مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصص القران - بعث اسامة

اذهب الى الأسفل

قصص القران - بعث اسامة Empty قصص القران - بعث اسامة

مُساهمة  طارق فتحي الجمعة يناير 07, 2011 8:07 pm

بعث أسامة
اعداد : طارق فتحي

مقدمة
كانت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مصيبة عظيمة، وكان لها رد فعل كبير على الصحابة، وتم اختيار أبي بكر الصديق خليفة للمسلمين، وهو أول خليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، واجتمع المسلمون على مبايعته، وعلى تأييده، وأصبح رضي الله عنه خليفة رسول الله بعد وفاة الرسول في نفس الليلة، ففي فجر الثلاثاء الثالث عشر من ربيع الأول بويع أبو بكر الصديق خليفة للمسلمين رضي الله عنه وأرضاه.
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة حدثت في الجزيرة العربية فتنه من أشد الفتن التي مرت على الأمة الإسلامية، كأن الله سبحانه وتعالى يبتلي هؤلاء القوم، ابتلاهم أولا بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بهذا الأمر الشديد، والحمد لله فقد صبروا على هذا الابتلاء العظيم...

فتنة الردة
ما إن علمت الجزيرة العربية بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى نقضت عهدها، وتركت دينها، ولم يثبت من الجزيرة العربية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ثلاث مدن، وقرية واحدة.
فارتدت قبائل بني حنيفة، وبني أسد، وعبس، وذبيان، وقضاعة، وكندة، وتميم، وقبائل اليمن، وعمان، والبحرين، ومهرة، وتهامة، وغير ذلك من قبائل، ولم يبق على الإسلام إلا المدينة المنورة، ومكة، والطائف، وقرية جُوَاثى بشرق الجزيرة العربية، وحتى هذه الأماكن باستثناء المدينة المنورة كانت على شفا حفرة الردة، لولا أن ثبتهم الله عز وجل برجال صادقين فيهم،
فكانت مكة على خطر عظيم، ولقد راودتها فكرة الردة، وتكلم الناس في الردة، حتى هَمّ كثير منهم بها، فقيض لهم الله من وقف فيهم خطيبًا، وهو سهيل بن عمرو، وكان حديث عهد بالإسلام، فقد أسلم في فتح مكة، ولما أُسِر هذا الرجل في غزوة بدر أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ينزع ثَنِيَّتَيْه حتى لا يقف خطيبًا، يهاجم النبي صلى الله عليه وسلم، كما كان يفعل، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
يَا عُمَرُ، دَعْهُ، فَلَعَلَّهُ يَقِفُ مَوْقِفًا يُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
فلما كانت الردة، وقف هذا الرجل وقال لهم خطبة عظيمة في الكعبة يحض الناس فيها على عدم الارتداد، والتمسك بحبل الله، وحبل رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم:
لقد كنتم آخر من أسلم، فلا تكونوا أول من غَيّر وبدّل.
قال: إن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي، وإن الله تعالى قد قال:
[وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ] {آل عمران:144} .
نفس الآية التي قرأها أبو بكر الصديق في المدينة قرأها هو في مكة، فثَبَت الناس، ولم يرتدوا، فكل هؤلاء في ميزان حسنات هذا الرجل.
أما المدينة الثالثة التي ثبتت ولم ترتد، وهى الطائف، وهذا شيء غريب جدا، فالطائف كانت قاسية على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب إليها في العام العاشر أو الحادي عشر من البعثة، بعد وفاة السيدة خديجة، ووفاة عمه أبي طالب، فقد ذهب إلى الطائف راجيًا منها النصرة، فوجد منها أبشع الردود، وقذفوه بالحجارة حتى سالت الدماء من قدميه الشريفة صلى الله عليه وسلم، ولقد أبى الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطيع ملك الجبال في إطباق عليهم الأخشبين- والأخشبان: جبلان عظيمان- وقال: عَسَى اللَّهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.
فكما تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبتوا على الإيمان، وجعل الله من أصلابهم من يؤمن بالله، ومن يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتت مدينة الطائف.
فهذه هي المدن الثلاث التي ثبتت على الإسلام، أما القرية فهي قرية صغيرة تسمى جُوَاثى في منطقة البحرين، وما زالت موجودة، ومعروفة باسمها، فمنطقة البحرين ارتدت كلها، وليس المقصود بمنطقة البحرين دولة البحرين الموجودة الآن، ولكن المقصود هو كل شرق الجزيرة العريبة، فهذه المنطقة كلها ارتدت، ولم يبق فيها على الإسلام، إلا جُوَاثى، وبفضل الله تعالى قيض الله لذلك رجل يُدعى الجارود بن يعلى، هذا الرجل قام، فخطب في الناس خطبة يدعوهم للإيمان بالله وبرسوله، حيا أو ميتا، وثبت الناس بخطبة الجارود بن يعلى، وكلهم إن شاء الله في ميزان حسناته أيضا، فثبتت هذه القرية الصغيرة، ولما ثبتت على الإيمان حاصرتها قوى البغي والردة من البحرين، ومنعوا عنها الطعام حتى كادت أن تهلك إلى أن أذن الله لها في النجاة.

نِعْمَة الصِّدِّيق رضي الله عنه
كان من الممكن أن تكون لهذه الفتنة العظيمة آثار وخيمة، لولا أن الله عز وجل مَنّ على الأمة في ذلك الوقت بنعمة عظيمة هائلة، تلك هي نعمة الصديق رضي الله عنه.
لقد كان الصديق رضي الله عنه فعلًا نعمة من الله عزّ وجل أيد بها هذه الأمة، وحفظ به الدين والقرآن، وقمع به المشركين والمرتدين.
وحقًا فهذا رجل يوزن بأمة كما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام أحمد في مسنده عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ، بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَالَ:
رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ، وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهِيَ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ، فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ، فَوُزِنَ بِهِمْ فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُمَرَ فَوُزِنَ فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُثْمَانَ فَوُزِنَ بِهِمْ، ثُمَّ رُفِعَتْ.
يقول أبو هريرة رضي الله عنه يصف هذا الموقف المتأزم:
والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبِد الله.
ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له:
مه يا أبا هريرة؟
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله، فقالوا:
يا أبا بكر رد هؤلاء، تُوَجّه هؤلاء إلى الروم، وقد ارتدت العرب حول المدينة؟
فقال: والذي لا إله غيره، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله، ولا حللت لواء عقده رسول الله.
وليس هذا الكلام مبالغة أبدًا من أبي هريرة رضي الله عنه، فالصديق فعلًا عظيم، وتظهر عظمته بصورة أكبر عندما نعلم أن هذا الموقف كان بعد أيام قليلة جدًا من استلامه للحكم، ومن المعتاد أن قائد الدولة يحتاج إلى فترة للتأقلم على الوضع الجديد، ولاكتساب الخبرة، ولكن الصديق رضي الله عنه أدار الأمور بحزم وكفاءة، وكأنه يحكم الدولة منذ سنوات وسنوات.
ولا ننسى أن مصيبة الردة هذه جاءت بعد أيام قلائل من مصيبة أخرى كبيرة، هي مصيبة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن مصاب الصديق كان كبيرًا، فهو أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، و أشدهم حزنًا على فراقه، ولكن الله عز وجل رزقه نعمة الثبات، والثبات نعمة جليلة لا توهب إلا لمن كان مؤمنًا حقًا.
[يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ] {إبراهيم:27} .
كان ارتداد الجزيرة العربية على درجات فمن العرب من منع الزكاة، وادعى أنها كانت تُعطى لرسول الله صلى الله عليه وسلم شخصيًا، فلما مات الرسول صلى الله عليه وسلم سقطت عنهم الزكاة بزعمهم.
وكانوا قد تأولوا قول الله تعالى:
[خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] { التوبة:103} .
وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المأمور بأَخْذ الصدقة، وأَخْذ الزكاة، وهو الذي كان يصلي عليهم، وبموته لم تعد هناك صلاة عليهم.
وهذا مفهوم مغلوط سطحي مدفوع بحب الإنسان للمال، ورغبته في الكَنْز والتملك، وليس مبنيًا أبدًا على علم أو على اجتهاد صحيح مقبول؛ لأن الزكاة أصل من الأصول الإسلامية، وهي من المعلوم من الدين بالضرورة، ولها نصابها المعروف، ولها مصارفها المحددة،، وجمعت مع الصلاة في كتاب الله عشرات المرات، ولذلك اعتبر من ينكر الزكاة كأصل من الأصول الإسلامية المعتبرة مرتدًا خارجًا عن الدين، مفارقًا للجماعة، سواء بعد ذلك اعترف بالصلاة، أو بالصيام، أو بغيرها من الأحكام أم لم يعترف.
وهذا بالطبع غير من عَلِم أن الزكاة حق، ولكن غلبت نفسه الضعيفة على عدم إخراجها، ولكن دون أن يستحل ذلك، فهذا لا يعده عامة الفقهاء مرتدًا، إنما يعدونه فاسقًا، يحتاج إلى إقامة حد، أو تعزير، بحسب ما يراه الحاكم.
وقد وقفت أكثر من قبيلة عربية في ذلك الوقت هذا الموقف الخبيث، فأنكرت الزكاة أصلًا، واشترطوا أن يقبلوا الإسلام بدون زكاة،، وبذلك أخذوا حكم المرتدين.
ومن العرب من ترك الإسلام كله، وعاد إلى ما كان يعبد من أصنام، وقالوا مقالة تعبر عن جهل عميق بحقيقة النبوة، إذ قالوا:
لو كان محمد نبيًا ما مات.
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلن مرة واحدة في حياته أنه لن يموت، بل كان دائم التذكير بأنه بشر يجري عليه ما يجري على عامة البشر، والفارق الوحيد بينه وبين عامة الناس أنه يأتيه الوحي من السماء.
قال تعالى يعلم نبيه كيف يخاطب الناس:
[قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ] {الكهف:110} .
بل صرح رب العالمين في كتابه الكريم في أكثر من موضع أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيموت كعامة الخلق فقال تعالى:
[إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ] {الزُّمر:30} .
وقال:
[وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ] {آل عمران:144} .
وهكذا فحجة ترك الإسلام لأجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات حجة واهية، ولكنها وجدت قبولًا عند بعض القبائل.
ومن العرب من لم يكتف بالردة، ويترك المسلمين في شأنهم، بل انقلبوا على المسلمين الذين لم يرتدوا، فقتلوهم، وذبحوهم، وفعلوا بهم أشنع المنكرات.
ومن العرب من سارع بادعاء النبوة، وكلهم يطمع في أن يصل إلى ما وصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سيطرة كاملة على جزيرة العرب، و قيادة كل القبائل، فزعم بعض القوم أنهم يأتيهم الملائكة من السماء توحي إليهم، وأنهم أنبياء، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيًا، ومن أشهر هؤلاء مسيلمة الحنفي الكذاب، والأسود العنسي، وطليحة بن خويلد، وسجاح، وغيرهم.
وإن كان بعضهم لم ينكروا نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن قالوا نحن أنبياء مثله، وشركاء في هذا الأمر، ومنهم من قال نحن أنبياء بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهكذا تعددت أنواع الردة، ولكنهم في النهاية فريق واحد اسمه فريق المرتدين، تميزوا بوضوح عن المسلمين الذين كانوا قلة قليلة مبعثرة في ثلاث مدن وقرية، وبعض الأفراد في بعض القبائل.
لقد كانت أزمة طاحنة حقًا.

أسباب حدوث الردة
قد يتساءل البعض سؤالًا هامًا:
لماذا حدثت الردة بهذه الصورة المروعة؟!
لماذا يبقى القليل على الإسلام، و يعرض الكثير عنه؟!
أليس الإسلام واضحًا نقيًا معجزًا؟
أليس البديل الذي أتى به من ادعى النبوة بديلا هزيلًا واهنًا، لا تُقره لغة، ولا يقتنع به عاقل؟
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا حدثت الردة؟!
بادئ ذي بدء هناك قاعدة أصيلة، وسُنة محكمة لا خلف لها حكمت الأحداث في تلك الأيام، وتحكم الأحداث إلى يوم القيامة، تلك هي سُنة حرب الحق و الباطل.
ما دام هناك بشر على الأرض، فسيكون هناك أهل خير، وسيكون هناك أهل شر، وسيكون هناك حق، وسيكون هناك باطل.
ومن السنن كذلك أن أهل الباطل كثرة، وأن أهل الحق قلة، تواترت على ذلك الآيات، والأحاديث، ورأينا ذلك في الواقع مرات ومرات.
القليل الذي يكبت جماح هواه ليسير في طريق الحق، والكثير الذي يعبد هواه مهما قاده إلى المهالك.
[وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ] {الأنعام:116} .
[وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ] {يوسف:103}.
هذه قاعدة أصيلة تحكم الدنيا، فالفاسدين أكبر بكثير من الصالحين، لكن كان البعض يتوقع أن تكون الردة ليست بهذا الحجم، لكون الناس قريبي عهد برسول الله صلى الله عليه وسلم، بمنهجه القويم، وتربيته العظيمة، وقيادته المبهرة، وإعجازه الواضح.
فلماذا ؟!
الواقع أن هناك أعدادًا ضخمة من العرب دخلوا في الإسلام في العامين الأخيرين من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما عرف في التاريخ بالوفود، ولم يدخل هؤلاء في الإسلام إلا انبهارًا بسيطرة المسلمين على الجزيرة العربية، وانتصارهم على قريش أكبر القبائل العربية، ثم على هوازن وثقيف، وغيرها من القبائل العظمى في الجزيرة، فجاء الناس أفواجًا يدخلون في دين الله عز وجل، ولكن ليس كلهم عن اقتناع، فمنهم من جاء رغبًا في المال، والغنائم، والارتباط بالقوة الأولى الجديدة في الجزيرة، ومنهم من جاء رهبًا من قوة المسلمين، ومنهم من جاء لا رغبًا ولا رهبًا، ولكن اتباعًا لزعمائهم وقادتهم، فساقهم زعماؤهم كالقطيع فدخلوا في دين لا يعرفون حدوده، ولا فروضه، ولا تكاليفه، ولم يفقهوا حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم وحقيقة الرسالة، ولم يعيشوا مع القرآن، ولا مع السنة، بل إن الكثير من العرب الذين أسلموا في السنتين التاسعة والعاشرة من الهجرة لم يروا الرسول صلى الله عليه وسلم أصلًا، فلما مات الرسول صلى الله عليه وسلم اعتقد الجميع أن الدولة الإسلامية انهارت بموت من أسسها كما تنهار الكثير من الأعمال المعتمدة على شخص بعينه إذا غاب هذه الشخص، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد أسس جيلًا كاملًا فَقِه معنى الإسلام الحقيقي، وعلم هذا الجيل أن استمرارية الإسلام في الأرض ليست مرتبطة بأشخاص، بل هي طبيعة ذاتية في هذا الدين فهو لا يموت، ولا يندثر، ولا ينهار، قد يتعرض لأزمات، ولكن يخرج منها حتما، لأنه دين الله عز وجل، والله عز وجل ناصر دينه.
قال تعالى:
[هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ] {التوبة:33} .
كانت هذه هي ظروف الأعراب حول المدينة، ولم تكن الظروف فقط هي العامل المؤثر في سرعة ارتدادهم، بل كانت طبيعتهم الغليظة، والجافية سببًا في عدم قبول فكرة الإسلام الرقيقة الطيبة.
قال الله تعالى يصف حالة هؤلاء الأعراب:
[الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] {التوبة:97}.
هذا وصف رب العالمين لطبيعة هؤلاء الأقوام.
وفوق ذلك- كما ذكرت- هم لم يأخذوا الفرصة كاملة، والوقت المناسب لفقه حقيقة الإيمان، فدخلوا في الإسلام، ولم يؤمنوا حقيقته بعد.
قال تعالى يصف حالهم:
[قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {الحجرات:14} .
فهم دخلوا في الإسلام بأجسادهم، وألسنتهم، ولكن القلوب ما زالت بعيدة عن حقيقه الإيمان، ولذلك فليس مستغربًا أن يرتدوا عند أول شعور يراودهم بضعف الدولة الإسلامية، وقلة حيلتها.
ولم تكن المشكلة فقط في عوام الأعراب، ولكن كانت أيضا في زعمائهم، فالقبائل العربية ما تعودت مطلقًا على القيادة الجماعية، بل كان كل زعيم قبيلة زعيمًا في مكانه وقبيلته، يأمر فيطاع، ويشير، فلا راد لكلمته، وفجأة ضاعت زعاماتهم، وذابت في الدولة الإسلامية، ولم يقبل غالبهم بذلك، فلما مات رسول صلي الله عليه وسلم بحث كل منهم عن زعامته المفقودة، فكانوا أقرب ما يكون إلى عبد الله بن أُبَي ابن سلول الذي كان سينصب زعيمًا للمدينة المنورة قبل قدوم الرسول صلي الله عليه وسلم، فلما جاء الرسول صلي الله عليه وسلم ضاعت زعامته، فظل مع كونه في الظاهر مسلمًا يتحين الفرصة للقضاء علي الإسلام والمسلمين، وأمثال ابن سلول في العرب كثيرة، هناك مسيلمة الحنفي الكذاب، وطليحة بن خويلد الأسدي، والأسود العنسي، وغيرهم، وهؤلاء لم ينسوا زعامتهم أبدًا، ثم مات رسول صلي الله علية وسلم، وليس هذا فقط، بل تولى حكم الدولة الإسلامية أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو من أضعف بطون قريش، وهو بطن بني تيم، فوجد هؤلاء الزعماء في أنفسهم قوة للخروج عن الدولة الإسلامية، لقد كان خروجًا سياسيًا في المقام الأول، لم يكن أبدًا اقتناعًا بمبادئ الجاهلية، ورغبة في عبادة هبل، واللات، والعزى، بدلًا من عبادة رب العالمين، ولم تكن أبدًا اقتناعًا بنبوة أولئك الذين ادعوا النبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان الأمر سياسيًا بحتًا.
حب الكرسي والزعامة آخر ما يخرج من قلب الإنسان، وكان هؤلاء الزعماء من الذكاء بحيث لم يطعنوا في الإسلام لعلمهم أنهم لا طاقة لهم بالإتيان بمثله، ولكنهم ضغطوا على معنى خطير يشغل بال كل عربي في ذلك الوقت، وهو معني القبلية، وهو معنى خطير حقا، وقاومه الإسلام بكل ضراوة، فالإسلام ليس دين قريش حتى تقف في مواجهتها قبيلة أخرى، إنما هو دين الله عز وجل لكل العباد من كل القبائل، والألوان، والأجناس.
لكن لقرب العهد بالجاهلية والقبلية دخل في روع الأعراب عن طريق زعمائهم أن قبائلهم ليست أقل من قريش، ولا يصح أن تخضع لها، فالحرب- في تصويرهم- حرب قبائل، ومن لم يبحث له عن مكان الآن، فلن يجد مكانًا في المستقبل.

موقع قصة الاسلام
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى