مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* قصص قصيرة : جنون حمهوري - قصص رعب قصيرة جدا - خروج الروح وعودتها

اذهب الى الأسفل

* قصص قصيرة : جنون حمهوري - قصص رعب قصيرة جدا - خروج الروح وعودتها Empty * قصص قصيرة : جنون حمهوري - قصص رعب قصيرة جدا - خروج الروح وعودتها

مُساهمة  طارق فتحي الأربعاء أبريل 02, 2014 2:56 am

(جنون جمهوري)
مُساهمة  طارق فتحي في الثلاثاء 2 أغسطس 2016 - 6:23
* قصص قصيرة : جنون حمهوري - قصص رعب قصيرة جدا - خروج الروح وعودتها 7210

طارق فتحي
ولدت وترعرت في منطقة الفضل في جانب الرصافة من بغداد الحبيبة حتى بلغت من العمر ما يوهلني ان انتسب الى ( الملا ) لتعلم وحفظ القرآن وكان بيت( الملا حمدان) يقع امام دارنا مباشرةً . ومرت سنتين أخريتين بعدهااخذتني شقيقتي الكبرى لتسجلني في مدرستها ( مدرسة المواهب الابتدائية للينات ) في الصف الاول الابتدائي اذكر ان المعلمة التي استقبلتني اسمها خديجة وامتحنتني قبل الموافقة على دخولي الصف وقالت 2×2 كم تساوي اذا عرفت الاجابة اوافق على دخولك الصف فاجبتها على الفور نعم تساوي 4 . وهكذا تم تسجيلي في الصف الاول الابتدائي.
ونجحت وكانت نتيجتي الاول على الصف الاول . كنت فرحاً كعصفور نشط من عقاله اقطع الطريق بين المدرسة والبيت حاملا شهادتي في اعلى يدي واصرخ في الناس ناجح .. ناجح .. ناجح .. فتلقفني شرطي المرور وحملني وقفز بي بعيدا عن سيارة كادت تدهسني . وبعدما انزلني في الطرف الاخر من الشارع قال لي مبروك النجاح ولكن لا تركض حتى تصل بيتكم بسلام .
وعندما علم والدي بنجاحي اخذني الى السوق واشترى لي بنطلون قصير مع حمالات وصدرية من الامام وحذاء شركسي صيفي من محلات الكاهجي في شارع الرشيد . واصطحبني في اليوم التالي معه بسيارته العسكرية الى وزارة الدفاع القريبة من بيتنا ومن ثم بعد ساعة ذهبنا قصر الزهور لحضور تتويج الملك فيصل الثاني او اعلان الوصاية عليه لا اعلم . وكان والدي من ضمن حرس التشريفات برتبة نائب ضابط . وقد احضر بعض رجال التشريفات عائلاتهم ايضاً .
وبعد انتظار غير طويل في حدائق القصر ظهر لنا الوصي عبد الاله وبجانبه الملكة عاليه وفي المنتصف يقف الصغير الملك فيصل الثاني امام شرفة مطلة على حدائق القصر وكان الملك لاتظهر ملامحة بالنسبة لي فقط رايت عينيه وراسه الصغير , وعزف السلام الملكي واخذت الموسيقى العسكرية تصدح تيمنا بالمناسبة . فاخذتني الدهشة من نظافة المكان ونظافة الشوارع المؤدية للقصر وزهور ورد الجوري الكبيرة نفوح عطرا وجمالا لم ارى مثلها لغاية يومنا هذا . والناس على هيئات جميلة يرتدون ملابس فاخره فشدني المنظر كثيراً وعقدت الدهشة لساني . وعدت الى البيت مع والدي وانا مذهولا مما رأيت .
ونجحت ايضاً في الصفوف اللاحقة حتى الصف الرابع ابتدائي . تغيرت الاحوال بعدها وحدث هرج ومرج في بغداد وتعطلت المدارس والبنات يرتدين زيا عسكريا مصنوع من القماش الكاكي ويضعن الكاسكيتات على رؤوسهن في منظر غريب وعحيب علمت فيما بعد انها فصائل ( المقاومة الشعبية ) المساندة لقائد الثورة عبد الكريم قاسم . وساءت الاحوال بعدها بخروج المظاهرات الطلابية بين الحين والاخر مؤيدة قرارات الثورة وزعيمها الاوحد .
وقبل انتهاء السنة الدراسية بقليل ساد الهرج والمرج في المدرسة وخرجت علينا المديرة ست صبرية القصيرة السمينة الدميمة الخلقة والاخلاق هكذا كنا نراها نحن الاطفال . وتم الاصطفاف في محاولة للانضباط ولكن بعض الفتيات النشطات ذوات الكاسكيتات الكاكية نهرن المديرة ولم يبالين بها وسحبت احداهما شقيقتي الكبرى في محاولة لاعدامها ورموا الحبال على محجر الطابق العلوي من حوش المدرسة واخذت تتدلى وجمعن ثلاث بنات من ضمنهم شقيقتي في محاولة لاعدامهن من قبل المقامة الشعبية النسوية التي كانت تقودها احد طالبات الصف السادس تدعى سهام .
عندها بدأـ الهتافات والصراخ والعويل الممزوجة مع الانفعالات النفسية وحماسة الشباب اخذت سهام تهتف والكل يردد خلفها .
ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة
عاش الزعيم الزيد العانة فلس
يا جمال خشمك شطولة وشكري يدكلك ما صولة
يا جمال العفلقي ياغبي يا ابن الغبي الشعب ما يريد وحدة يا عميل الاجنبي
ماكو زعيم الا كريم موتوا يا بعثية
بعد شهر ماكو مهر ونذب القاضي بالنهر
وغيرها من الهتافات لا تسعفني الذاكرة بها . طبعا كنت اردت الهتافات كالببغاء وانا لا اعي ما يدور حولي الا اننا جميعا تفاجئنا بدخول جارنا من اشقياء الفضل يدعى (فاضل جلعوط) مع رهط من الرجال ونهروا سهام واخرسوها وفكوا الحبال وانقذ اختي مع زميلاتها في فوضى عارمة لا احسن ان اصفها ,
وكانت تقريباً كل يوم تخرج مظاهرات من منطقة الفضل مؤيدة للزعيم الاوحد وكانوا يخرجونا من المدارس وينقلونا بسيارات عسكرية ماركة ( ريو ) اعتقد امريكية الصنع وفي احد المرات هربت من المظاهرات واتيت الى محلات والدي في ساحة زبيدة ( قنبر علي ) ومكثت زهاء الساعة في المحل واذا بالمظاهرات تقتحم شارع الفضل قادمة من منطقة باب المعظم والميدان وتوقفوا عند محل والدي وكان يضع صورة جمال عبد الناصر دوناً عن الزعيم الاوحد .
وعلى حين غرة تجمهر المتظاهرون امام المحل واخذوا بنهب وسرقة البضائع وكسروا الزجاج وابي واقف بدون حراك ولم ينبس ببنت شفه علماً ان الصورة قديمة موضوعة من زمان بعيد قبل الجمهورية المحروسة . وايضا نصبوا لوالدي الحبال وهي تتدلى من شرفة في الطابق الثاني من شقة ام زهدي الفلسطينية . فهربت الى محل قاسم الحلاق استنجد به فاذا به يترك المحل ويغيب فترة قصيرة وحضر ومعه رجال ووجهاء منطقة الفضل من ضمنهم المختار وجارنا القيادي البارز ( فاضل جلعوط ) وكانت ام ( زهدي) قد سبقت الجميع بقطع حبل المشنقة مستخدمة سكبن المطبخ .
فاعطوا والدي صوراً للزعيم ليعمل منها نشرة ضوئية يضعها في محلاته وانهم سيزوره قريبا ليروا انه نفذ ما طلب منه . ونفذ والدي الامر وعلق نشرة ضوئية تتخللها صور الزعيم الاوحد . واصبح والدي فيما بعد صديق القياديين الذي يقودون المظاهرات فيعطيهم المرطبات والشربت ويوزع عليهم الحلوى كلما تمر مظاهرة من امام محلاته .
في يوم ما توفي احد قيادي الثورة او المحسوبين عليها لا اعلم اسمه ( كامل قزانجي ) توفي في المراحيض ( الادب خانه ) اجلكم الله اثر نوبه قلبية قامت بغداد ولم تقعد لموته فخرجت المظاهرات كالعادة يوزعون فيها صور كامل قزانجي على المحلات والمارة والمقاهي يؤمرون الجميع بتعليقها بعد تأطيرها بالزجاج المزجج .
كان نصيب والدي ثلاث صور لانه يمتلك ثلاث محلات فوضع والدي احد الصور قرب دورق كبير للشربت وكلما شرب احدهم يرمي ما تبقي في الكوب على وجه كامل قزانجي وعنما قلت له لماذا تفعل هذا يا ابي .؟ قال خطية عطشان والدنيا حر , ولم تمر سوى ايام قلائل حتى اتت مظاهرة كبيرة اقتحمت شارع الفضل بلافتاتها الملونة وصراخها وهتافاتها الذي يصم الاذان وكانت ساعة اشبه بساعات آخر الزمان . فوجدوا صورة القزانجي وقد التهم الذباب اكثر ملامحه القبيحة وزرعوا له شعرا مستعارا بدلا من الطريق الصحراوي التي تميزت به قمة راسه ( خره الذباب ) .
سحبوا والدي من المحل واحتفظ بي احدهم لحمايتي بينما والدي مزقوا ملابسه ( شبع دمغات ) ولولا كبر سنه الله يعلم ماذا سيجري له . وتم نهر الصبية من قبل رجال المظاهرة الكبار واعتقوا والدي اخيرا بين السباب والشتائم والتهديد والوعيد بحرق المحل مثلما كانوا يفعلون بمحلات باب الاغا وابو دودو . الا ان الذي كان يكف الاذى عنا كان جارنا الملاصق لنا والقيادي الكبير ( فاضل جلعوط ) و ( ابن الحممجية ) هكذا علقت اسمائهم في ذاكرتي
تحلقنا حول مائدة الطعام الموضوعة على الارض لتناول عشائنا بدون حضور والدي على غير عادتنا اليومية وما ان اتممنا طعامنا حتى سمعنا طرقاً قوياً على باب دارنا يصم الاذان . فهرعت والدتي لتبين الامر فاذا بها تفاجأ بجمهور من النساء الشابات يرتدين زيا عسكرياً من المنتسبات للمقاومة الشعبية آنذاك . سهام الشابة اللعوب جارتنا هي من دق الباب بهستريا جنونية . وبما ان لوالدتي منزلة كبيرة في المحلة في عهد ما قبل الجمهورية المحروسة بين الاعيان وكبار العائلات .
نهرتها على طرقها بابنا بهذه الشدة الجنونية واخافة الاطفال ومن في الداخل . وكنت حينها اختبيء بين ستارة الباب وعباءة امي لاني كنت اخاف من سهام من ايام المدرسة وما فعلته من محاولات لااعدام شقيقتي الكبرى بواسطة الحبال . فسمعتها ترد على امي يله حجية تبرعي للحزب الشيوعي . فردت الوالدة عليها .
( ولج مصخمة الوجه وين رايحة بهل الليل ) .
فردت عليها سهام رفاقنا الان في المطبعة ( تقصد مطبعة الحرية القريبة من باب المعظم والقريبة من محلتنا ايضاً ) حجية خطية يسهرون للصبح حتى يطبعون منشورات الحزب الشيوعي راح انوديلهم فلوس واكل ونسهر وياهم للصبح حتى لا يضوجون ( شوية نونسهم ) .
بصقت والدتي في وجهها ونعتتها بقلة الادب والرد على الكبار بهذا الاسلوب الساقط والرخيص واذا بابي ياتي مسرعا للدار ومعه بعض الرجال من اعضاء الحزب الشيوعي الكبار واخذوا ينهرون الفتيات الشابات حتى ان قسماً منهن صفعوهن على وجوههن .
فدخل والدي الدار وعلامات الغضب والتهجم بادية عليه . وسمعته يقول لوالدتي كل هذه المضايقات تحدث لنا بسبب اعجابي بجمال عبد الناصر قبل ان يأتوا هولاء القردة ويحكمون العراق .
بعد مرور اشهر قلائل على قيام الثورة ضد الملكية العراقية وذبح العائلة المالكة حيث لم يسلم حتى السائق والطباخ جميعهم تمت ابادتهم بدم بارد ولم يرعوا حرمة كبير او صغير. وطفت على السطح مظاهر غريبة على الشعب العراقي البسيط من مظاهرات وقتل وسحل بالحبال في الشوارع العامة وقطع الاعضاء التناسلية للرجال ووضعها في افواههم وغيرها من المشاهد المقززة التي رأيتها بأم عيني .
بعد مرور 8 – 9 أشهر على قيام الجمهورية المحروسة دخل والدي علينا البيت وهو ممتعض وغضبان والشرر يتطاير من عينيه قبادرته والدتي فتحي ما الخبر فرد عليها انهم يقتلون اهلنا في الموصل يذبحون الرجال ويستحيون النساء ويعلقون جثثهم على اعمدت الكهرباء . عندها لملم والدي اغراضه على عجل متهيئاً للسفر وقال لها سوف اخذ ولدنا طارق معي للتمويه كعائلة يغنيني عن التصادم معهم اثناء الطريق فلم تحر والدتي جواباً .
التقينا برجل اخر في محطة القطار يظهر انه كان ينتظر والدي وحجزنا مقصورة لنا نحن الثلاثة وعلمت ان اصطحابي كان بمشورة من صديق والدي . وسمعتهم يتحدثون عن قطار السلام والشيوعيين وحمامات الدم في الموصل ولكني لم اهتم كنت فرحاً لاني استقل القطار الذي دائما ما كنت احلم به اثناء يقظتي ومنامي واطرب لسماع وقع عجلاته على قضبان السكة الحديدة في معزوفة رائعة لاتزال صداها تتردد الى مسامعي لغاية يومنا هذا .
هبطنا في محطة قطار الموصل صياحاً وكان الجو مشحوناً بالعساكر والمدنيين النظاميين وغير النظاميين وبعد همس خفيف بين والدي وصديقه قرروا الذهاب الى كراج الجسر القديم ( العتيق ) ومنه الى قرية الرشيدية التي تقع شمال الموصل على طريق زاخو بعد الغابات مباشرةً . وهبطنا جميعا في منتصف الطريق وشاهدت رجلين او ثلاثة معلقين على اعمدة النور في منظر يقشعر له الابدان . واقتربت بدافع الفضول فاذا بي ارى بوضوح امرأة عارية تماما من ملابسها معلقة بالمقلوب ربط قدميها مع بعض وراسها للاسفل ووجدت شخصين او ثلاثة لازالت الدماء تنزف منهم ولم يكن احد بقربها وكذلك البقية المعلقين .
ولما احس والدي اني ابتعدت عنه في غفلة منه وهو يتحدث مع اشخاص في مقهى على قارعة الطريق اتى صانع المقهى ( الجاجي ) وسحبني بقوة من امام المراءة المعلقة وعبر بي الشارع حيث والدي في انتظاري . فقلت له ما هذا يا ابي لماذا لم يغطوا جسدها العاري واسئلة فضولية اخرى . فرد الجايجي علي وقال اما رايت الجثث التي تحت راسها يالارض هولاء حاولوا تغطيتها الا ان المقاومة الشعبية اردتهم قتلى وهذه المرأة من بيت ( العسلي ) وذكر لي اسم من فعل هذا الامر للاسف لم يعلق في ذاكرتي منه شيئا الا انه كان من بيت ( القصاب ) .
منظر مفزع ومهول شوارع خالية الا من الغوغاء ورائحة الدم والجثث تزكم الانوف وبقايا التظاهرات من اوساخ وازبال زينت الشوارع فكانت هيئة المدينة اشبه بيوم الحساب عندما تقوم الساعة . ومكثنا في المقهى زهاء الساعة تقريبا حتى اتي من يقلنا مباشرةً الى قرية الرشيدية دون المرور بسيطرات المقاومة الشعبية . فسلم صاحب المقهى على والدي الظاهر انهم معرفة قديمة وقال الحمد لله انك لم تحضر باكرا واليوم انتهى كل شيء وانت لاحظت بنفسك هدوء الامور . فوصلنا القرية سالمين والحمد لله اطمانينا على اقاربنا حيث لم يمس احدا منهم بسوء لانهم كانوا على معرفة مسبقة بما يجري في المدينة فمكثوا في القرية لم يبرحوها .

ماذا عنها ...
طارق فتحي
دائماً ما كنت اضع ابنتي الصغيرة في فراشها باكراً لتنام . وفي يوما ما سالتني ابنتي لماذا علي ان انام باكراً فاخبرتها ان البنات الصغيرات الجميلات عليهن ان يناموا باكرا ليكبروا ويصبحوا اميرات غاية في الحسن والجمال . الا تحبين ان تكوني اميرة يا ابنتي الصغيرة . قالت بلى احب ذلك يا ابي . ولكن ماذا عن تلك الفتاة الصغيرة الواقفة في زاوية الغرفة تنظر الينا بريبة غريبة فالتفت خلفي نحو زاوية الغرفة فلم ارى شيئاً وعلمت حينها ان الاطفال يرون الاشياء على غير طبيعتها وادمغتهم الصغيرة تفسر رؤياهم بحسب اعمارهم البريئة فتبسمت وقلت لها نعم ساجلبها لك حتى تناما سوية وبايماءات مني باتجاه المجهول وحث صديقتها الافتراضية على القدوم نحو السرير حانت مني التفاته الى ابنتي الصغيرة فوجدتها تغط في نوم عميق ولا اظنها اختلقت كل هذه الامور .

ليس الآن ...
طارق فتحي
في خضم تجاربي الروحية في البحث عن حقيقة الروح مالها وما عليها وما اخبارها صدقها من كذبها حينها كنت مهوساً بعوالم الغيب والادراك ما فوق الحسي والتلباثي والاتصال الروحي وعوالم ما وراء الطبيعة قراءةً وتجارب كانت اغلب نتائجها فاشلة للاسف الشديد.
زارتني شقيقتي الكبرى في غرفتي بمعية ولدها الصغير باسل الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات وطلبت مني الاعتناء يه ريثما تنجز امراً ما وتعود ثانية . قطعت كل سلسلة افكاري وانشغالي في شؤوني وتجاربي فاجلسته بقربي وكان طفلا حلو المحيا جميل الوجه . فتحت له قابس التلفزيون لتسليته بالمشاهدة . جلس باسل في البداية صامتا هادئا لا يحسن الحركة ولاحظت انه بين الفينة والاخرى يتلفت الى الخلف ويمعن النظر في الجدار ثم ياخذ وضعه الطبيعي امام شاشة التلفاز .
فالتفت خلفي صوب الجدار حيث كان باسل ينظر بتمعن وتركيز شديدين فلم ارى شيئا يذكر كرر باسل هذه الحركة على ما تحضرني الذاكرة مرتين او ثلاثة حينها تأكدت انه يرى شيئا لا اراه انا . عند هذه اللحظة استدار باسل ايضاً ونظر بدقة لثلاث دقائق تقريباً فاخذ يتبسم وقال ( ليس الآن ) عندها صعقت لعلمي ان الاطفال لا يكذبون وهم يتصرفون بعفوية بريئة على سجيتهم لا يبالون للاخرين .
وانا في دوامة التفكر والتدبر ومحاولة تفسير ما يحدث فاذا بشقيقتي تدخل علينا الغرفة في الطابق الثاني من المنزل وتسحبه من يده وانا بين الدهشة والذهول ولم اشاء اخبارها بالذي حصل لعلمي بانها تخاف هذه المواضيع كثيراً . وما ان وصلا الى باب غرفتي بهمة الخروج حتى التفت باسل للمرة الاخيرة صوب الجدار وقال ( حسناً ساراك لاحقا ) وهو يلوح بيده الصغيرة علامة الفراق .

لأنه لم يكن يعلم
طارق فتحي
فتح عينيه وهو مصاب ومليء بالكدمات والدم في كل مكان , وجد نفسه داخل برميل مغلق ومقفل باحكام ولا يمكن للهواء الخارجي النفاذ اليه , شعر بالكهرباء تسري في دماغه من كثرة ما تعرض له من لضرب , يشعر بالغثيان , هم الذين اعتدوا عليه وقاموا بضربه ضرباً مبرحاً ورميه داخل هذا البرميل , حتى انه لم يعد يذكر من هم .. لم يفقد ذاكرته هي موجودة عنده ولكن الوصول اليها تحت تأثير الاصابات المميتة , كان اشبه بمحاولة كسر حائط صخري .
كل ما تذكره هي ابنته .!
انها في خطر! لقد امسكوا بها مثلما امسكوا به , كم تبقى لها من الوقت.؟ لابد ان ينقذها.! ان لم يخرج من هنا فلم يراها مجدداً, لكن كيف.؟ المكان عنده ضيق يلفه الظلام الحالك , وبرغم كل هذا التوتر الا ان الرجل تذكر شيئاً , لا بل شيئين ,,!
ولاعة في جيب معطفه وسكين صغيرة كانت العادة عنده يخبئها دائما في مكان ما بداخل حذائة تحسبا للامور الطارئة وبرغم ضيق المكان والظلام الدامس وصعوبة الحركة تمكن الرجل من الوصول واستجلاب الاداتين.. الولاعة في يده اليسرى .. والسكين في يده اليمنى وبدأ بحفر البرميل من الداخل , كان يجب عليه ان يحافظ على قلة الاوكسجين داخل البرميل فكان يستخدم الولاعة قليلا ويطفئها .
شظايا الخشب كانت تتساقط على وجهه وتلتصق بدمه وعرقه ولكنه لم يهتم بل زاد الهمة في الحفر . كل ما يحتاجه هو حفرة يضمن له دخول الهواء حتى يستطيع العمل على الخروج بفعالية اكبر , كان يقاتل وبحفر لدرجة هستيرية , لقد بدأ يضحك ويضحك بشكل جنوني حتى ان عروق عينيه كادت ان تنفجر , رغم الظلام والالم والاوكسجين المتناقص الا انه كان سعيداً بشكل يفوق السيطرة .
لانه كان يعلم بانه يوجد من الاوكسجين ما يكفيه حتى يتمكن من صنع حفرة نافذة في البرميل تدخل له المزيد من الهواء ,
لانه كان يعلم انها مسألة وقت وقوة ارادة قبل ان يرى ابنته مجددا .
ولانه لم يكن يعلم ...؟
انه يوجد ما بقدر وزنه خمسون كيلواغراماً من السلاسل الفولاذية المحيطة بالبرميل من الخارج باحكام .
ولانه لم يكن يعلم ...؟
ان البرميل المحاط بالسلاسل الفولاذية مدفون بعمق مائة قدم تحت الماء.


خروج الروح وعودتها  
* قصص قصيرة : جنون حمهوري - قصص رعب قصيرة جدا - خروج الروح وعودتها 6810

طارق فتحي
في بيتنا رجل مهيب الطلعة حلو القسمات متوسط القامة الى الطول اميل عريض ما بين الكتفين هش بش لين دائم الابتسام يدعى الحاج سعيد هيئته العامة وملابسه الكثيرة لا توحي بأنه من اهل المدينة وعلى الخصوص بغداد العاصمة . كل هذا خطر ببالي وانا اسير في رواق البيت ( المجاز ) قادماً من مدرستي بعد ان توقفت هنيئة امام باب غرفة الرجل الغريب التي كانت تحتل غرفة استقبال الضيوف على يسار مدخل الدار .
سلمت حقيتي المدرسية لوالدتي دفعني فضول كبير ان ادلف الى غرفة الرجل الغريب بعد ان علمت منها انه احد الشيوخ معرفة خالي الشيخ شقيق والدتي جاء قادما من الشمال لاكمال اوراقه الثبوتية الرسمية لحاجته اليها وهو في طريقه الى حج بيت الله الحرام في مكة المكرمة .
اخرج من خاصرته كيس صغير مصنوع من القماش يحوي على كمية من التتن ودفتر صغير جدا قرأت اسمه عندما رماه امامه ( ورق بافرة ) واخذ يلوك بلفافة سيكارته كانه يمضغ علكة لبان واخرج قداحة ( زناد ) فضية اللون علمت فيما بعد انها تعمل بالنفط الابيض حيث كانت عجيبة الصنع مدهشة .
وانا جالس القرفصاء امامه اتطلع على هيئته  خيل لي ان عمره الاف السنين ورغم التجاعيد الكثيرة في وجهه الا انه كان حلو المبسم دائم الابتسامة يبعث على الفرح والسرور وتطمئن النفس اليه والتعلق به . يا الهي كيف عاش هذا الرجل كل هذه السنين والحق اقول لكم كان هذا الشيخ اول رجل غريب اراه في دارنا اتعلق به شكلا ومضموناً .
كنت فاغر الفاه محدقاً باقصى طاقتي ناظراً اليه وشفتاي تتمتم بعبارات لم تخرج من فمي . بلا شك قرأ الشيخ استغرابي وخوفي ووجلي منه فاخذ يسالني بعض الاسئلة عن مدرستي وفي اي صف وكم عمري وما الى نحو ذلك من الاسئلة فأجبته عليها جميعاً .

الميتة الاولى
طارق فتحي
التفت الشيخ نحوي بعيون مبتسمة وهو يسحب نفس عميق من سيكارته , انت سوف تحيا عمرا مديدا ولم يجد الموت طريقه اليك حتى بعد نصف قرن من الزمان . وتبسط في الكلام معي مما شجعني على محاورته فقلت ما هو القرن من الزمان رد القرن هو مائة عام . واردفته قائلا وكم علي ان اموت واحيا حتى اجتاز الخمسون عاما التي ذكرت . فتبسم ثانية وبدأ بوضع سيكارته على منفضة السيكاير الشاخصة امامه .
انت سوف لم تفهم ما اقوله لك ومع ذلك ساخبرك ان الموت هو شكل من اشكال الحياة قد يحدث في عالمنا هذا او في عوالم آخرى غير مرئية لنا نحن البشر اي فوق طاقاتنا الحسية. الحق اقول لكم لم افهم اي شيء من كلام الشيخ الذي استمر بسرد عالم الارواح , مدراجها ومعارجها , وما تؤل اليه , وصفاتها , وحالها , وكينونتها .
هذا ما علق في ذهني بشكل غامض وغريب عن عالم الارواح والموت والحياة ثم الحياة بعد الموت وما الى ذلك . هذه المحاورة كانت منعطفا خطيرا في حياتي فولجت عالما غامضا في ماهية الروح واخذت اقرأ واقرأ بنهم وشغف عظيمين حول موضوعة الروح فتزاحمت الافكار في عقلي وبرزت التناقضات والاضداد من النظام الدقيق للخلق والكون الى الفوضى الخلاقة المقصودة في ادق كينونات الوجود .
ها انا ذا على مشارف السبعين عاما من عمري تذكرت محاورتي مع هذا الشيخ قبل اكثر من خمسون عاما خلت . وتذكرت بشكل لافت للنظر حقيقة ما جرى وكم فعلا توفاني الله وعدت للحياة ثانية مصداقا لما تفوه به هذا الشيخ الجليل رحمه الله تعالى .
الميتة الاولى
عندما ابحث عن ذاتي أجد نفسي تتصارع مع إرادتي .. ابحث عن شئ مفقود  فلا أجده .. كل ما اتمناه يتحول إلى سراب في غمضه عين .. أكاد اشك في نفسي أكاد اشك بروحي .   لا اعلم من هذا الذي يكون في داخلي ..شئ غريب يجرح شعوري ..ويتفنن بتعذيبي ..ويستلذ بآهاتي ..
هي روحي التي لم افهمها يومآ . أو روح غيري التي اعتبرها روحي
تسلسلي بين اخوتي هو الثالث . وقد سبق ان اجهضت والدتي بطفلا ذكراً, لم يتم شهره الثامن بعد . وعلى العادة الجارية في الدين الاسلامي ولا اعلم ان كانت موجودة في الاديان الاخرى ام لا . يجب تسمية المولود قبل دفنه وبذلك اسمته عائلتي ( طارق ) وتم دفنه بحسب الشريعة الاسلامية .
وبعد ما يزيد عن العام ونيف وضعت والدتي مولوداً آخر ذكرا ًآخر . وهو كاتب هذا القصة واسموني طارق ايضاً . ودارت الايام والسنين وعلمت مؤخراً اني اكتسبت اسم اخي الذي يكبرني بعام واحد . وعلمت ايضاً ان الله توفاه قبل ولادته بشهراً واحداَ .
فاذا كنت انا احمل اسم اخي طارق , فمن اكون انا ؟ وما هو اسمي ؟
هذا باعتقادي هي ميتتي الاولى ان احيا في جلبابي وروح اخي وسمي المتوفي من يدري ربما هذا هو قدري ...

الميتة الثانية
ملخص ما نشر
انت سوف لم تفهم ما اقوله لك ومع ذلك ساخبرك ان الموت هو شكل من اشكال الحياة قد يحدث في عالمنا هذا او في عوالم آخرى غير مرئية لنا نحن البشر اي فوق طاقاتنا الحسية. الحق اقول لكم لم افهم اي شيء من كلام الشيخ الذي استمر بسرد عالم الارواح , مدراجها ومعارجها , وما تؤول اليه , وصفاتها , وحالها , وكينونتها . فتذكرت محاورتي معه قبل اكثر من خمسون عاما خلت .
اخبرتني والدتي وانا في عمر العام الواحد كنت حينها احبوا حبوا تارة واقف على قدميً الصغيرتين لهنيئة ثم اسقط ارضاً تارةً أخرى . انا والحالة هذه حبوت باتجاه مطبخ البيت فوجدت قنينة صغيرة مملوءة بالنفط الابيض . وظنا مني انها مملوء بالماء وبصعوبة بالغة التقمت فوهة القنينة وشربت ما فيها واتيت على نهايتها . الصدفة وحدها قادت والدتي بالتفاتة  نحوي وهرعت باتجاهي وانا مزرق الفم وهالة سوداء تحيط بفمي وبعينيً الاثنتين اتقيء السوائل بصورة عجيبة فانتظرت قدوم والدي بعد ان ارسلت له من يخبره  بما حصل لي .
وصل والدي الى الدار وانا فاقد الوعي لا احسن حراكاً واخذ يقلبني يميناً ويساراً وماهي الا لحظات اخرى حتى دخل دارنا (المطهرجي) ابو سعيد الذي يقوم بدور المضمد الصحي في ايامنا هذه ويختن الاولاد ويقلع الضرس الملتهب وغيرها من التطبيب  واخذ يتفحصني جيدا واعلن لوالدي باني ميت وعلى اثر ذلك تم نقلي الى مستشفى المجيدية ( المستشفى الجمهوري ) حالياً .
ثم اكملت والدتي قصة موتي هذه بان ارسل والدي من يحفر قبري في مقبرة الغزالي الواقعة في منطقة الشيخ عمر بمشورة ابو سعيد ومختار منطقة الفضل في بغداد . وتم حفر القبر بانتظار اجراءات تسليم جثتي وانهاء ختم ورقة وفاتي .
بين الدهشة والصدمة دخل الدار ثلاثة رجال والدي والزعرتي ( المطهرجي ) ومختار المحلة وماهي الا لحظات حتى اتى إمام جامع الفضل ليتم غسلي وتكفيني استعداداً للحدي في قبري  اهتم الرجال للامر وكانهم خلية نحل على عجلة من امرها واتى والدي بالماء الحار والصابون ووضعهما في وسط الحوش قرب حنفية الماء على حافة حوض كونكريتي معمول من الاسمنت مربع الشكل .
تم غسلي وتكفيني بحسب الاصول المرعية واخرجوني من الدار باتجاه المقبرة . تقول والدتي انتظرت ما يقارب الساعتين او اكثر ولم يرجع والدك من المقبرة ووسط القلق النفسي الحاد والانتظار المقلق وسط حزني الشديد . حتى دخل والدك وهو يحملك والابتسامة لا تفارق محياه ومعه مختار المحلة وبعد ان القى المختار التحية ومباركتي بعودتك الى الحياة ثانية . حيث قال وجدنا القبر مهيأ تماما وانزلناه في الحفرة وتم لحده ووضع الاحجار على اللحد وبعد ان اخذنا بمواراة القبر بالتراب سمعنا صراخا ضعيفا ظننا انه لاحد الاولاد الذين يلعبون بالقرب منا واذا بابي سعيد وهو داخل الحفرة يساوي بين الاحجار يخبرنا ان مصدر الصوت من داخل القبر وبدون استشارة احداً اخذ ابو سعيد يزيح الاحجار الواحدة تلوه الاخرى فحمله وسلمه لوالده .
وكانت هذه ميتتي الثانية وعودتي للحياة ثانيةً .

الميتة الثالثة
ملخص ما نشر
مرئية لنا نحن البشر اي فوق طاقاتنا الحسية. الحق اقول لكم لم افهم اي شيء من كلام الشيخ الذي استمر بسرد عالم الارواح , مدراجها ومعارجها , وما تؤول اليه , وصفاتها , وحالها , وكينونتها . فتذكرت محاورتي مع الشيخ قبل اكثر من خمسون عاما خلت .
في العام 1962 كنت وشباب المحلة نستمتع بالسباحة في بركة ماء كبيرة عبارة عن ملجأ ارضي للطائرات العسكرية المقاتلة غير مكتمل البناء . علينا ان نتسلق الاسلاك الشائكة المنتصبة على طول سدة عالية نسبيا تمتد من الغرب الى الشرق وتنتهي بمنطقة الرستمية او ان نعمل حفرة اسفل السياج لمرورنا بسهولة . الملجأ يقع اسفل السدة من الجهة الاخرى غير بعيد عنها . عند امتلائه بمياه الامطار يصبح كحوض سباحة كبير جداً .  
تسللت انا وصديقي موسى ظهر احد الايام هروبا من المنزل باتفاق مسبق وقت الظهيرة وماهي الا دقائق معدودات حتى ولجنا انا وموسى من داخل الاسلاك الشائكة فوجدنا بعضاً من اولاد المحلة قد سبقونا الى البركة . فخلعنا عنا ملابسنا وقفزنا الى الماء بكل فرح وسرور وبعنفوان الشباب اخذنا نتبارى في الغطس والعوم لا بل تعلمت انواع السباحة على يد صديقي كسباحة الفراشة وسباحة الصدر وغيرها .
كنت من المشهود لهم في الغطس وحبس الانفاس بما يتجاوز الدقيقة الواحدة بثواني قليلة وبين الفينة والاخرى كنت اخرج لاداء بعض التمارين السويدية استعدادا لحركات الجمباز التي كنت اعشقها وامارسها دوناً عن الغير وسط اعجاب وتصفيق اولاد المحلة واصدقائنا من المحلات المجاورة لمحلتنا . وبعد ان اخذ التعب منا مأخذه قلت لصديقي موسى وهو بكامل ملابسه متهيئاً للعودة الى المنزل دعني اغطس الغطسة الاخيرة فوافقني على ذلك واشترط ان تكون آخر غطسه لعمله بولعي وحبي للماء والسباحة واستحلفني على ذلك فاجبته على شرطه .
رميت نفسي بكل ما اوتيت من قوة في غطسه كبيرة وعميقة حينها لفني السواد من كل جانب واخذتني الدهشة والتعجب مما رأيت وانا داخل المياه . باني ملقى في قاع البركة وكل الاولاد متحلقين بشكل دائري من حولي وهم يتنفسون بصورة طبيعة بالرغم من كونهم داخل المياه معي في القاع وحاولت ان اتنفس مثلهم الا ان شبح الظلام لفني ثانيةً وانقطعت عني كل حواسي .
طارق .. طارق .. طارق .. انهض يا ولدي فشمس الصباح تلفح وجهك اعتدت لك الفطور وانت لم تاكل شيئاً منذ ظهر يوم امس . فاستفقت من نومتي وانا اجول بنظري من حولي . ما هذا الذي يجري اين انا .
يا الهي انا في فراشي على سطح دارنا .
يا للعجب ..! كيف وصلت الى هنا .؟
وحكت والدتي قصة غرقي وموتي وحمل جثتي  الى مركز الشرطة وكيف طالبوا اهلي بتقرير من المشفى يؤكد حادثة واثناء الفحص الطبي والاسعافات الاولية تبين باني فاقد الوعي ومجهد ونبض قلبي ضعيف جداً .
ومما قالته والدتي وانا فاغراً فاهي جاحظاً عيناي استمع لاغرب قصة سمعتها في حياتي لولا فضل الله وصديقك موسى الذي استبطأ غطستك فغطس خلفك بملابسه وسحبك الى الاعلى . وحملوك الاولاد وجاوا بك الى الدار وتكفل الجيران بك بعد ذلك بسبب غياب والدك في عمله . لكنت انت الآن في عدات الاموات .
فقلت في سري سبحان الله هذه ميتتي الثالثة وعودتي للحياة للمرة الثالثة .
والى ميتات اخرى استودعكم الله .

الميتة الرابعة
ملخص ما نشر
انت سوف لم تفهم ما اقوله لك ومع ذلك ساخبرك ان الموت هو شكل من اشكال الحياة قد يحدث في عالمنا هذا او في عوالم آخرى غير مرئية لنا نحن البشر اي فوق طاقاتنا الحسية.
كانت الميتة الاولى بعد ان اجهضتني والدتي وانا في شهري الثامن عندها تمت تسميتي طارق وتم دفني بموجب الشرع آنذاك وبعدها بعامين اتيت انا كاتب هذا المقال الى الدنيا واسموني طارق ايضا فكتبت لي حياة ثانية وتبادلت ارواحنا الادوار ولا زالت .
الميتة الثانية وانا احبوا امسكت بزجاجة مملؤئة  بالنفط الابيض وشربتها عن آخرها وتم حفر قبري وانزالي فيه واثناء مواراة التراب صرخت باعلى صوتي وتم انتشالي ثانيةً.
اما الميتة الثالثة فكانت غرقا في حوض سياحة كبير جداً وبعد ان يأس الجميع من عودتي للحياة تم ارسالي الى المشفى من قبل ضابط مركز الشرطة لاثبات الوفاة وفي المشفى تبين اني فاقد الوعر ليس الا وتم انعاشي واعادتي الى الحياة .
اما الان ساروي لكم قصة ميتتي الرابعة حدث هذا الامر في العام 1966 عندما ذهبت العائلة الى مدينة الموصل ومنها الى قرية الرشيدية لملاقات الاقارب اثناء العطلة الصيفية . وبما انني احب السباحة كانت هذه القرية تقع على نهر دجلة ومع شلة من الاقارب من اولاد العم والخال والمعارف والاصدقاء واحتفاءا بمقدمي من بغداد اصبحنا جمهورا غير عادي وتوجهنا جميعا الى الشاطي ولعبنا ومرحنا جميعا حتى اخذ منا التعب مآخذه .
اخذني الغرور وانا اتباهى امام اقاربي  فسبحت للمرة الاخيرة مبتعداً قليلا عن الشاطي  واذا بالموج يقذفني الى وسط النهر ودائرة كبيرة تلتف حولي بشكل محوري تسحبني للاسفل فاخذت بالصراخ والعويل باقصى ما اوتيت من قوة والكل ينظر الي ضاحكا وملوحا لي بيده يحسبون اني امزح معهم  .
اخذت اغطس تارة واظهر تارة اخرى حتى رايت السماء تضيق بي تدريجيا واصبحت كخاتم اليد في الصغر حينها لفني الظلام وفقدت جميع حواسي . فتحت عيناي بتثاقل رهيب فاذا بي ارى جدي رحمه الله يعمل لي مساج وهو يبكي مع جدتي ظناً منهم اني ميت . فكانت الفرحة كبيرة في بيت جدي فجلست بنصف دوار شديد في الرأس فاذا بي ارى جميع اقاربي متحلقين حولي . فتبسم جدي ابتسامة عريضة وقال لولا موسى هذا الذي امامك لكنت الان من الغرقى المفقودين ولقد انتشلك من فوق بئر الحاج عبد وهي بئر قديمة مغمورة في الماء وقد اغرقت الكثير من البهائم من القرية وامراءة عجوز .
فقلت في سري يا سبحان الله غرقت في بغداد فانقذني شخص اسمه موسى والان غرقت في الموصل فانقذني شخصا اسمه موسى ايضا . ما هذه الصدف العجيبة .؟
والى ميتتة اخرى استودعكم الله احبتي اسرة النادي ..

الميتة الخامسة
ملخص ما نشر
انت سوف لم تفهم ما اقوله لك ومع ذلك سأخبرك ان الموت هو شكل من اشكال الحياة قد يحدث في عالمنا هذا او في عوالم آخرى غير مرئية لنا نحن البشر اي فوق طاقاتنا الحسية.
كانت الميتة الاولى بعد ان اجهضتني والدتي وانا في شهري الثامن عندها تمت تسميتي طارق وتم دفني بموجب الشرع آنذاك وبعدها بعامين اتيت انا كاتب هذا المقال الى الدنيا واسموني طارق ايضا فكتبت لي حياة ثانية وتبادلت ارواحنا الادوار ولا زالت .
الميتة الثانية وانا احبوا امسكت بزجاجة مملؤئة  بالنفط الابيض وشربتها عن آخرها وتم حفر قبري وانزالي فيه واثناء مواراة التراب صرخت بأعلى صوتي وتم انتشالي ثانيةً.
اما الميتة الثالثة فكانت غرقا في حوض سباحة كبير جداً وبعد ان يأس الجميع من عودتي للحياة تم ارسالي الى المشفى من قبل ضابط مركز الشرطة لاثبات الوفاة غرقاً وفي المشفى تبين اني فاقد الوعر ليس الا وتم انعاشي واعادتي الى الحياة .
الميتة الرابعة كانت غرقاً ايضاً في نهر دجلة من مدينة الموصل حيث عدت للحياة وانا بين يدي جدي وسط الاهل والاقارب . وعندها قررت عدم السباحة في اي نهر وكان ذلك .
الميتة الخامسة
تم خروجنا تباعا في العامين 2006 – 2007 من بغداد الحبيبة الى عاصمة الشام دمشق الشقيقة هروبا من الديمقراطية  الجديدة اثر الفتنة الطائفية المقيتة التي بزت بقرنيها وبغداد في هرج ومرج . واستقر بنا المقام في الشام . كنت آخر الملتحقين بالعائلة هناك .
اثناء مراجعة دائرة الهجرة والجوازات صباحا باكراً كان الازدحام على اشدة اجلست العائلة على مقعد في الرصيف المقابل للدائرة واخذت اجري مسرعا صعودا وهبوطا مارا بجميع غرف الدائرة المتبعثرة على ثلاث طوابق فوق يعضها البعض .
دقت الساعة الثانية ظهراً وانا لازلت انتظر استلام جوازاتنا مشفوعة بورقة الاقامة بحسب الاصول المتبعة في حينها . وبعد انتظار طويل وقلق وتقرب وجوع نودي على اسمي فتقدمت نحو ضابط الجوازات لاستلام جوازاتنا . وحين مددت يدي لاستلم اوراق راحت يدي تغوص شيئا ً فشيئاً في صدر الضابط حتى اخترقته الى الجانب الاخر فعجبت منه انه لم بتألم بل كان دائم الابتسامة معي حيث يفصلنا كاونتر صغير هو في الداخل وانا على قارعة الرصيف من الخارج .
واذا بريح قوية عاصفة قلبت جميع الاوراق وتناثرت الجوازات على الرصيف وصولا الى الشارع والكل اخذ يجري يلتقط الاوراق والجوازات واختلط الحابل بالنابل فوجدتني احثوا على الارض  مستخدما قوائمي الاربعة بحثا عن جوازات العائلة والكل في حالة هياج وصراخ يصم الاذان والاتربة تعلوا الملابس الجميلة والانيقة للعراقيين .
عندما نهضت وجدت نفسي في غرفة مدير الهجرة والجوازات وكان برتبة عميد وبجانبي اشخاص قلائل تدل هيئتهم على انهم اطباء او ممرضين من خلال الاجهزة التي كانت بصحبتهم . فالتفت اتفحص الكل وانا مصدوم دون ان احر جوابا ً, ما هذا الذي يحدث .؟ فالتفت الى النقيب الذي بجانبي فوجدته حي يرزق وتفحصت صدره حتى لامسته باصابع يدي فوجدته سليما معافى . يا الهي . ماذا يجري .؟
عندها قطع صمتي الرهيب العميد حيث هنئني بالسلامة وعودتي للحياة ثانية ومما قاله الحمد لله على سلامتك استاذ ولولا وجود مشفى بجوارنا لكنت الان في عداد الاموات .      في الحقيقة لم افهم بعد ما المقصود بترحيبه لي وكل الذي خطر ببالي عائلتي فاستفسرت عنها فوجدتهم في عرفة الانتظار . فاستردت وعي رويداً رويداً فشكرت العميد والنقيب واطريتهم كثيراً . وخرجت مودعاً فلحقني النقيب وهمس في اذني ان جميع اوراقي وجوازات العائلة مع المدام وهي بانتظارك .
فالتقيت بالمدام واخبرتها بالذي جرى لي ساعتها فقالت لم يحصل اي شيء من الذي قلته لي للتو كل ما هنالك صاح النقيب باسمك وذهبت لاستلام الجوازات منه فاذا بك ترتمي على الارض وتحبوا مثل الاطفال وعبثا حاولوا ان ينهضوك الا انك ابيت وكنت تصرخ باعلى صوتك بكلمات مبهمة وغامضة وتقوم بحركات غريبة بعدها استلقيت كجثة هامدة بلا انفاس حينها قام النقيب مع بعض من افراد الشرطة بحملك الى المشفى المجاورة  وبعد حوالي النصف ساعة اعادوك ووضعوك في غرفة المدير بالطايق الارضي حيث التكييف والهواء المنعش .
الميتة السادسة
بدأت ارواح العراقيين تزهق في العام 1980 وما تلاه من الاعوام اللاحقة بقصد او بدون قصد فمنهم من قضى نحبه بالحروب والقتال ومنهم من قضى في الحصار الافتصادي اللئيم ومنهم من مات ميتة طبيعية بسبب الشيخوخة والامراض . حتى توج العام 2003 سباق حصاد الارواح العراقية  وبزت الفتنة المقيتة بقرنيها بخفاء في العام 2005 وتم الجهر بها في الاعوام 2006 – 2007  وكان يا ما كان من الحصاد الوفير للارواح .
اخذت اتنقل بين تلافيف الحياة وتعرجاتها الغامضة وكانت الهجرة الى الشام باديء ذي بدء ومنها العودة الى كردستان العراق حيث لحق الموت والخراب بالشام . وتبدلت الاحوال في كردستان العراق فهاجرنا منها الى تركيا فكان المقام في العاصمة اسطمبول . مكثنا فيها ما شاء الله ان نمكث ومنها قفلنا عائدين الى اربيل العراق على أمل بصيص ضوء في آخر النفق وما علمنا ان هذا النفق طويل جداً قد لا ندرك نهايته .
فعقدت العزم ان اكون خارج دائرة الصراعات والفتن والخريف العربي . فكانت الهجرة هذه المرة  الى صوفيا عاصمة بلغاريا حيث اقيم الان . وما ان حللنا في بلاد الكفار .؟ حتى شعرنا بالامان والاطمئنان فوجدنا الاخلاق الاسلامية الحميدة ولم نجد المسلمين .
وانا اتابع بعضاً من كتاباتي في ساعة متأخرة من الليل حيث كان السهر ليلا رفيقي الصامت شعرت بدوار خفيف استمر معي طويلاً . وبعدها بساعة او ما يزيد قليلاً شعرت بالاختناق وانقطاع انفاسي بشكل تدريجي وبطيء جدا ومرت ساعة اخرى او ساعتان شعرت فيهما ان الموت اخذ يحكم قبضته على رقبتي فاحسست باختناق حقيقي هذه المرة حتى ان صوتي قد اختفى تماماً . وآخر شيء اتذكره هو ولدي الذي كان يحملني على ظهره وهو ينزل درجات سلم العمارة حيث كنا نسكن في الطابق الثالث  .
لا اعلم كم مضى من الوقت وانا ميت الا اني صحوت ثانية لارى غرفة بيضاء واسرة بيضاء وملائكة بيضاء تحوم حولي تارة وتتبعثر حول الاسرة الاخرى تارة اخرى والبياض يلف المكان ورائحة طيبة تنبعث من الاركان والازهار ونباتات الظل منتشرة بتنسيق بديع ورائع . فقلت في سري
يالهي ...؟ كم الموت سهل اذاً .؟ لا الم  ولا رؤي بوهيمية عجيبة . حتما انا في الجنة الان . يا الله ايعقل ان اكون في الجنة بهذه السهولة . يا ليت قومي يعلمون بما حصل لي . لتمنوا الموت وطلبوه حثيثاً على ان يحيوا حياةً ملؤها الرعب والخوف والوجل. كدت اصرخ عالياً هيا موتوا جميعاً اليوم قبل غداً فما احلى العاقبة وما اروع اللقاء بكم في الجنة .
فأتت ملاكي باتجاهي فتبسمت لها كابله مخبول  وانحنت فوقي واخذت تتفحصني جيداً ورائحة عطرها يزكي المكان ووجهها الجميل يزيل عنك عقوداً من الهم والغم والنصب الشديد وهنا شعرت ولاول مرة في حياتي اني انسان , حتى تم كشف غطائي واعطائي ابرة موجعة في اردافي .
علمت حينها اني ما زلت على كوكبة الارض اللعينة . فاصبحت هواجسي الجميلة كسراب بقيعة . وما ان انتهت مني حتى اعادت الغطاء ووضعت يدها على جبهتي تتفحصني كأم حنون فشعرت حينها اني طفلا لم يبلغ عامه الاول بعد .
وكانت هذه ميتتي السادسة في بداية العام 2016 في صوفيا بلغاريا .
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى