مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* في رحاب التفسير 2

اذهب الى الأسفل

* في رحاب التفسير  2 Empty * في رحاب التفسير 2

مُساهمة  طارق فتحي السبت نوفمبر 24, 2012 7:29 am

ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*
اعلم أن فيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال صاحب( الكشاف): { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } إما موصول بالمتقين على أنه صفة مجرورة، أو منصوب أو مدح مرفوع بتقدير أعني الذين يؤمنون، أو هم الذين، وإما منقطع عن المتقين مرفوع على الابتداء مخبر عنه بـ { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى } فإذا كان موصولاً كان الوقف على المتقين حسناً غير تام، وإذا كان منقطعاً كان وقفاً تاماً.
المسألة الثانية:
قال بعضهم: { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } يحتمل أن يكون كالتفسير لكونهم متقين، وذلك لأن المتقي هو الذي يكون فاعلاً للحسنات وتاركاً للسيآت، أما الفعل فإما أن يكون فعل القلب ـ وهو قوله: { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } ـ وإما أن يكون فعل الجوارح، وأساسه الصلاة والزكاة والصدقة؛ لأن العبادة أما أن تكون بدنية وأجلها الصلاة، أو مالية، وأجلها الزكاة؛ ولهذا سمى الرسول عليه السلام: " الصلاة عماد الدين، والزكاة قنطرة الإسلام " وأما الترك فهو داخل في الصلاة لقوله تعالى:
{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }
والأقرب أن لا تكون هذه الأشياء تفسيراً لكونهم متقين؛ وذلك لأن كمال السعادة لا يحصل إلا بترك ما لا ينبغي وفعل ما ينبغي، فالترك هو التقوى، والفعل إما فعل القلب، وهو الإيمان، أو فعل الجوارح، وهو الصلاة والزكاة، وإنما قدم التقوى الذي هو الترك على الفعل الذي هو الإيمان والصلاة والزكاة، لأن القلب كاللوح القابل لنقوش العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة، واللروح يجب تطهيره أولاً عن النقوش الفاسدة، حتى يمكن إثبات النقوش الجيدة فيه، وكذا القول في الأخلاق، فلهذا السبب قدم التقوى وهو ترك ما لا ينبغي، ثم ذكر بعده فعل ما ينبغي.
المسألة الثالثة:
قال صاحب الكشاف: الإيمان إفعال من الأمن، ثم يقال آمنه إذا صدقه، وحقيقته آمنه من التكذيب والمخالفة، وأما تعديته بالباء فلتضمنه معنى «أقر وأعترف» وأما ما حكى أبو زيد: ما آمنت أن أجد صحابة أي ماوثقت، فحقيقته صرت ذا أمن، أي ذا سكون وطمأنينة وكلا الوجهين حسن في    { يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } أي يعترفون به أو يثقون بأنه حق. وأقول: اختلف أهل القبلة في مسمى الإيمان في عرف الشرع ويجمعهم فرق أربع.
الفرقة الأولى: الذين قالوا: الإيمان اسم لأفعال القلوب والجوارح والإقرار باللسان، وهم المعتزلة والخوارج والزيدية، وأهل الحديث، أما الخوارج فقد اتفقوا على أن الإيمان بالله يتناول المعرفة بالله وبكل ما وضع الله عليه دليلاً عقلياً أو نقلياً من الكتاب والسنّة، ويتناول طاعة الله في جميع ما أمر الله به من الأفعال والتروك صغيراً كان أو كبيراً. فقالوا مجموع هذه الأشياء هو الإيمان وترك كل خصلة من هذه الخصال كفر، وأما المعتزلة فقد اتفقوا على أن الإيمان إذا عدي بالباء فالمراد به التصديق، ولذلك يقال فلان آمن بالله وبرسوله، ويكون المراد التصديق، إذ الإيمان بمعنى أداء الواجبات لا يمكن فيه هذه التعدية، فلا يقال فلان آمن بكذا إذا صلى وصام، بل يقال فلان آمن بالله كما يقال صام وصلى لله، فالإيمان المُعدَّى بالباء يجري على طريقة أهل اللغة، أما إذا ذكر مطلقاً غير معدى فقد اتفقوا على أنه منقول من المسمى اللغوي ـ الذي هو التصديق ـ إلى معنى آخر، ثم اختلفوا فيه على وجوه: أحدها: أن الإيمان عبارة عن فعل كل الطاعات سواء كانت واجبة أو مندوبة، أو من باب الأقوال أو الأفعال أو الاعتقادات، وهو قول واصل بن عطاء وأبي الهذيل والقاضي عبد الجبار بن أحمد.
{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }*
اعلم أن قوله:
{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ }
[البقرة: 3] عام يتناول كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، سواء كان قبل ذلك مؤمناً بموسى وعيسى عليهما السلام، أو ما كان مؤمناً بهما، ودلالة اللفظ العام على بعض ما دخل فيه التخصيص أضعف من دلالة اللفظ الخاص على ذلك البعض، لأن العام يحتمل التخصيص والخاص لا يحتمله فلما كانت هذه السورة مدنية، وقد شرف الله تعالى المسلمين بقوله:
{ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْب }
[البقرة: 2- 3] فذكر بعد ذلك أهل الكتاب الذين آمنوا بالرسول: كعبد الله بن سلام وأمثاله بقوله: { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } لأن في هذا التخصيص بالذكر مزيد تشريف لهم كما في قوله تعالى:
{ مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ }
[البقرة: 98] ثم تخصيص عبد الله بن سلام وأمثاله بهذا التشريف ترغيب لأمثاله في الدين، فهذا هو السبب في ذكر هذا الخاص بعد ذلك العام، ثم نقول. أما قوله: { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } ففيه مسائل:
المسألة الأولى: لا نزاع بين أصحابنا وبين المعتزلة في أن الإيمان إذا عدي بالباء فالمراد منه التصديق، فإذا قلنا فلان آمن بكذا، فالمراد أنه صدق به ولا يكون المراد أنه صام وصلى، فالمراد بالإيمان ها هنا التصديق بالأَتفاق لكن لا بدّ معه من المعرفة لأن الإيمان ها هنا خرج مخرج المدح والمصدق مع الشك لا يأمن أن يكن كاذباً فهو إلى الذم أقرب.
المسألة الثانية: المراد من إنزال الوحي وكون القرآن منزلاً، ومنزلاً، ومنزولاً به، أن جبريل عليه السلام سمع في السماء كلام الله تعالى فنزل على الرسول به، وهذا كما يقال: نزلت رسالة الأمير من القصر، والرسالة لا تنزل لكن المستمع يسمع الرسالة من علو فينزل ويؤدي في سفل. وقوله الأمير لا يفارق ذاته، ولكن السامع يسمع فينزل ويؤدي بلفظ نفسه، ويقال فلان ينقل الكلام إذا سمع في موضع وأداه في موضع آخر. فإن قيل كيف سمع جبريل كلام الله تعالى، وكلامه ليس من الحروف والأصوات عندكم؟ قلنا يحتمل أن يخلق الله تعالى له سمعاً لكلامه ثم أقدره على عبارة يعبر بها عن ذلك الكلام القديم، ويجوز أن يكون الله خلق في اللوح المحفوظ كتابة بهذا النظم المخصوص فقرأه جبريل عليه السلام فحفظه، ويجوز أن يخلق الله أصواتاً مقطعة بهذا النظم المخصوص في جسم مخصوص فيتلفقه جبريل عليه السلام ويخلق له علماً ضرورياً بأنه هو العبارة المؤدية لمعنى ذلك الكلام القديم.
المسألة الثالثة: قوله: { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } هذا الإيمان واجب، لأنه قال في آخره:
{ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }
[البقرة: 5] فثبت أن من لم يكن له هذا الإيمان وجب أن لا يكون مفلحاً، وإذا ثبت أنه واجب وجب تحصيل العلم بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم على سبيل التفصيل، لأن المرء لا يمكنه أن يقوم بما أوجبه الله عليه علماً وعملاً إلا إذا علمه على سبيل التفصيل، لأنه إن لم يعلمه كذلك امتنع عليه القيام به، إلا أن تحصيل هذا العلم واجب على سبيل الكفاية، فإن تحصيل العلم بالشرائع النازلة على محمد صلى الله عليه وسلم على سبيل التفصيل غير واجب على العامة، وأما قوله: { وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } فالمراد به ما أنزل على الأنبياء الذين كانوا قبل محمد، والإيمان به واجب على الجملة، لأن الله تعالى ما تعبدنا الآن به حتى يلزمنا معرفته على التفصيل، بل إن عرفنا شيئاً من تفاصيله فهناك يجب علينا الإيمان بتلك التفاصيل، وأما قوله: { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } ففيه مسائل:
المسألة الأولى: الآخرة صفة الدار الآخرة، وسميت بذلك لأنها متأخرة عن الدنيا وقيل للدنيا دنيا لأنها أدنى من الآخرة.

{ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }*
اختلف أهل التأويـل فـيـمن عنى الله جل ثناؤه بقوله: { أُولَئِكَ عَلَـى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ } فقال بعضهم: عَنَى بذلك أهل الصفتـين الـمتقدمتـين، أعنـي الـمؤمنـين بـالغيب من العرب والـمؤمنـين بـما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم وإلـى من قبله من الرسل، وإياهم جميعاً وصف بأنهم علـى هدى منهم وأنهم هم الـمفلـحون. ذكر من قال ذلك من أهل التأويـل:
حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: أما الذين يؤمنون بـالغيب، فهم الـمؤمنون من العرب، والذين يؤمنون بـما أنزل إلـيك: الـمؤمنون من أهل الكتاب. ثم جمع الفريقـين فقال: { أُولَئِكَ علـى هدَىً مِنْ رَبِّهِمْ وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ }.
وقال بعضهم: بل عَنَى بذلك الـمتقـين الذين يؤمنون بـالغيب وهم الذين يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد، وبـما أنزل إلـى من قبله من الرسل.
وقال آخرون: بل عَنَى بذلك الذي يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم، وبـما أنزل إلـى من قبله من الرسل.
وقال آخرون: بل عَنَى بذلك الذين يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم، وبـما أنزل إلـى من قبله، وهم مؤمنوا أهل الكتاب الذين صدقوا بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به، وكانوا مؤمنـين من قبلُ بسائر الأنبـياء والكتب.
وعلـى هذا التأويـل الآخر، يحتـمل أن يكون: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ } فـي مـحل خفض، ومـحل رفع فأما الرفع فـيه فإنه يأتـيها من وجهين: أحدهما من قبل العطف علـى ما فـي { يُؤْمِنُونَ بِـالغَيْبِ } من ذكر «الذين». والثانـي: أن يكون خبر مبتدأ، ويكون: { أُولَئِكَ علـى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ } مرافعها. وأما الـخفض فعلـى العطف علـى { الْـمُتَّقِـينَ }. وإذا كانت معطوفة علـى «الذين» اتـجه لها وجهان من الـمعنى، أحدهما: أن تكون هي «والذين» الأولـى من صفة الـمتقـين، وذلك علـى تأويـل من رأى أن الآيات الأربع بعد { الـم } نزلت فـي صنف واحد من أصناف الـمؤمنـين. والوجه الثانـي: أن تكون «الذين» الثانـية معطوفة فـي الإعراب علـى «الـمتقـين» بـمعنى الـخفض، وهم فـي الـمعنى صنف غير الصنف الأول. وذلك علـى مذهب من رأى أن الذين نزلت فـيهم الآيتان الأوَّلتان من الـمؤمنـين بعد قوله { الـم } غير الذين نزلت فـيهم الآيتان الآخرتان اللتان تلـيان الأوّلتـين. وقد يحتـمل أن تكون «الذين» الثانـية مرفوعة فـي هذا الوجه بـمعنى الاستئناف، إذ كانت مبتدأ بها بعد تـمام آية وانقضاء قصة. وقد يجوز الرفع فـيها أيضاً بنـية الاستئناف إذ كانت فـي مبتدأ آية وإن كانت من صفة الـمتقـين.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }*
اختلف أهل التأويـل فـيـمن عنى بهذه الآية، وفـيـمن نزلت، فكان ابن عبـاس يقول، كما:
حدثنا به مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة بن الفضل، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي بـما أنزل إلـيك من ربك، وإن قالوا إنا قد آمنا بـما قد جاءنا من قبلك. وكان ابن عبـاس يرى أن هذه الآية، نزلت فـي الـيهود الذين كانوا بنواحي الـمدينة علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم توبـيخاً لهم فـي جحودهم نبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم، وتكذيبهم به، مع علـمهم به ومعرفتهم بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـيهم وإلـى الناس كافة.
حدثناابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن اسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان صدر سورة البقرة إلى المائة منها نزل في رجال سماهم بأعيانهم وأنسابهم من أحبار يهود ومن المنافقين من الأوس والخزرج كرهنا تطويل الكتاب بذكر أسمائهم
وقد روى عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر وهو: ما حدثنا به المثنى بن ابراهيم قال حدثنا عبد الله ابن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: { ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يؤمن جميع الناس، ويتابعوه على الهدى فأخبره الله جل ثناؤه أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الاول ولا يضل الا من سبق الله الشقاء في الذكر الاول
وقال آخرون بما حدثت به عن عمار بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس قال آيتان في قادة الاحزاب { ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } إلى قوله
{ ولهم عذاب عظيم }
قال وهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار قال فهم الذين قتلوا يوم بدر
وأولى هذه التأويلات بالآية تأويل ابن عباس الذي ذكره محمد بن أبي محمد،عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عنه، وإن كان لكل قول مما قاله الذين ذكرنا قولهم في ذلك مذهب من تأول في ذلك ما قاله الربيع بن أنس فهو أن الله تعالى ذكره لما أخبر عن قوم من أهل الكفر بأنهم لا يؤمنون، وأن الانذار غير نافعهم، ثم كان من الكفار من قد نفعه الله بإنذار النبي صلى الله عليه وسلم اياه لايمانه بالله وبالنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله بعد نزول هذه السورة، لم يجز أن تكون الآية نزلت إلا في خاص من الكفار.

* وجعلنا من الماء كل شىء حى
لقد اختار الله تعالى برحمته نظاماً متوازناً لكل شيء على هذه الأرض لضمان استمرار الحياة على ظهرها. وقال في ذلك (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)[الحجر: 21]. ففي هذه الآية أسرار إذا ما تأملناها بشيء من التدبر. فقد أنزل اله كل شيء بقدر وقانون ونظام، وقال(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر: 49].
وفي اللغة (قَدْرُ) الشيء مَبْلَغُهُ، فمثلاً لو تأملنا إنزال الماء من الغيوم نجده بقَدَر، أي بكميات محسوبة لا تختل أبداً، ولو تأملنا كميات المياه المتبخرة كل عام نجدها ثابتة أيضاً ومساوية للكميات الهاطلة. ولو تأملنا نسبة الملوحة في ماء البحر نجدها ثابتة أيضاً ولا تتغير إلا بحدود ضيقة جداً ومحسوبة. وهكذا كل ما نراه نمن حولنا يتجلى فيه النظام.
ولذلك نجد العلماء اليوم يدرسون قوانين حركة السوائل، وقوانين حركة الهواء والقوانين التي تحكم الكون وكل ما فيه، ويمكن القول بأنه لكل شيء في هذا الكون نظام وميزان، ولو اختل هذا الميزان لاختل النظام الكوني وفسدت السماوات والأرض. يقول تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) [المؤمنون: 71].
ملوحة البحار
ماذا يحدث لو كان ملح البحر قادراً على التبخر مثله مثل ماء البحر؟ إن الله تعالى قد وضع قانون الجاذبية، وعلى أساسه تستمر الحياة على الأرض. فالملح أثقل بكثير من الماء ولذلك لا يستطيع الصعود في الهواء، بينما الماء يستطيع ذلك لأن كثافة بخار الماء أقل من كثافة الهواء.
وهذا يعني أن ذرات البخار سوف تصعد للأعلى، تماماً مثل قطعة الخشب عندما تطفو على سطح الماء، لأن كثافة الخشب أقل من كثافة الماء. وهذا ما يدفع الخشب للصعود لأعلى الماء ولو حاولنا إنزاله للأسفل فإنه سيصعد إلى الأعلى، وهذا ما يسميه العلماء بدافعة أرخميدس.
إن هذا القانون المتعلق بكثافة المواد يضمن تبخر الماء وبقاء الملح في البحار، وبالتالي يضمن نزول الماء النقي من السماء. وهنا تتجلى رحمة الله بعباده عندما يقول: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)[الواقعة: 68-70].
دور الرياح
لقد قام علماء الأرصاد بتجارب طويلة حولآلية تشكل الغيوم وكيف ينْزل المطر. وبعد وضع عدة نظريات علمية حول هذا الموضوع تم إثبات دور الرياح في عملية تشكل السحاب. فالرياح تحمل بخار الماء من سطح البحار والمحيطات إلى طبقات الجوّ العليا، ولكن ذرات الماء هذه تحتاج لتجميع وتكثيف حتى تتشكل الغيوم.
وهنا يأتي تلقيح الرياح للسحاب، ولكن كيف تحدث هذه العملية؟ إن الرياح تحمل دائماً معها ذرات الغبار والملح الناعمة، وهذه الذرات عندما تصعد إلى الجوّ ولارتفاع عدة كيلومترات حيث درجة الحرارة منخفضة جداً، تتجمع حولها ذرات الماء لتشكل قطرات وبالنتيجة تتشكل الغيوم الثقيلة التي تزن آلاف الأطنان !!
لقد وضع الله تعالى برحمته قوانين فيزيائية تحكم حركة الماء وذوبانه وتبخره، ولو أن قانوناً واحداً اختل قليلاً لذهبت المياه جميعها من الأرض وانعدمت الحياة. فسبحان الله القائل: (وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) ألا يستحق هذا الإله الرحيم أن نؤمن به ونسجد له شكراً على نعمه؟
والعجيب أن القرآن قد تحدث عن دور الرياح في تلقيح الغيوم، يقول عز وجل: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)[الحجر: 22]. في هذه الآية معجزات علمية ففي كلمة (أَرْسَلْنَا)دقة علمية فنحن نعلم بأن عملية الإرسال تكون منظَّمة، وهذا ما نجده في خرائط توزع الرياح الملتقطة بالأقمار الإصطناعية. ثم إن هذه الرياح هي لواقح للغيوم، وبسببها ينْزل المطر من السماء، ثم إن هذا الماء الهاطل هو نقي غير ملوث وصالح للشرب، وأخيراً هذا الماء يُختزن في طبقات الأرض وقد يمضي على تخزينه ملايين السنين، إذن في باطن الأرض خزانات ضخمة للمياه.
وباختصار في آية واحدة حقائق علمية متعددة: إرسال الرياح، تلقيح السحاب، إنزال الماء من السماء، صلاحية هذا الماء للشرب، تخزين هذا الماء. والسؤال: هل هذه الحقائق المحكمة والبليغة والدقيقة من صنع البشر؟
ولو اختل شرط واحد من شروط تكون السحاب مثل أن تكون تيارات الرياح ضعيفة وغير قادرة على حمل الكميات الضخمة من الماء للأعلى، فإن هذا سيؤدي إلى قلة الأمطار الهاطلة وبالتالي قلة المياه العذبة على الأرض وزيادة المياه المالحة وبالتالي فساد الحياة.
الماء المختزن في الأرض
إن قانون الجاذبية والذي يعني أن الأثقل ينزل للأسفل والأخف يصعد للأعلى، هذا القانون يحافظ أيضاً على وجود الماء تحت سطح الأرض وضمان تدفقه على شكل ينابيع. ولو أن كثافة الماء كانت أعلى مما هي عليه لغار الماء في الأرض ولم يتمكن من التدفق من خلال الينابيع والأنهار.
وهنا يتجلى قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)[الملك: 30]. ولو أن كمية المياه المتساقطة على شكل أمطار لو كانت أقل مما هي عليه، لغار الماء في الأرض. فكمية الأمطار الهاطلة مناسبة تماماً لطبيعة القشرة الأرضية وسماكتها ونوعية صخورها وترابها.
وهنا أيضاً نقف عند قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18]. وهنا تشير كلمة (بقَدَر) إلى التقدير والحساب والمقادير الدقيقة، ويقول العلماء اليوم إن هنالك دورة منتظمة ودقيقة وحساسة جداً تتكرر كل عام.
لقد قدّر الله برحمته نظاماً محكماً لتوزع الماء على الأرض وفق دورة دقيقة وبمقادير محسوبة، ولو أن كمية المياه المتبخرة كل عام من البحار نقصت قليلاً لأدى ذلك بمرور الزمن إلى ذهاب الماء وانعدام الحياة. ولذلك قال: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ) أي بقوانين مقدرة ودقيقة وبكميات محسوبة ومضبوطة، ألا تحمل هذه الآية الكريمة إشارة إلى دورة المياه التي اكتشفها العلماء في العصر الحديث؟؟
ولو فرضنا أن هذه الدورة المائية اختلت قليلاً فإن هذا سيؤدي إلى ذهاب الماء من الأرض. ولو أن هذا الماء المختزن بين صخور الأرض كان له قابلية التفاعل مع هذه الصخور، إذن لنقصت كمية المياه المختزنة كل عام وبالنتيجة سوف يذهب الماء ولن نستفيد منه شيئاً، أي ستتوقف الحياة على الأرض، فالحمد لله على نعمه التي لا تُحصى، والقائل: (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى