مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* الحملة المعاصرة والمسيحية المتصهينة - التاريخ يعيد نفسه.

اذهب الى الأسفل

* الحملة المعاصرة والمسيحية المتصهينة - التاريخ يعيد نفسه. Empty * الحملة المعاصرة والمسيحية المتصهينة - التاريخ يعيد نفسه.

مُساهمة  طارق فتحي الجمعة يناير 07, 2011 6:25 pm

الحملة المعاصرة والمسيحية المتصهينة
مُساهمة  طارق فتحي في الجمعة 28 يناير 2011 - 23:38
2 – الحملة المعاصرة والمسيحية المتصهينة
باستثناء بعض الأفراد القلائل يمكن أن نجزم أن العالم الغربي لم يعرف قط المسيحية على حقيقتها، وإنما عرف صورة محرفة من صنع الكنيسة لا صلة لها بالأصل. وباعتراف مؤرخي الغرب ومفكريه فإن اليهودي "بولس" كان قد أدخل على العقيدة المسيحية تعديلات جوهرية صرفتها كليا عن حقيقتها الخالصة.
إذن لقد بدأ الاختراق اليهودي للمسيحية منذ زمن طويل، وهو السبب الأول في كل الانحرافات العقدية الموجودة عند النصارى. لكن الجديد في عالم الاختراقات اليهودية للمسيحية كان في القرن السادس عشر ميلادي، حين ظهر المذهب البروتستانتي الذي يؤمن بكل النبوءات التوراتية، ويسعى باجتهاد إلى تحقيق كل ما يعتقد أنه من المقدمات الضرورية لتحقق تلك النبوءات، وأهمها:
 إقامة دولة إسرائيل المنصوص عليها في التوراة (من النيل إلى الفرات) وتجميع يهود العالم فيها.
 وقوع معركة كبرى بين قوى الخير (النصارى واليهود) وقوى الشر (المسلمين) تسمى (هرمجدون).
 هدم أو تدمير المسجد الأقصى ليتسنى بناء الهيكل اليهودي مكانه.
وقد كانت إقامة دولة إسرائيل – على يد النصارى الإنجليز – واحدة على الطريق إلى "هرمجدون". بل يبدو واضحا من خلال التناغم اليهودي النصراني أن العالم الغربي سائر بجد نحو تحقيق كل هذه الأحلام اليهودية، فأمريكا توفر كل شيء لإسرائيل مهما كان الثمن، حتى لقد قال بعض الأمريكيين: "لقد حيرني أمر الصهاينة المسيحيين منذ الثمانينات. إنهم يضعون عبادة إسرائيل فوق تعاليم المسيح".
ومن هنا أصبح الصراع الإسلامي النصراني أكثر حدة من الماضي، لأن الصليبية اليوم صارت تجمع أكثر من رمز أيديولوجي في مواجهة الإسلام. فهي هذه المرة تنطلق من وحدة الإرث المسيحي - اليهودي، لتشكل تحالفا قذرا يرى أن العدو الأول هو كل ما له علاقة بالإسلام والحركات الإسلامية. وبذلك صار الدين (بالمعنى الاعتقادي) يلعب دورا مركزيا في صياغة سياسة العالم الغربي اتجاه العالم الإسلامي، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، لأنها بؤرة الصراع.
إنها حرب صليبية جديدة يتلاقى فيها مزيج من اليهودية الصهيونية مع المسيحية المستولدة من صلب اليهودية الغربية. ومن تم صار أهم ما يميز هذا التحالف الصهيوني هو وحدة المصير ووحدة الهدف، إضافة إلى التقاء المصالح السياسية والاقتصادية، حتى لقد قال "حاييم" رئيس دولة اليهود الأسبق: "إنّ الأصولية الإسلامية هي أكبر خطرٍ يواجه العالَم، وإنّ إسرائيل تحمي قِيَم الغرب من الصحوة الإسلامية"!!
رابعاً: الحملة الصليبية والعناوين المغلوطة
لقد كان الغرب الصليبيّ – ولازال – يعتبر أنّ الإسلام هو مصدر الخطر الأكبر، لأنه الدين الذي يستطيع أن يشكل تهديدا حقيقيا للحضارة الغربية المفلسة، والزاد الذي يمكّن العالم الإسلامي من الوقوف في وجه مخططات الغرب الاستعمارية، ولذلك ينظر العالم الغربي إلى الصحوة الإسلامية على أنها أكبر خطرٍ يهدّده في المرحلة الراهنة. لأنه يعلم أن هذه الصحوة إذا ما تم توجيهها بشكلٍ إيجابيٍ فستؤدي إلى استعادة المسلمين لدورهم الحضاري في العالم، خاصة أن الحضارة الغربية آيلة إلى الزوال بفعل تراكم عوامل الفساد الخلقي والقيمي، وهذا ما عبر عنه أحد المسؤولين الكبار في الخارجية الفرنسية بقوله: "إنّ العالَم الإسلاميّ عملاق مقيّد لم يكتشف نفسه اكتشافاً تاماً، فإن تحرر من قيود جهله وعجزه، فإنه سيشكّل خطراً داهماً يُنهي الحضارة الغربية، ويُنهي وظيفتها في قيادة العالَم) .
فكل المواقف والإجراءات العدوانية السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، التي يتّخذها الغرب الصليبي اتجاه العالَم الإسلاميّ تحركها – بالأساس – هذه النظرة التي تحمل في عمقها الإحساس بالخطر من هذا العملاق، خاصة بعد أن ظهرت عليه بوادر استعادة العافية بفعل محاولات الرجوع إلى الهوية الإسلامية، وبفعل تنامي الوعي بالدور الخبيث الذي تلعبه الدول الغربية في تكريس حالة العجز والتبعية.
لكن الغرب الصليبي كان – ولازال – يجتهد في التستر على حروبه العدوانية بعناوين مغلوطة، يقصد بها إرباك الآخر من جهة، وإضفاء الشرعية على نفسه من جهة أخرى، وقد كان أهمها هذه المرة:
1 - محاربة الإرهاب الدولي
لقد أدى الإحساس المتزايد بـ"التهديد" الإسلامي للمصالح الغربية إلى جعْل الحركات الإسلامية على رأس قائمة الأعداء، وخاصة تلك التي تنتمي إلى ما بات يعرف بـ"السلفية الجهادية"، لأن الغرب وجد في الجماعات الممثلة لهذا التوجه حصانة عقدية ومنهجية تصعّب عليه وعلى أوليائه عملية الاحتواء، كما أن هذه الجماعات كانت قد أثبتت أنها الأكثر تعبيرا عن آمال الأمة والأكثر قدرة على التجاوب مع متطلبات المرحلة.
ولم تكن غزوة الثلاثاء إلاّ بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، وأبرزت الحرب الصليبية إلى السطح، وإلاّ فإن الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وعملية القتل البطيء (الحصار) لغيره من أبناء الأمة الإسلامية كانت قائمة ولم تكن بحاجة إلى 11 سبتمبر، بل لم تكن تلك الغزوة إلاّ ردا طبيعيا على هذا العدوان. فإذا كان الرد بالمثل يسمى إرهاباً فإن أمريكا هي المسؤولة عن تأسيس الإرهاب والإرهاب المضاد.
عموما لا نريد أن ندخل في الجدل السفسطائي، فأمريكا وحلفاؤها النصارى هم أحرص الناس على عدم تحديد مفهوم دقيق للإرهاب، لأن هذا التحديد سيظهر أن الغرب النصراني هو الإرهابي الكبير عبر تاريخ البشرية. ويكفي أنّ أمريكا تعتبر الجماعات المجاهدة للمحتل الأجنبي – مثل حماس في فلسطين وطالبان في أفغانستان – جماعات إرهابية، وهو ما يعني على أن تعريف الإرهاب عند الغرب هو كل ما يفزعه، وأن الإنسان الإرهابي هو كل مسلم يمكن أن يتسبب في إفزاع إنسان صليبي.
لقد أصبحت "الحرب على الإرهاب" مقولة ممجوجة، خاصة بعدما تجاوزت الحملة المعاصرة الحرب مع مجاهدي القاعدة، وامتدت إلى الاعتداء على دولة طالبان الإسلامية، في هجمة مورست فيها كل أنواع الإرهاب الصليبي على الأمة الإسلامية هناك، بل لقد تجاوزت كل ما له علاقة بالجهاد لتصل إلى كل ما هو إسلامي، سواء كأشخاص ومنظمات أو كدين وثقافة، في محاولة واضحة لفرض القيم الأمريكية والهيمنة الغربية على المسلمين وعلى العالم الإسلامي.
فـ"الإرهاب" في العقل الغربي ليس إلا كلمة السر التي تفتح ملف كل ما هو إسلامي، لأن هناك إرثا ثقافيا مركوزا في الداخل الغربي هو الذي يفك رموز هذه الكلمة المشفرة، أي أن الإدراك الغربي يرى من منظور ثقافي (ديني) أن الإسلام هو الخطر الأكبر الذي كان – ولازال – يشكل له مصدر قلق وفزع، ومن تم فهو المعنى المتبادر لكلمة الإرهاب. وقد كان الإنتاج الفكري والإعلامي أقل تَحفظًا حين دعا – بوضوح – إلى وضع حد للوهم الذي يفرق بين الإسلام كدين وحضارة وبين الإرهاب.
ومن منظور التحليل النفسي فإن التصريحات التي أطلقها "بوش، وتشيني، وبلير" وغيرهم من تأكيد التفرقة بين الإسلام والإرهاب ما هي إلاّ جزء من حيل الدفاع لإخفاء الحقيقة المضمرة في عقولهم.. وهي أن المقصود بالحرب هو الإسلام، وأن "الحرب على الإرهاب" ليست إلاّ عنوانا مغلوطا يتم تحته الاجتهاد في طمس هوية الأمة، وقتل طلائعها المجاهدة، وشعار يراد به التسويق للحملة الصليبية في العالم، أولاً لإرباك الموقف الإسلامي في التعامل مع الوضع، وثانياً لتوفير الغطاء "الشرعي" لحشد الأنظمة ضمن حملة التحالف العدواني على هوية الأمة وعلى الشرفاء من أبنائها.
2 – قصة الأسلحة العراقية
هذا هو العنوان الثاني للحملة المعاصرة، والذي يتم تحته حشد إمبراطورية عسكرية صليبية في المنطقة العربية، أولاً لتطوق قلب العالم الإسلامي، وثانياً لتحضّر لغزو مكشوف للعراق وربما لكامل بلاد الشام والجزيرة العربية.
ولا نريد أن نخوض في الجواب عن السؤال الأول في الموضوع وهو: لماذا لا يجوز للعراق أن يمتلك أسلحة الدمار الشامل؟ ثم لماذا تحرم هذه الأسلحة على دولة عربية في حين أنها مباحة للدول الأخرى، وبالضبط لإسرائيل العدو التاريخي المزروع في قلب المنطقة العربية؟
طبعا من السخافة محاولة إقناعنا بشرعية هذه المعايير المزدوجة لأننا أمة تفكر بعقول الأحرار وليس بعقول العبيد، لكن الأكثر سخافة هو محاولة "شرعنة" الغزو الصليبي للعراق، حيث تم استصدار قرار دولي (يعني صليبي) يخول لبوش أن يقول: "إذا رفض الرئيس العراقي السماح بدخول المفتشين غير المشروط إلى كل موقع وكل وثيقة وكل شخص، فإن هذا سيكون إشارة واضحة إلى عدم الالتزام". وعدم الالتزام يعني مبرر الهجمة على العراق لقتل المسلمين والسطو على خيرات بلدانهم حسب القرار الصليبي 1441.
خامساً: معالم على طريق المواجهة
بعد هذا العرض السريع لحقيقة الحملة الصليبية المعاصرة نطرح السؤال التالي: ما العمل؟
نعم ما العمل؟ لأن الوضع لا يحتاج إلى الاستغراق في الرصد السلبي للحدث، نحن الآن أمام حالة طوارئ حقيقية، تتطلب تفاعلا عمليا يتسم بكامل الجدية والمسؤولية، فالمسلمون يواجهون حرب إبادة على امتداد بقاع العالم، وهويتنا الإسلامية تخضع لضربات صليبية تستهدف الإجهاز على كل مفردات المنظومة القيميّة للأمة.
ما العمل؟ لأننا مطالبون بواجبات شرعية تعتبر هي التجسيد العملي لمفهوم التدين.. نحن مطالبون بالدفاع عن الديار والقيم الإسلامية التي يستهدفها الغرب النصراني في حملته المعاصرة، نحن مطالبون بالرد على العدوان الصليبي على أمتنا في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان، نحن مطالبون بنصرة المجاهدين لأن هذه النصرة هي دليل الولاء الإيماني الذي يجمعنا بهم.. باختصار نحن مطالبون بالمواجهة، فهي أخص الواجبات الشرعية للمرحلة الراهنة.
لكن حتى لا تكون هذه المواجهة مجرد تحرك عاطفي تطغى عليه الارتجالية في التخطيط والتنفيذ.. حتى لا يقع هذا يجب أن نجتهد في ضبطها وفق مشروع متكامل يستجمع كل ما هو متاح من شروط الفعالية والتأثير، والتي أرى أهمية أن تكون تحت ثلاثة معالم أساسية.
1 – التعاون بين فصائل الحركة الإسلامية
لم تكن الحملات الصليبية الماضية تفرق بين هذا مسلم مجاهد وهذا مسلم قاعد، بل لم تكن ترحم لا العلماء ولا حتى الزهاد المنعزلين، الكل بالنسبة للصليبين سواء إلاّ ما اقتضاه الاستثناء الضيق، ومعنى هذا الاستثناء هو التنازل عن المبادئ الإسلامية، والذي غالبا ما يصل إلى حد الارتداد عن الدين، قال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة:217] .
والحملة الصليبية المعاصرة مثلها مثل أخواتها السابقات، لا ولن تفرق بين هذا خط الدعوة والتربية وهذا خط الدعوة والجهاد، كلاهما بالنسبة إليها شيء واحد، وأقل "التهم" الثابتة في حق الأول أنه هو المسؤول عن بقاء وامتداد التدين في المجتمعات الإسلامية، وهذه – في نظر الصليبيين – مشاركة عملية في تهيئ الأجواء المناسبة لترعرع "الإرهاب"!! كما أن الحملة الصليبية المعاصرة لن تفرق بين هذا آرائي "معتدل" وهذا سلفي "متشدد"، كلاهما بالنسبة إليها شيء واحد، أو على حد تعبير "التايمز" البريطانية: "لا يوجد فرق بين معتدلين ومتشدّدين، فكلّهم مسلمون" . وبالتالي كلهم مستهدفون، ومن غُضّ عنه الطرفُ في هذا الشوط فلينتظر دوره في الشوط الثاني، فإنما تأجل الاهتمام به لأجل التفرغ لخط الدفاع الأول (الجماعات المجاهدة).
يجب أن يكون الجميع واعيا بأن الحملة المعاصرة تهدف إلى الإجهاز على كل ما هو إسلامي.. فهي تهدف إلى تجفيف منابع التدين، وإلى سحق هوية الأمة، وإلى المزيد من الإفساد الاجتماعي، بل إلى إعادة الاستعمار المباشر للعالم الإسلامي. فهي حرب شاملة، لم تسلم منها لا مدارس العلوم الشرعية، ولا حتى الجمعيات الخيرية، فضلا عن غيرها.
ولذلك فإن الحركة الإسلامية بمختلف تعبيراتها الفكرية والحركية تعد معنية بهذه الحرب، بل إنها القضية المعاصرة التي يجب أن توضع على رأس اهتماماتها، فالوضع القائم شكل لجميع الفصائل تحديات كبيرة وعلى مستويات متعددة، مما يدعو كافة الجماعات الإسلامية إلى وقفة صادقة لتشخيص جدي للواقع الذي تحياه وللخط الذي تتحرك من خلاله، ولتنظر في مدى مناسبة هذا الواقع وهذا الخط للمعطيات القائمة ولطبيعة الأهداف التي تتطلع إليها الأمة. لأن أكبر مظاهر القصور الذي يمكن أن يصيب الحركة الإسلامية هو انصرافها عن واجبات المرحلة، وانشغالها عنها بقضايا جزئية أو هامشية لا هي تمثل جوهر الصراع القائم ولا حتى تصب في أحد قنواته.
وهذا ما يقودنا – باعتبار معطيات المرحلة – إلى ضرورة التعاون بين فصائل الحركة الإسلامية على مواجهة الحملة الصليبية المعاصرة، لأنه لا يمكن تحقيق الفعالية المطلوبة إلاّ به، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:2]، وإذا كان البعض لازال "متورعا" في جهاد الأنظمة الطاغوتية، فإن جهاد الكافر الأصلي الصليبي لا يختلف فيه اثنان ولا تتناطح حوله عنزتان، بل حتى أعراف القانون الدولي تسمح بمجاهدته لأنه في موقع الاعتداء ونحن في موقع الدفاع، إذن فلتكن هذه هي نقطة الالتقاء التي يتعاون فيها الجميع.
ولست هنا بصدد التنظير الحركي لصيغة هذا التعاون، ولا للمجالات التي يمكن أن يقع فيها، ولا لطبيعة الأدوار التي يمكن أن يقوم بها كل فريق، ولا للإجراءات الاحتياطية المطلوبة في مثل هذا النوع من التفاعل.. لست بصدد هذا، فذاك موضوع آخر، أرى أن يترك لقيادة العمل الإسلامي في كل بلد، فهي أعلم بمعطياتها الذاتية والموضوعية. المهم عندي هنا هو أن نطرح موضوع التعاون حول نقطة الالتقاء هذه (دفع الصائل الصليبي) طرحا جديا، بحيث يصير حاضرا بقوة في البرامج الحركية للجميع، لأن هذا هو الواجب الشرعي في الوضع الراهن، وأنا شخصيا أعتبره المحك العملي لاختبار مدى التفعيل الصادق لشعار "نتعاون فيما اتفقنا عليه" .
وإذا كنا لا نستطيع – في الوقت الراهن – أن نصل بهذا التعاون إلى مستوى الوحدة التنظيمية، فعلى الأقل الاجتهاد في تفعيل دور التنسيق، فقد ملّت القواعد المخلصة والجماهير العريضة من هذا التفكك الذي أصاب الجسم الإسلامي، وأصبح السؤال الصحيح الآن هو: ما هو حكم الله في حقنا، هل هو القعود مع القاعدين أم الجهاد مع المجاهدين؟ هذا هو سؤال المرحلة، بعيدا عن البكاء على الأطلال فإنه لا يغير الواقع، وبعيدا عن أدبيات التنويم المغناطيسي فإنه أسلوب قديم، فقد تغير الوضع بعد 11 سبتمبر، وأصبحت المواجهة كأنها مفروضة على الجميع.
2 - التكامل والتركيز في المشروع الجهادي
المشروع الجهادي – ولله الحمد – قائم، والجماعات المجاهدة موجودة على امتداد العالم الإسلامي. ومن فضل الله على أكثرها أنها تتميز بوحدة منهجية ساعدت على تشكيل قاعدة فكرية ينطلق منها الجميع، فرغم تباعد الديار وصعوبة التواصل فإن خط الطائفة المنصورة (خط الدعوة والجهاد) يعيش حالة من الانسجام والتقارب جعلت البعض يسمي جميع جماعات الحركة السنية المجاهدة "قاعدة".
ولكن حتى نستفيد أكثر من هذه الوحدة الفكرية في مشروعنا الجهادي نحتاج إلى تعميق التقارب في الرؤية الحركية، ليصبح العمل "نور على نور". وأرى لهذا الهدف ضرورة أمرين اثنين:
أ – التكامل: وأعني بالتكامل في المشروع الجهادي توزيع الأدوار بين الجماعة العالمية (قاعدة الجهاد) والجماعات "القطرية"، فلكل واحدة دورها الذي لا غنى للآخر عنه. "القاعدة" تجعل اهتمامها الأول هو العدو الخارجي، فتتصدى للعدو الصليبي الذي يستهدف الأمة في هويتها ومقدراتها، ويساعد على توطيد الحكم الطاغوتي للأنظمة العميلة في بلاد الإسلام. أما الجماعات "القُطرية" (طالبان مثلا) فتجعل اهتمامها الأول هو العدو الداخلي، لأن مشروع إقامة الدولة الإسلامية يحتاج إلى حسابات تفصيلية تراعى فيها المعطيات الجزئية لكل قطر على حدة، إضافة إلى أنه لابد في التصدي للعدو الصليبي من ملاحظة التعاون القائم بينه وبين الأنظمة العميلة له في بلاد المسلمين.
ب – التركيز: وأعني بالتركيز عدم تشتيت الجهود في جبهات متعددة في آن واحد، وهو ما يتطلب التحفظ الكبير في فتح معارك جديدة. بحيث يكون الاهتمام الأول منصبا على إنجاح المشاريع القائمة، دون أن يعني ذلك نوعا من الانحسار في الدائرة المغلقة، فالأمور مترابطة، وقيادات العمل الإسلامي مخولة بتقدير الموقف!!
3 – تفعيـل دور الأمـة الإسلامية
لأن الأمة هي خزان العناصر المجاهدة، وقد كانت دائما قادرة على تزويد الطليعة باحتياجاتها في ساحة الجهاد، وعلى سبيل المثال يبرز اليوم الشعب الفلسطيني – ما شاء الله – كنموذج حي على تفاعل الأمة مع المشروع الجهادي، وهي الصورة التي نحتاج إلى أن تصبح سمة عامة لباقي الشعوب الإسلامية، بحيث تنفض عنها غبار اللامبالاة لتستشعر أنها المعنية بما هو قائم، وأن الجماعات المجاهدة ما هي إلاّ طليعة تقدمت الصف، ومن تم فإنه لا مجال للاتكالية، خاصة في ظل الوضع الراهن، والذي – حسب التكييف الفقهي – يجعل المشاركة في الجهاد فرض عين على جميع المسلمين.
باختصار, إن التعاطف السلبي لا يرد الصائل الصليبي، وإنه لمن العار على أمة "حضارة الحق" والتي يبلغ عددها 1500.000000 مسلم أن تسمح للعدو بالجرأة على بيضتها، فضلا عن أن تظل مكتوفة الأيدي أمام العدوان.
إن كنت ذا حق فخـذه بقـوة الحق يأخـذه الضعيـف فيزهق
لغـةُ السيوف تحل كـلَّ قضية فدع الكـلام لجاهـل يتشدق

التاريخ يعيد نفسه
أبو عبيد القرشي
قبل أكثر من سنة أعلن بوش الأبله الحرب الصليبية ..
نزل هذا الإعلان كالصاعقة على من اغتر بالغرب من بني جلدتنا. فإلى عهد قريب كان هؤلاء يتشدقون بألفاظ ظنوا سذاجة أن العدو صادق حين روجها في صفوفهم.. "حقوق الإنسان.. ديمقراطية.. ثقافة الحوار.." كلمات رنانة طنانة.. كلمات ابتدعها أبناء الحضارة الغربية لتطبيقها بين بعضهم البعض.. لا في إطار آخر.. خاصة إن كان في دائرة الإسلام.
حين سقط القناع وظهر الخداع.. خرجت ألفاظ أخرى للاستهلاك.. ألفاظ محلها الماضي السحيق.. "حرب صليبية.. رسول إرهابي.. تجفيف منابع الإسلام.. التكيف أو الاندثار.."، ألفاظ ظن السذج أن "عصر الأنوار" قد دفنها إلى الأبد.. فإذا بها تبعث من جديد.. بُعِثَت قولا.. وإلا فالعمل بمقتضاها لم يتوقف قط.. واستهداف الإسلام والمسلمين جاري منذ القدم.
كانت الصدمة مهولة.. كيف كان هؤلاء مخطئين في الغرب لهذه الدرجة.. كيف استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.. كيف استهزأوا بأهل القبلة ممن كان يحذر من حقيقة الغرب.. ألم ينعتوهم بالسذاجة والضحالة السياسية.. ألم يتهموهم بالسطحية والفكر المؤامراتي.. ألم يصفوا تحليلهم بفقه السجون.. فمن المحق اليوم ومن المخطئ؟
إن الحملات الصليبية لم تنقطع منذ مئات السنين كما قد يتبادر للأذهان، ولم تنطلق لتوها من جديد مع إعلان بوش الأبله كما قد يظن البعض. الحملة الجديدة استمرار للهجوم الأوروبي الشامل على أراضي المسلمين الذي يسمى زورا وبهتانا "الاستعمار"، وهو الاسم الذي استعمل بذكاء من طرف الغزاة الصليبيين لاستغفال المسلمين، متنصلين بذلك من أي شَبَه بالحملات الصليبية السيئة الذكر، ومبررين استخدام اسم "الاستعمار" بأن هجومهم استهدف شعوبا أخرى من غير المسلمين في إفريقيا وآسيا. مع العلم أن الحملات الصليبية الأولى كذلك استهدفت شعوبا أخرى نصرانية (البيزنطيين والأرمن ونصارى العرب) ووثنية، لكن هدفها الأساسي كان هو تدمير بلاد الإسلام.
لقد كان "الاستعمار" حملة صليبية شرسة قامت بها القوات الروسية والفرنسية والانجليزية والاسبانية والبرتغالية والايطالية والهولندية ضد بلاد المسلمين من كل حدب وصوب، لدرجة أنه لم ينج بلد إسلامي من الغزو إلا استثناءات قليلة. ولا أدل على صليبية "الاستعمار" من صراحة الجنرال غورو حين وصل إلى قبر صلاح الدين سنة 1918 - أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا - وقال قولته المشهورة: "ها نحن عدنا يا صلاح الدين. والآن انتهت الحرب الصليبية."
ولولا تخفيف الله على المسلمين بأن اشتعلت الحرب العالمية الأولى والثانية بين هذه القوى حول الغنائم، ثم استعار المقاومة في بعض الأقطار المسلمة، لكانت البلاد الإسلامية إلى اليوم ترزح تحت حكم الصليب بشكل مباشر.
لقد حققت الحملة الصليبية/الاستعمار أهدافها كاملة، فقد قضت على الرابط الذي يوحد بين المسلمين وهو رابط الخلافة الإسلامية، وشتتت البلدان المسلمة شر مذر، ونَحَّت الشريعة الإسلامية من ميادين الحياة، وساهمت في تنشئة أجيال جديدة لا علاقة لها بالقرآن رسما أو حكما..
بعد هذا كله حسب الأعداء أن أمر الإسلام انتهى وولى دون رجعة.. لكن هيهات.. فما أن مر بعض الوقت حتى سعى العلماء والمصلحون لإعادة الأمة إلى مسارها بصبر وتضحيات لا مثيل لها. ورغم الطغيان الذي اقترفه عملاء الصليب ضد هؤلاء الأخيار، إلا أن الله سبحانه وتعالى بارك في جهودهم، فعادت الروح إلى هذه الأمة، وأصبح الرجوع إلى الله سمة بارزة، وصار الاحتكام إلى الشريعة الغراء مطلبا شعبيا مجمعا عليه. وكان آخر الفصول المقلقة للصليبيين بروز حركات الجهاد، وهو الأمر الذي دل دون مواربة أن الأمة في طريقها لاستعادة عافيتها كاملة، وأن النظام الذي دأب الصليب على إقامته لقرون عديدة، مهدد بالسقوط كقصر من الورق في سنين معدودة..
هنا جاءت صرخة بوش الأبله: إنها الحرب الصليبية من جديد.. وأمريكا هذه المرة هي التي ستقوم بالدور المنوط بعد فشل المناورات الخداعية الأوروبية.. إنه تبادل للأدوار وانتقال للقيادة حدث مرارا وتكرارا في الحملات الصليبية الأخرى.. ولا جديد إطلاقا في الأمر.
والمذهل أن أحدنا لو أخذ كتابا موجزا وجامعا حول تاريخ الحملات الصليبية لما رأى فرقا في الجملة بين ما حصل في السابق وما يحصل اليوم. وما دامت الدراسات الاستراتيجية تتعلق أساسا بالعلاقة بين الزمان والمكان، فلا بأس أن يتطرق هذا المقال إلى ما حدث في الماضي ومقارنته بما يجري في الحاضر ثم استخلاص خطوط عريضة للعمل.
1 - مقارنة بين أسباب الحملات الصليبية في الماضي والحاضر
الأسباب الدينية
إذا كانت الذريعة لانطلاق الحملة الصليبية الأولى (1095 م) هي التشدد الذي مارسه الحكام السلاجقة على المسيحيين الزائرين لبيت المقدس، فإن السبب الحقيقي كان هو إحساس الكنيسة بخطورة الموقف نتيجة انتشار الثقافة الإسلامية بعد اتساع نطاق الفتوحات..
قد يقول قائل: أين نحن وأين الفتوحات اليوم!!! وما وجه التشابه بين الأمس واليوم؟
الحقيقة أن اليوم ورغم الضعف الشديد الذي يعانيه المسلمون على كافة الأصعدة، إلا أن عظم هذا الدين وقوة الحق التي يحملها تجعله يشع، مما يدفع بالملايين للإقبال عليه. إن الدين الإسلامي اليوم هو أسرع الأديان انتشارا في العالم بل وفي أمريكا نفسها ، إضافة إلى أن بلدانه الأصلية تعيش انفجارا سكانيا كبيرا وصحوة إسلامية معتبرة، مما جعل صناع القرار في دول الغرب والكيان الصهيوني يرون في هذا الأمر خطرا أكيدا. ونجد صدى هذه الهواجس في كتاب "موت الغرب" لبوكانان الذي استشرف سيادة الإسلام على العالم بحلـول 2050 استنـادا – فقط - على المعطيات الديموغرافية دون غيرها.
قد يعترض البعض على هذا الكلام بإبراز طبيعة الغرب غير المتدينة. لكن هذا الاعتراض يتهافت حين يتم الاطلاع على أحوال الغزاة الصليبيين في الحملات الأولى: ألم يكن رواد الحملة الصليبية الأولى من جحافل الرعاع وقطاع الطرق واللصوص، الذين ارتكبوا في سيرهم نحو المشرق كل الموبقات من سلب ونهب وقتل واعتداء على الأعراض، بل واغتصاب بعض الراهبات، إلى حد عرفت به هذه الحملة في التاريخ بحملة الرعاع؟ ألم تكن الحرب الصليبية الرابعة التي تمت الدعوة لها سنة 594 هـ/1199 م سوى أداة لأطماع سياسية للبابا وأطماع اقتصادية لإمارة البندقية؟ ألم تستهدف تلك الحملة إلا المسيحيين من هنغاريا والقسطنطينية لأسباب غير دينية في الأساس؟ هذه الأمثلة وغيرها تبين أن الحملات الصليبية كان يقوم بها في الغالب أناس غير متدينين وهو نفس الحال تماما اليوم.
بل إن سيطرة اليمين الديني على مقاليد الحكم في أمريكا تبين أن الحملة الصليبية الحالية مرشحة لكي تضاهي أكثر الحملات تطرفا. فبوش الأبله وضع محاربة الإسلام ومكافحة السُنَّة النبوية على سلم أولوياته، وجعل القضاء على الدعوة الإسلامية والعمل الخيري والتعليم الشرعي أسمى أمنياته، وهو بهذا يتفوق في السفاهة على سلفه الغابر، الذين لم يطمعوا أكثر من السيطرة على بيت المقدس وطرق التجارة المربحة.
الأسباب الاستراتيجية
لقد غيرت الفتوحات الإسلامية الأولى كل المعطيات الاستراتيجية للغرب، فقد فتح المسلمون الأراضي الممتدة بين شمال الهند إلى جنوب فرنسا، مما أقام طوقا خانقا على أوروبا المسيحية طيلة قرنين من الزمان. خلال هذه المدة جنحت فيها موازين القوى لصالح المسلمين بشكل غير مسبوق، خاصة وأنهم تمتعوا بتفوق اقتصادي هائل وازدهار كبير على المستوى الثقافي.
لكن بعد عام 750 م بدأت مظاهر الضعف والتفكك والانقسام السياسي تظهر جلية على الخلافة العباسية، فمالت كفة التوازن لصالح الأوروبيين الذين ظهرت قوتهم في البحر المتوسط وفي إسبانيا. حينها حقق الأوروبيون سلسلة من النجاحات والانتصارات البحرية في طليطلة وصقلية، بينما شن البيزنطيون عدة غارات ناجحة على شمال سوريا في أواخر القرن العاشر، وسيطروا على بعض المدن لفترة وجيزة.
يمكن القول إن الحملات الصليبية الأولى كانت تهدف إلى استرجاع مكاسب الماضي والانتقام من الفتوحات الإسلامية الكاسحة. لكننا اليوم نجد أن الدول "الإسلامية" كلها تعيش في تبعية مطلقة للغرب، فما السبب في إطلاق حملة صليبية أخرى؟
يظهر أن السبب هذه المرة هو الحفاظ على القوة وليس اكتسابها من الأول كما كان الأمر سابقا. ففي سنة 1980 أعلن الرئيس الأمريكي كارتر في رسالته السنوية إلى الكونغرس مجموعة من المبادئ التي ستمكن الولايات المتحدة من التحرك السريع في مواجهة الاتحاد السوفيتي. والأفكار التي طرحها كارتر، والتي كان لـبريجنسكي اليد الطولى في إعدادها، هي التي تمت تسميتها فيما بعد بـ "مبدأ كارتر". ركزت هذه الرسالة على مناطق الشرق الأوسط والخليج العربي وجنوب آسيا، ودعت لإعادة الهيبة والنفوذ الأمريكيين فيها بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان، والدفاع عن المصالح الأمريكية والرأسمالية في تلك البقعة من العالم، التي تعد من أكثر المناطق أهمية بالنسبة لسياسة الدول الكبرى بما تمثله من نفط ومال وموقع استراتيجي، ولا يمكن لمن يطمع في حكم العالم بتاتا الاستغناء عنها.
ويلخص مضيق هرمز الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج، ففي سنة 1980 كانت تمر عبر هذا المضيق ناقلة نفط واحدة كل ثماني دقائق. وكان مجموع ما تحمله الناقلات يقدر بـ 19 مليون برميل من النفط يوميا أي 40 % من تجارة النفط العالمية، ومنها 12 % من النفط الذي تستهلكه الولايات المتحدة الأمريكية. أما اليوم فقد تضاعفت هذه الأرقام، وتضاعفت معها أهمية المنطقة في نظر الساسة الأمريكيين.
وزاد الطين بلة فشل سياسة أمريكا في بناء احتياطات نفطية ضخمة. فقد أصبحت الاحتياطات الأمريكية التي تبلغ 22 مليار برميل لا تساوي إلا 2 % فقط من الاحتياطات العالمية المؤكدة، والأدهى أنها تتناقص باطراد رغم امتلاك أمريكا لأحدث الأساليب والمعدات التكنولوجية وتوفرها على أعلى القدرات الاستثمارية. وهذا كذلك عامل معتبر في تحرك أمريكا السريع للسيطرة على منابع النفط عوض أن تستمر في الاعتماد على الاحتياطات الذاتية.
إن الحملة الصليبية الحالية ما هي إلا امتداد لما كان يُعَدُّ للمنطقة منذ أواسط السبعينات. ويؤكد هذا الترابط أن بريجينسكي هو ذاته مُنَظِّر استيلاء أمريكا على آسيا الوسطى منذ بداية التسعينات، ونظرياته نالت اهتماما بالغا منذ أن برز الخطـر الاستراتيجي لمجاهدي القاعدة وإمارة طـالبان على التحالف الصليبي- الصهيوني، وزاد من رواج طرحه ما ادعاه بريجينسكي من أن وجود أمريكا في قلب اليابسة الأوراسية، على حدود الصين وروسيا وإيران، وعلى تُخُوم منطقة الخليج العربي، يمكنها من السيطرة على كل القوى المنافسة الحالية والمستقبلية. كما دعا أمريكا، التي استثمرت في حقول النفط والغاز لبحر قزوين وآسيا الوسطى حوالي 50 مليار دولار، أن تتخذ هذه الاستثمارات كمسمار جحا للاستيلاء على ما تختزنه تلك المنطقة من نفط يقـدر ب200 مليار برميل من النفط، وغاز طبيغي يبلغ حوالي 600 تريليوم متر مكعب.
وغزو العراق هو تكملة لهذه الخطة الشاملة للاستحواذ الكامل والشامل على الخيرات الإسلامية، والتي ينوي طاغوت العصر عن طريقها ضرب آمال الأمة في النهوض بالضربة القاضية. فالعراق هو ثاني أكبر بلد نفطي في العالم، وتبلغ احتياطاته المؤكدة 115 مليار برميل أي نحو 11 % من الاحتياطات العالمية. وللتذكير فقط فإن البنك الدولي كان يصنف العراق في السبعينيات ضمن الدول ذات الدخل الفردي المتوسط العلوي، مع إمكانية التحول للشريحة المرتفعة، مما كان يؤهل العراق في ذلك الوقت لدخول نادي الكبار، والخروج عما تسطره الدول الصليبية للمنطقة من ذل وتبعية، لولا اتباع قادته لسياسات خرقاء - بإيعاز من أعـداء الأمة – أكلت الأخضر واليابس. وبضرب العراق يتم إلغاء دوره نهائيا في الإزعاج (المتوقع) لمصالح أمريكا والكيان الصهيوني، ليتم إغلاق الجبهة الشرقية (النظرية) المقلقة للصهاينة بعد أن تم تكبيل الجبهة الغربية (الواقعية) في مصر بعملية كامب ديفيد، وبهذا يقفلون ما كان يسمى بـ(الصراع العربي الإسرائيلي).
لقد كانت التحركات العراقية هي ذاتها الذريعة التي اتخذتها أمريكا لتنسج نسيجا عنكبوتيا حول المنطقة. فقد تدرجت منذ الثمانينات بنيل "تسهيلات" عسكرية من دول المنطقة، ثم سرعت وتيرة وكثافة حضورها إثر حرب الخليج الثانية (1991) فحصلت على قواعد دائمة، لينتج عن هذا النسيج إقامة ما يزيد عن 63 موقعا عسكريا في 11 دولة "إسلامية" ( الخليج، دول "الطوق"، القرن الإفريقي، تسهيلات واسعة النطاق في شمال إفريقيا، حضور مكثف في وسط وجنوب آسيا حول وداخل أفغانستان)، وهو ما يعني أن مجال القيادة المركزية الأمريكية لما تسميه الشرق الأدنى يشمل 25 دولة تقع على المساحة الممتدة بين باكستان شرقا والمغرب غربا. وهذا التواجد الضخم يقصد منه إدخال المنطقة في مرحلة الخضوع الكامل للإرادة الأمريكية-الصهيونية، بعد كسر إرادة التحدي لدى الشعوب، وهو ما يعطي رسالة لشعوب المنطقة بأنها أصبحت تعيش عصر ما بعد الدكتاتورية وما بعد الديمقراطية.. عصر الحكومة العالمية الأمريكية الصهيونية
الأسباب السياسية
إذا كانت الحملات الصليبية الماضية قد جاءت لرد الاعتبار لسلطة الكنيسة، فإن الأسباب السياسية المعاصرة هي كذلك تصب في نفس المنحى، لكن ربما بفارق صغير هو أن التهديد ليس لسلطة الكنيسة (التي لم تعد تحكم بشكل مباشر)، وإنما لنظام أقامته الدول الغربية بمباركة الصليب، وهو النظام الذي يهدف للإبقاء على عالم إسلامي ذليل وتابع يشرف عليه كيان يهودي يكون بمثابة الخنجر في خاصرته.
كما أن أمريكا - والغرب عموما - تسعى منذ مدة لتغيير العالم من حيث اقتصاده وفكره وعلاقاته الاجتماعية، وفقا لمنظور الغرب وتجربته الخاصة، بشكل يصب في مصلحتها دون غيرها من الامم والشعوب. وقد أشكل على أمريكا أن المجتمعات الإسلامية لا تتعامل مع الإسلام كدين فقط، ولكن كوسيلة للتفكير وعلاقات تواصل وفلسفة حياة، ومن ثم تبين لأمريكا أنه يستحيل استيعاب المنطقة الإسلامية في دوامة العولمة دون القضاء على الإسلام نهائيا.
إن وضع الكيان الصهيوني اليوم وهو يواجه أسوأ أزمة يمر بها منذ إنشاءه سنة 1948، وتصاعد نجم الحركات الإسلامية في كل الأقطار وما يتبع ذلك من تعزيز للهوية، وانتشار روح الجهاد هي العوامل السياسية وراء إطلاق ناقوس الخطر والإعلان عن حملة صليبية أخرى.
وبما أن الوضع في الماضي لم يكن لصالح الصليب إلا في ظل أنظمة عربية وإسلامية هزيلة، فإن نفس الموقف هو السائد اليوم. ومقارنة سريعة تؤكد ذلك: فما الفرق بين أمير طرابلس وهو يتودد ويتوسل بين يدي رايموند الصليبي سنة 1099 م لعله يتركه يحكم مدينته، وبين ياسر عرفات وهو يقبل يدي مادلين ألبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية سنة 2000 لعلها تتركه يحكم مخفره.. ما الفرق بين تسليم افتخار الدولة بيت المقدس للصليبيين سنة 1099 م، وتسليم الملك حسين القدس للصهاينة سنة 1967.. ما الفرق بين أمير شيزر وأمير طرابلس وهما يعرضان ولاءهما وخدماتهما لأسيادهم الصليبيين سنة 1099 م، وبين أمراء الأردن والسعودية والكويت وقطر والبحرين الخ. وهم يسبحون برغبات الصليبيين الأمريكيين طيلة العقود الأخيرة.. ما الفرق بين الملك شاوار وهو يستنجد بالصليبيين لإنقاذ حكمه سنة 1164 م من المجاهد نور الدين زنكي، وبين حكام العرب وهم يستغيثون بالكفار ضد الشيخ أسامة.. لا فرق بتاتا.. إن هذه الملكيات والإمارات والسلطنات والجمهوريات العربية اليوم تُجَسِّد واقع ملوك الطوائف المر.. الواقع الذي أضر بالإسلام دوما ولم ينفعه، وشكل في الماضي كما في الحاضر عقبة كؤودا أمام كل محاولات تحرير الأرض والإنسان.
أما عن تسبب الحكم العسكري في أزمات الأمة فحدت ولا حرج، فبغداد عاصمة الخلافة الإسلامية إبان الحملة الصليبية الأولى كانت تعيش على إيقاع الانقلابات العسكرية المتتالية، إلى درجة أن 8 انقلابات حدثت فيها فقط خلال الـ3 سنوات التي سبقت سقوط بيت المقدس في يد الصليبيين سنة 1099 م، مما كان له بالغ الأثر على الاستقرار السياسي وأضعف قدرات الأمة.. حدث نفس الأمر طيلة نصف القرن الأخير، فقد توالت الانقلابات في جل الأقطار العربية مما أنهك طاقة الأمة بشكل صارخ. ومعلوم أن نصف الدول العربية ترزخ تحت وطأة حكم عسكري ظالم لا يعرف سوى القمع والتنكيل كأسلوب في الحكم ، مقابل الخنوع والاستكانة أمام العدو الخارجي. كما ان الملكيات ليست معفاة من التهمة، فهي كذلك تدخل تحت خانة الحكم العسكري ما دامت تحكم شعوبها أساسا بالحديد والنار.
وقد ترتب على هذا القمع الشامل نتيجة حتمية: بغض الشعوب للحكام. فالتحالف الصليبي- الصهيوني يدفع ملوك الطوائف المعاصرين إلى التضييق على الشعوب تحت حجج مختلفة، فتنتفض الشعوب كلما طفح الكيل، فتتدخل القوى الخارجية لصالح الأنظمة بعد ابتزازها ونيل أقصى التنازلات منها، لتستمر هذه الحلقة المفرغة إلى حين يستنفذ التحالف الصليبي-الصهيوني أغراضه كاملة.
وأمثلة الماضي تؤكد تشابها كاملا في استعمال هذا الأسلوب، فسقوط القدس في يد الصليبيين سنة 1099 م كان ضمنيا بسبب تمرد الأهالي ضد الحكم العسكري السلجوقي سنة 1076 م، فما كان من هذا الأخير إلا أن رد بقمع شديد تجاههم مما أدى إلى إفراغ مدينة القدس من الآلاف من سكانها، وتركها منذئذ كاللقمة السائغة بعدما لم يعد من يدافع عنها...
كذلك القمع العسكري المعاصر لأهالي العراق والشام ومصر وشمال إفريقيا – خزانات المقاومة الإسلامية عبر العصور - هو سبب أساسي في الهوان الحالي للشأن العربي، بعدما تعرت الأنظمة عن أدنى شرعية سياسية، دون حتى أن تنال رضا أمريكا التي تعتبر أن مهمتها انتهت الآن.
الأسباب الاقتصادية
فيما يخص الأسباب الاقتصادية نجد أن هناك اختلافا ملحوظا بين الأمس واليوم، فعند الحملة الصليبية الأولى كانت الدول الإسلامية منارات حضارية، وعلى سبيل المثال كانت بغداد - عاصمة الخلافة - تعد المدينة الأكثر تطورا في العالم، إذ كانت تزخر بالمستشفيات المجانية والحمامات العمومية وأنظمة البريد والصرف الصحي، بل وكانت تتوفر على أبناك ذات فروع في شتى البلدان ومنها الصين.. بينما كانت الدول الصليبية تعيش في بحر من الظلمات، ولذلك سعت إلى تغيير وضعها البئيس بتحويل طرق التجارة لصالحها بأي شكل من الأشكال، فكان أن حققت ذلك عن طريق الحملات الصليبية.
إنما اليوم نجد العكس.. فالدول الصليبية تعيش في رخاء لا مثيل له، في حين أن الدول "الإسلامية" تعيش حالا يرثى له، اللهم إلا في استثناءات قليلة تزداد قلة مع مرور السنين. فهل هناك أسباب اقتصادية للحملة الصليبية الحالية؟
إن الأمة الإسلامية تعيش وضعا استثنائيا لا مثيل له: فهي الأغنى والأفقر في ذات الوقت.. هي الأغنى بما أنعم الله عليها من ثروات.. والأفقر بسبب تبعية حكامها للتحالف الصليبي- الصهيوني، وتفريطهم في خيراتها بثمن بخس أحيانا، وبلا مقابل في أكثر الأحيان.
لقد استمر هذا الوضع المثالي للأعداء برهة من الزمان، لكن الصحوة الإسلامية الجارفة، واشتعال روح الجهاد باتت تهدد هاته المكتسبات. وبما أن الأنظمة الدمى باتت على كف عفريت، واحتمال سقوطها أضحى كبيرا للغاية، فإن الصليبين يخشون أن تسقط معها امتيازاتهم الضخمة فيرتفع ثمن النفط، فيتبع ذلك غلاء شديد للأسعار وأزمات اقتصادية، وهو ما لا يريدون أن يحدث (آثار حظر النفط بعد حرب أكتوبر 1973 لبثت أحقابا في الذاكرة الغربية)، مما يدفعهم للتحرك والسيطرة المباشرة على مناطق المسلمين.
ليس هذا وحسب، فإن الاقتصاد الأمريكي يواجه اليوم أعظم أزمة اقتصادية منذ أزمة 1929، ولا أدل على ذلك من انهيار البورصة الأمريكية طيلة سنة 2002، وما نتج عنه من فقدان أزيد من 5 تريليون دولار، إضافة إلى تسببه في أزمة عالقة للقطاع السكني قد يترتب عليها مثل تلك الخسائر الضخمة وزيادة. وهذا يعني أن الاقتصاد الأمريكي يكمن على حافة الهاوية إذا لم يتم تداركه بإجراءات إنعاش راديكالية، وزاد الطين بلة فشل الخطة الاقتصادية لإدارة بوش الأبله (إقالة وزير الخزينة الأمريكي خير دليل)، فكان أن ظهر الحل السحري بالسعي لاحتلال منابع النفط وإبرام صفقات ضخمة جديدة للسلاح وإعادة الإعمار.
2 - خطوط عريضة لصد العدوان الصليبي
عنصر المفاجأة
خلال الحملات الصليبية الأولى كان هجوم العدو مباغتا للمسلمين، الذين فوجئوا دوما بهجوم الغزاة وكذلك بعددهم وعتادهم، ولذلك كان العدو يستفيد من هذا العنصر أيما استفادة فيحرز المكاسب تلو المكاسب.
لكن الشأن مختلف اليوم، فجل المعلومات المتعلقة بالحملة الصليبية معروفة مسبقا، ولا مجال لعنصر المفاجأة إطلاقا. في المقابل نجد أن المجاهدين هم الذين يحتكرون عنصر المفاجأة، ويحددون توقيت ومكان العمليات، فأحرزوا بذلك سبقا لا يقدر بثمن.
كما أن الإعلان الوقح عن الحملة الصليبية والأهداف التي يتوخون من وراءها كذلك صب في مصلحة المجاهدين، وذلك لأن صناع الرأي الإسلامي على اختلاف مشاربهم باتوا مدركين لحقائق الأمور، ولم يعد هناك ما يصرف عن اتباع خطوات عملية للدفاع عن الأمة، عوض الدخول كما كان يأمل الأعداء في متاهات جانبية.
التعبئة العامة
إن تعبئة المسلمين عامة وفي كل الأقطار من أولى الأولويات لمواجهة الخطر الداهم، وهو الأمر الذي لا يجب أن يقتصر على المجاهدين وحدهم، وإنما ينبغي أن يتعداه لكافة القوى والفعاليات الاسلامية لأن مصير الأمة الإسلامية هو الذي يرجح في الكفة هذه المرة، وليس مجرد قضية ثانوية إذا اهتم بها البعض حصلت الكفاية.
ودور العلماء والدعاة المخلصين عظيم في هذا الشأن، ولعل التاريخ يثبت لنا هذه الأهمية: لقد جوبهت الحملات الصليبية الأولى بلا مبالاة مطلقة من طرف الحكام في صورة مطابقة لما يحدث اليوم، لكن أحد العلماء الربانيين وهو أبو الفضل بن الخشاب عالم مدينة حلب وقاضيها، كان له الفضل في بث روح الجهاد ضد الصليبيين، وتحريض المؤمنين على القتال في سبيل الله، وعدم ترك هذه الفريضة في يد الجيوش النظامية التي ابتعدت عن الطريق القويم، ولم يعد يهمها سوى مصالح قادتها المادية. لم يكن الأمر سهلا آنذاك فقد أخذ الفساد في النخب الحاكمة مأخذه، لدرجة أن حاكم حلب رضوان رضخ لأمر القائد الصليبي Tancred، وهَمَّ بإقامة صليب فوق مئذنة المسجد الجامع بحلب . فما كان من ابن الخشاب إلا أن قاد انتفاضة كسرت الصليب، بل وذهب أبعد من ذلك حين قرر زيارة بغداد سنة 1111 م ليحث القيادات هناك على الجهاد. وبعد أن حاول لقاء الخليفة دون جدوى، ذهب إلى أكبر مساجد بغداد ومنع الخطيب من الصعود لخطبة الجمعة وأخذ الكلمة مكانه، فحرض الحاضرين على الجهاد وذكرهم بواجبهم تجاه الأمة. لم يثمر هذا العمل سوى تطمينات رسمية لا تسمن ولا تغني من جوع، فأعاد ابن الخشاب الكَرَّةَ ثانية في الجمعة الموالية لكن في مسجد الخليفة هذه المرة، فنتج عن هذه الخطوة بداية تغيير في الخط السياسي السلبي الذي ساد الأوساط في بغداد خلال تلك الفترة.. لكن ذلك لم يكن كافيا نظرا للتعقيد الذي وصلت إليه الأمور.. مع ذلك لم يُقل ابن الخشاب ولم يستقل، بل سخر حياته في البحث عن سبل صد العدوان الصليبي، فكان يخرج مع سرايا المجاهدين ويشهد بعض انتصاراتهم، فما لبث أن اغتالته أيادي عملاء الصليبيين بعدما اشتد خطر مشروعه الجهادي.
ليست مثل هذه المواقف حكرا على الماضي، فذكرى الشيخ عبد الله عزام لا زالت قوية في الأذهان، كيف لا وهو الذي قام بمثل ما قام به ابن الخشاب وزيادة، وله الفضل بعد الله في إذكاء جذوة الجهاد في زماننا من جديد.
إنها النفسية التي ينبغي أن تسود علماء الإسلام ودعاته.. نفسية لا تعرف العجز والكسل ولا الذل والاستكانة.
قد تختلف الأوضاع اليوم بأنه لا خير في أي نظام قائم، ولا مجال أصلا للانكار على الحكام يوم الجمعة لأنهم باختصار لا يصلون. لكن تعبئة المسلمين وحثهم على الجهاد والنصرة بالغالي والنفيس، ودعم المجهود الحربي الجهادي بشكل سري ومنظم من المتطلبات العاجلة للمرحلة.. في انتظار أوقات أفضل على المستوى الرسمي.
إيجاد الخزانات الاستراتيجية
من بين أسباب اندحار المسلمين في الحملات الصليبية الأولى أن الجند كانوا حديثي عهد بإسلام. فقد كان السلاطين يجلبون المقاتلين من قبائل التركمان ليحدثوا نظاما عسكريا احترافيا حتى لا يكون للأهالي دور في الجيش أو رأي في شأن الملك. لكن مع مرور الوقت حدث عكس ما كان يصبوا إليه الحكام إذ انقلب هؤلاء الجند التركمان عليهم واستقلوا بالحكم لأنفسهم. فكان لهذا الأمر الوقع السيئ على قضايا الأمة لأن هؤلاء الحكام الجدد وجيوشهم لم يكونوا يحملون الهم الإسلامي قط، بل كان المال هو أكبر همهم.
لكن حصل تحول جذري حين فقد الملك نور الدين زنكي أجزاء من مملكته لصالح أخيه، ففقد معها جزءا كبيرا من جيشه. وبما أنه لم تكن له القدرة المالية الكافية لجلب الجنود التركمان، فقد استعان عوضا عنهم بعنصر آخر: الأكراد.
كان الأكراد - خلافا للتركمان - قد أسلموا قديما، فكانوا يشعرون بما تشعر به الأمة ويتألمون مما تتألم منه، إضافة إلى أنهم كانوا أولو قوة وبأس في القتال. فحصل بدخولهم الميدان انقلاب في الموازين القائمة، تَوَّجَهُ صلاح الدين الأيوبي (الكردي) باستعداة القدس من أيدي الصليبيين.
لعل العبرة التي يمكن استنباطها من هذا التحول التاريخي هو ضرورة اهتمام الحركات المجاهدة بإيجاد وتهييء مثل هذه الخزانات الاستراتيجية، التي يكون أصحابها من أقوام ذوي إيمان أصيل وتاريخ عتيد في القتال وفنونه. فإن في ذلك سببا عظيما في استمرار الجهاد والنكاية في العدو.
مواجهة الحرب بالوكالة
إن الصليبيين توصلوا إلى أعلى درجات التمكن والسيطرة خلال الحملات الصليبية الأولى والثانية والثالثة، وتمكنوا من نسج تحالفات مع حكام المنطقة، وتفعيل الخلافات البينية للمسلمين لصالحهم، لدرجة لم يكن معها من الممكن المقاومة بفعالية. لكن هذه المناورات سقطت حين انتشرت الدعوة الإسلامية في صفوف الأمة وتم بناء عناصر القوة، فتمكن المسلمون من دحر الغزاة.
واليوم يمكن القول إن درجات الوعي الشرعي والسياسي بلغت حدا مقبولا، عرفت إثره الشعوب حقيقة الموقف الحالي، كما أن المجاهدين عرفوا كيف يستديرون على الأنظمة الخائنة ويؤججون الجهاد مباشرة على التحالف الصليبي الصهيوني. فالأمة لم تقعد مسلوبة الإرادة لتنتظر أحد هؤلاء الحكام الملاعين ليعلن الجهاد (وهو ما لن يحدث أبدا)، بل قامت طلائعها المجاهدة بالواجب منذ أكثر من عقدين وإلى حدود الساعة بكفاءة عالية.
ومع ذلك فإن التصدي للتحالف الصليبي الصهيوني يتطلب على المدى المتوسط والبعيد تسخير كل قدرات الأمة - التي ارتهنها الحكام لصالح نزواتهم ولمصلحة الأعداء - مما يعني ضرورة السعي لتغيير بعض هذه الأنظمة، التي تتوفر على مقومات استراتيجية تحسن - إذا ما حصل عليها المجاهدون - الوضع
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى