما يتمنى المرء يدركه
بقلم : طارق فتحي
اتاني خالد في احد الايام حيث كنت في المكتبة التهم كتاب المجسطي قراءةً ونقلاً وقال لي اني ذاهب برفقة احد اصدقائي الى منطقة الزرقاء لمعاينة سيارة في النية شرائها وقد نغيب يوما او يومان . فقلت له لا عليك انا كل همي المكتبة آتي اليها في الصباح واخرج منها للغداء ثم اقفل عائدا اليها حتى المساء . ووعدني خيرا عند عودته وقال لي ان الفندق آأمن مكان لكلينا فلابأس ان نبقى فيه فلم اعترض كلامه وكنت اهز رأسي له بين الحين والاخر بالايجاب والقبول .
وكالعادة خرجت لتناول وجبة الغداء في احد كازينوهات وسط البلد فاذا باحدهم يصرخ باسمي من الطرف الاخر للشارع ولما عبر نحوي تبينته فاذا به احد اصدقاء الطفولة والصبا والشباب وزميل الدراسة . وبعد عناق طويل وبكاء قصير قدم هاشم عبود نفسه لي بانه محامي وهو يشارك احد الاردنيين مكتباً للمحامات . واخذني الى داره حيث عائلته وتمتعت بوجبة غداء فاخرة بنكهة عراقية صرفه وتعرفت على باقي افراد العائلة الكريمة . وشعرت حينها بسعادة تغمرني واحساس لم امر به سابقاً فاستحلفني ان اسكن عنده ولدية غرفة شاغرة مناسبة لي . الا انني اعتذرت من هاشم عبود ذلك الانسان الرائع ووجدت فيه نفس خصال الطفولة والشباب ببرائته المشهودة عنه وطيبىة اخلاقة ودماثة خلقه .
وفي احد الايام خرجت كالعادة للغداء في وسط البلد فاذا بشخص يوقفني وتكلم معي بلهجة عرفت منها انه لبناني الموطن وقال لي وهو ينظر الى احد شاشات الهواتف العامة في الشارع الرئيسي وكانت مكتوبة باللغة الانكليزية وهو لا يجيدها فترجمت له المطلوب وتعارفنا وقال لي انك عراقي فقلت له نعم . فقال انا احب العراقيين فكلهم مثقفين جيدين . وسألني عن سكني فاجبته على سؤواله فعرض علي السكن في شقته مجانا . على ان اعلمه اللغة الانكليزية . فلم اوافقه الرأي وقلت له امهلني افكر بالموضوع وانا اثابر على الحضور في مكتبة عمان الكبرى واعطيته ساعات تواجدي فيها . وقلت له بعد بكره تجدني في المكتبة وتحصل على اجابتي . فسر الرجل بي وقال بالمناسبة انا اسمي محمد الحلو . وكان بحق شابا وسيما ( يعني اسم على مسمى ) .
تناولت الغداء وعدت ادراجي الى المكتبة وكم كانت دهشتي كبيرة اذ وجدت الصديق خالد فيها وهو يتصفح مخطوطة المجسطي التي تركتها مفتوحة عند مغادرتي للمكتبه في حينها . فقفلنا عائدين الى الفندق وفي غرفتنا وجدت ثلاث شبان لبنانيين يظهر انهم كانوا مع خالد وتحدثنا قليلا بعد تعارفنا عن المخطوطات واخبرتهم بما املك من معلومات بشأنها والعلوم الغريبة التي وجدتها بين دفتيها .
تمت مساومتي على نشر مؤلفاتي وكانت حينها اربعة مؤلفات تتناول العلوم القديمة المندرسة وبعد تصفح صفحات مسودة كتابي الموسوم ( علوم سادت ثم بادت ) عرضوا علي التالي : السفر الى لبنان العاصمة بيروت
1 - تأجير شقة فاخرة مع جهاز حاسوب وانترنيت مجاني
2 - شراء سيارة تمليك باسمي الشخصي غير قابلة للرد
3 - تأليف الكتب الاربعة واعادة صياغتها
4 - يقسم ريع الكتب بنسبة 50% للمؤلف والباقي للشابين الذين سيتكلفان بالمشروع
5 - بعد الاتفاق المبدئي والسفر الى لبنان يتم توقيع العقد هناك حسب الاصول
6 - جلب عائلتي من بغداد الى بيروت للسكن معي وكل شيء يصبح ملكا صرفا لي بعد انتهاء العقد باستثناء الشقة اذ كانت مؤجرة ومملوكة لصاحبها.
وكان خالد يلتقط اطراف الحديث بعيون ذئب ولم ينبس ببنت شفة طيلة مناقشاتنا بعد ان خرج احد الشبان الثلاثة . فقلت لهم طيب امهلوني يوما او يومان ريثما ادبر الامر مع نفسي والانتهاء من مخطوطة المجسطي التي بين يدي . فوافقوا على ذلك وقالوا نحن ايضاً لدينا اتصالاتنا لترتيب الامر. وكان موعد اللقاء بنفس الساعة وفي نفس الفندق .
وما ان خرج الجميع ومعهم خالد حتى ارخيت نفسي على سريري وانا اقلب افكاري ذات اليمين وذات الشمال اذ لا خبرة لدي في مثل هذه الامور ولا اعلم هل العرض كان لصالحي ام لصالحهم .. يا .. الهي .. انها فرصة العمر بالنسبة لي واخذت احلم .. واحلم .. حتى استحضرت صورة الاديب العربي نجيب محفوظ حيث كان اصدقائي ينعتوني به ايام الصبا والشباب لجميل رواياتي وقصصي المشوقة .واخذتني افكاري بعيدا وانا اجالس عباس محمود العقاد واحمد شوقي والمنفلوطي وطه حسين وادباء وكتاب آخرون من بلادي متوجاً بجائزة افضل مؤلف عربي في مؤتمر عربي عقد في مصر وما ان اعتليت المنصة حتى دوى تصفيق هائل رجت له قاعة المؤتمر واذا باحدهم يصرخ عالياً .. يالعراكي .. يالعراكي .. تلفون على شأنك . فافقت من احلى غيبوبة يقظة مررت بها في حياتي . وكان الاستاذ هاشم عبود المحامي على الطرف الاخر من الخط يدعوني لتناول الطعام مع عائلته بأوامر من اختنا الكريمة ام مهند حفظها الله ورعاها . فاجبته بالقبول والحضور .
ذهبت في اليوم التالي الى شقة صديق عمري الاستاذ هاشم عبود وما ان دلفنا الدار معاً انا وهو حتى تلقفتني العائلة بالترحاب والتهليل بعيون مبتسمة وقلوب مؤمنة زاد ذلك من انشراحي وفرحي وفي الحقيقة لم اتمالك نفسي فاجهشت بالبكاء بصمت رهيب حيث كانت الدموع تنهمر على وجنتي وهم يتلقفوني بالسلام والتحية وانا اهز رأسي وامسح دموعي دون ان انبس ببنت شفة كاتما صوتي لا اقوى على فغر فاهي خشية افتضاح امري . يا الهي .. انه احساس جميل ومؤلم لم امر به من قبل . ماذا جرى لي .؟ لا اعلم انها عائلته الطيبة الرائعة هي التي تركت في كل هذه الاحاسيس الجميلة .
تناولنا الغداء على مهل بلذة عظيمة بعد ان سكنت هيئتي وهدأت من روعي وانزوينا في احد غرف الشقة نتجاذب اطراف الحديث وتبين لي ان الاستاذ هاشم عبود لديه نفس اهتماماتي في المخطوطات وحكيت له قصتي بالكامل من البداية وحتى النهاية . فقال لي استاذ يجب ان التقي بهولاء وافهم منهم مرادهم بصفتي محاميك واترك الحديث معهم لي فقط . واتفقت معه على الامر والاتصال به حال اجتماعنا وكان ما اراد فاجتمعنا في اليوم التالي في غرفتي بالفندق بحضور الاستاذ هاشم عبود المحامي . وكانت الامور تجري على غير رضا وقبول من صديقي هاشم وتبيبن ان الشباب انهوا اتصالااتهم وكان المقترح انهم وافقوا(اي جماعة بيروت) على العرض الا ان النسبة انخفضت الى 35% للمؤلف ومثلها لدار النشر في بيروت ومثلها للوسيط الشباب الذين التقوا معي سابقا.
وافق اخيرا المحامي وانا ايضاً وافقت على جميع الترتيبات الا ان الاختلاف دب من جديد فالمحامي يريد توقيع العقد في عمان كونه بلد محايد للعراق ولبنان وقوانينها لا يمكن التلاعب فيها حيث رفضوا هم ذلك . وحمي النقاش ودب الشجار ثانية وانتهى الامر على لا شيء وخرجوا الشباب مغاضبين مخاصمين . وذهب معهم خالد رفيق السفر . فاختلط علي الامر ولم افهم هل ما قمنا به صحيح ام غير صحيح الا ان ثقتي بالمحامي كانت عالية جداً . وتقبلت خسارة الموضوع والفكرة بقلب مطمئن وبعدها خرجنا انا والمحامي من الفندق باتجاه احد المقاهي في وسط البلد لمناقشة الامر معاً . وبعد ان تهالكنا على احد مقاعد المقهى . طلب المحامي من النادل كوبان من الشاي الاسود الفاخر وبعد هنيئة جلب لنا النادل صينية عليها كوبان فارغان وشكردان وقوري مملوء بالشاي الحار قدمها لنا بابتسامه عرضها السموات والارض .
بدأ المحامي بالحديث وقال لي بالحرف الواحد استاذ طارق اترك رفيق سفرك خالد وتعال اسكن عندي لبعض الوقت ريثما احصل لك على شقة مناسبة فامر رفيقك هذا مريب وهو من دبر لك هذا المقلب مع شباب بيروت . والامر هنا ليس كما هو في العراق وعلى الاخص في بغداد فهنا الامور تختلف كثيراً . هنا توجد مافيات عالمية ومحلية من كل نوع وصنف . واني قرأت الامر جيداً في وجوه القوم . وانت اخي وصديق عمري وخشيت عليك منهم كثيراً . وانا محامي مقيم في البلد منذ سنوات وخبرت قضايا كثيرة . والحمد لله الصدفة قادتنا لبعضنا البعض لانقذك من براثن هذه الوحوش البشرية .
نهضت باكرا كالعادة في اليوم التالي وذهبت الى المكتبة كالعادة فاخذت اقلب في اوراق مخطوطتي وافكاري تتراقص امامي على نغمات عزف نشاز والحان باهتة واصبحت في دوامة لا يعلمها الا الله . يا الهي ... ما هذا ..؟ انها كلمات السيد المسيح .. ماذا ..؟ ( بايمانك اشفيك ) انها الكلمتان اللتان بحثت عنهما دهراً . يا لسخرية القدر كنت اظنها كلمات مطلسمة او مشفرة او ملغزة .
وخرجت من المكتبة مثلما دلفت اليها تائه الفكر مبعثر الهواجس مترهلا في مشيتي حتى ارخيت رحلي على احد مقاعد مقهى يقبع على ناصية الطريق العام في وسط البلد حيث الشارع اليتيم الذي يسميه اهل البلد ( سقف السيل )
وبعد هنيئة عثر علي خالد وكان يبحث عني وبعد ان لم يجدني في المكتبة علم اني في احد مقاهي وسط البلد جاء وجلس معي واتفقت معه على كل الامور وانهيت علاقتي به بعد ان سددت له كافة مصاريفه التي صرفها لي وتم اعطاء مبلغ المليون دينار عراقي الى عائلته في بغداد وانتهى الامر بيننا بسلام حيث اخذت حقيبة سفري اروم الذهاب الى شقة اخي وحبيب عمري المحامي هاشم عبود . واذا انا وجه لوجه مع محمد الحلو . فاخبرته باني تركت الفندق . فانحنى امامي بحركة غريبة واذا به يحمل حقيبتي ويضعها خلف ظهره ويصعد بنا ادراج رصت على جبل من وسط البلد باتجاه شقته ودون اعتراض مني تبعته لغاية الشقة.
مكثت عند محمد الحلو ما شاء الله ان امكث واشتريت له كراسة تعلم اللغة الانكليزية في سبعة ايام وقد سبقني محمد بشراء كراسة ايضاً تحمل عنوان ( تعلم اللغة الانكليزية بدون معلم ) الا ان صدمتي كانت كبيرة حيث اتضح ان محمد الحلو لا يجيد القراءة والكتابة لا باللغة العربية ولا باية لغةً اخرى . وبعد انقضاء شهرا او ما يزيد تعلم محمد هجاء الحروف العربية ولكنه لم يجيد كتابة الكلمات . واتضح في ما بعد ان محمد يعمل في تجارة الحديد
( شيش التسليح ) وتهريبة من عمان الى لبنان والعكس بالعكس . وكذلك الحال في تهريب الاشخاص بين البلدين . فاوجست في نفسي منه خيفة
وبعد ان اخبرت المحامي هاشم بالامر . اتى الى شقة محمد وبعذر مقبول لملمت اغراضي وذهبت مع صديق عمري هاشم عبود الى حيث شقته .
ومكثت عنده اسبوع او اسبوعين لا اعلم كم مكثت كانت احلى ايام تواجدي في عمان . وبعدها اوصلني الى كراج بغداد مودعاً اياي وهكذا انتهت رحلة تأليف الكتب في بيروت واضعت فرصة عمري ربما لم ولن تتكرر مستقبلا وفعلا كان ذلك وبقيت مؤلفاتي حبيسة اوراقي لغاية يومنا هذا . ولسان حالي يقول :
( ما كل ما يتمنى المرء يدركه .. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ) .
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى