مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* سقوط 30 دولة اسلامية -العباسيين -المماليك -الاغالبة -الخوارج في الجزائر -الادارسة - صقلية

اذهب الى الأسفل

* سقوط 30 دولة اسلامية -العباسيين -المماليك -الاغالبة -الخوارج في الجزائر -الادارسة - صقلية Empty * سقوط 30 دولة اسلامية -العباسيين -المماليك -الاغالبة -الخوارج في الجزائر -الادارسة - صقلية

مُساهمة  طارق فتحي الجمعة يناير 07, 2011 6:17 pm

سقوط 30 دولة اسلامية
مُساهمة  طارق فتحي في الجمعة 7 يناير 2011 - 7:23
اعداد : طارق فتحي
من عوامل سقوط العباسيين
من أعرق الصفحات التي قدمناها للحضارة الإنسانية ، وللتاريخ البشري صفحة الدولة العباسية ‏.‏
خمسة قرون وأكثر ‏(‏ 132 هـ ـ 656 هـ ‏)‏ مرت على التاريخ البشري ، وهو يحني جبهته لهذه الدولة ‏.‏
وبالطبع ‏.‏‏.‏ فليس من خصائص المسيرة البشرية أن تظل على وتيرة واحدة ، وهكذا كان شأن الدولة العباسية في مسيرتها ، يتعاورها المد والجزر ، واختلف عليها الحماة بين أتراك وبويهيين وأتراك سلاجقة ، لكنها بقيت مع ذلك رمز الهيبة التاريخية التي تفرض نفسها على كل القوى ، مستمدة هذه الهيبة من رصيد الخلافة الإسلامية التي مثلت وحدة الوجود الإسلامي إلى فترة قريبة من عمر التاريخ ‏.‏
كان قيام هذه الدولة حركة سياسية قامت على تخطيط ، لعله لم يتوفر للمسلمين في كل تاريخهم ‏.‏‏.‏ دقة وعمقا ‏.‏‏.‏ وصبرا على النتائج ، واستغلالا لكل القوى وسرية ، وتوافر لكل مقومات النجاح ‏.‏
ثم كان السير التاريخي لهذه الدولة معجزة عجيبة ، فوسط بحار متلاطمة الأمواج، وعالم إسلامي فسيح لا يمكن ، بل يتعذر استمرار تماسكه ‏.‏‏.‏ وأعداء خارجيين من عناصر متباينة المذاهب والجنس والميول ‏.‏
وسط هذا كله شقت الدولة طريقها ‏.‏‏.‏ ولا شك في أنها كانت بين الحين والحين تتعرض لحركة تفكك من هنا، وحركة تمرد من هناك ، وبروز لحركة خروج في ناحية ثالثة ‏.‏‏.‏ وغلبة عنصر من العناصر في مكان رابع ‏.‏
ولكن مهما يكن ‏.‏‏.‏ فهذه هي طبيعة المسيرة البشرية ، ولم يقدم لنا التاريخ على كثرة ما قدم مدينة فاضلة خلت من كل النوازع البشرية وخلت من الصراع ‏.‏‏.‏ والمد والجزر ‏!‏‏!‏
وعبر القرون الخمسة تقلب في الحكم عشرات من الحكام ‏.‏‏.‏ بلغوا سبعة وثلاثين خليفة، أولهم أبو العباس السفاح ثم أبو جعفر المنصور ‏.‏‏.‏ وقد برز منهم كثيرون كالمأمون والرشيد والمعتصم والواثق والمتوكل والمهدي ‏.‏
وكان آخرهم ـ ومن أشأمهم ـ أبو أحمد المستعصم الذي استسلم للتتار ‏.‏
وظهرت أسر قوية وعناصر كبيرة سيطرت على الدولة أحيانا كالبرامكة وبني بويه والسلاجقة ‏.‏
وتمتعت دول كثيرة بالاستقلال الفعلي عن الدولة كالطولونيين والإخشيديين في مصر ، وبني طاهر في خراسان ، وبني سامان في فارس وما وراء النهر ، والغزنويين في أفغانستان والبنجاب والهند ، وبني بويه ـ الذين لم يستقلوا وحسب ـ بل تحكموا في الخلفاء أنفسهم في شيراز في فارس ‏.‏‏.‏ ثم السلاجقة ‏.‏
وهكذا ـ كما ذكرنا ـ تعاورت كل ظروف المسيرة التاريخية هذه الدولة ذات القرون الخمسة ‏!‏‏.‏
وخلال رحلة الدولة العباسية الطويلة في التاريخ ، لم يجد المؤرخون بدا من تقسيم هذه الدولة إلى عصور ثلاثة ‏:‏ العصر الأول ‏(‏ 132هـ ـ 232 هـ ‏)‏ وفيه كانت السلطة للخلفاء ما عدا المغرب والأندلس ‏.‏ والعصر الثاني ‏(‏ 232 ـ 590 هـ ‏)‏ وفيه ضاعت السلطة من الخلفاء لتكون في يد الأتراك والبويهيين والعصر الثالث ‏(‏ 590 ـ 656 هـ ‏)‏ وفيه عادت السلطة إلى أيدي الخلفاء في حدود بغداد وما حولها، دون بقية أملاك الخلافة التي سطا عليها الطامعون ‏.‏
وفي مثل دولة جامعة كبيرة ذات حياة حافلة كالدولة العباسية يصعب الوصول إلى رأي أخير في أسباب انحلالها ‏.‏‏.‏‏.‏
ـ أكانت حركات الانشقاق عن الدولة سبب هذا الانحلال ‏؟‏
لا ‏:‏ إن حركات الانشقاق هذه ظاهرة أو نتيجة من نتائج بروز عوامل الانحلال ‏.‏
أكان ظهور أو تحكم عناصر غير عربية في الحكم من أسباب هذا الانحلال ـ لا ، فهذه العناصر قد وجدت في حضارات كثيرة وأين هي الدولة التي تخلو من خدمات عناصر ليست منها ‏؟‏ ‏.‏‏.‏ ثم إن هؤلاء لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا في ظل مظاهر الانحلال الحقيقية ، وأدى معظمهم خدمات للدولة كانت سببا من أسباب بقائها وصمودها ‏.‏
أكان ظهور حركات التمرد الديني كالقرامطة والحشاشين وغيرهم هو السبب الأقوى في تحلل الدولة ‏؟‏
ومما لا شك فيه أن لهذه الحركات أثرها الكبير في ضياع ‏"‏ الوحدة العقائدية ‏"‏ وفي ضياع كثير من مثل الإسلام الصافية خلال هذه العصور ‏.‏‏.‏ وفي خلق جو من الفوضى الفكرية والاجتماعية والاقتصادية ، لكن مع ذلك ، وإن كان هذا سبب قويا ، فليس هو السبب الأقوى في سقوط الدولة العباسية ‏.‏ فما هي إذن ـ عوامل تحلل الدولة العباسية ودخولها في طور الاضمحلال ‏؟‏
لا شك في أن العوامل السابقة وغيرها ، كان لها تأثيرها الكبير في اضمحلال الدولة العباسية وفي دخولها مرحلة الأفول ‏.‏
بيد أن أخطر العوامل التي أسقطت خلافة العباسيين ، إهمالهم لركن هام من أركان الإسلام ‏.‏‏.‏ وهو ‏(‏ الجهاد ‏)‏ ، فبعد المعتصم المتولي أمور الدولة سنة ‏(‏ 833م ‏)‏ لم نسمع عن معارك ذات شأن قامت بها الدولة ، ولم يكن مبدأ ‏"‏ الجهاد الدائم ‏"‏ حماية لهذه الدولة المترامية الأطراف أحد أركان السياسة العباسية ‏.‏
لقد تقوقعوا في مشاكل الدولة الداخلية ‏.‏‏.‏ فحصرتهم مشاكلها ‏.‏‏.‏ وماتوا ببطء ، ولو أنهم وجهوا طاقة الأمة نحو ‏"‏ الجهاد ‏"‏ ضد الصليبيين ، لتغير أمر الحركات الهدامة التي قدر لها أن تظهر وتنتشر ، وذلك أن هذه الحركات لا تنتشر إلا في جو مليء بالركود والفساد ، والمناخ الوحيد الصالح للقضاء عليها هو المناخ القتالي الذي يكشف المعادن النقية ويذيب المعدن الرخيص ‏.‏
لقد كانت الحاجة الإسلامية ملحة في ضرورة رفع راية الجهاد ، وكانت الدولة الإسلامية التي تعرضت للانشقاق والتمزق تحتاج إلى هذا الصمام ليحميها من جو السكون والاستسلام ‏.‏
لكن العباسيين غزوا في عقر دارهم ‏.‏‏.‏ فذلوا ، ولم يرفعوا راية الجهاد ضد العدو الخارجي ‏.‏‏.‏ فارتفعت رايات العصيان الداخلي ‏.‏
وكان بإمكانهم أن يشغلوا الأجناس المختلفة التي ضمتها الدولة في هذه الحروب الجهادية المستمرة ضد الغزاة والوثنيات المختلفة ‏.‏‏.‏ لكنهم لم يفعلوا ، فتحركت النعرات القومية الجاهلية لتفتت الدولة، وتقسم جسمها تحت رايات مختلفة ليست لها بالإسلام أو الجهاد صلة ‏.‏
وفي سنة 656هـ ‏(‏ 1258م ‏)‏ كان هولاكو ـ حفيد جنكيز خان ـ يؤدب الذين اتجهوا إلى كل الطرق إلا طريق الجهاد ‏.‏‏.‏ وحاولوا العلاج بكل الوسائل إلا الوسيلة الإسلامية القوية الخالدة ‏.‏
وقد هاجم هولاكو بغداد وهدم أسوارها ، وأعمل المنجنيق فيها ، وحصد بغداد ، حتى لم يعد ممكنا الإقامة فيها لشدة روائحها المنفرة ، وعندما خرج الخليفة المستعصم إليه مستسلما بصحبة ثلاثمائة من أصحابه وقضاته دون شرط ، أمر هولاكو بقتلهم جميعا ، وطويت صفحة الخلافة العباسية ‏.‏
ذلك أن أسلوب الأحلام الرومانتيكية الساذجة ليس وسيلة البقاء أو تشييد الحضارات ‏.‏‏.‏ فالذين لا يملكون إرادة الهجوم ‏.‏‏.‏ يفقدون القدرة على الدفاع ‏!‏‏!‏

المماليك أبطال عين جالوت يسقطون
كانوا دائما أهل طعان ونزال ‏.‏‏.‏ كانوا أشقاء للسيف والرمح ، هو هويتهم وهو مؤهلهم للحياة والبقاء ‏.‏‏.‏ وعلى امتداد تاريخهم كان السيف مقرونا بهم ‏.‏ وكانوا عضد الدولة الإسلامية في كثير من المواقف ، وكانوا حماتها من أعدائها ‏.‏
وفي مقابل ذلك عاشوا ‏.‏‏.‏ وتحملتهم شعوب مصر والشام ، وسمحت لهم بالسيطرة عليها ‏.‏‏.‏ وهم بدورهم كانوا جيشها وأسطولها وحماتها أمام كل غزو خارجي ، وكانوا يخضعون لتقاليد البلاد ولا يعرفون لهم ولاء إلا للدين الذي عاشوا به وربوا على تعاليمه ، وإلا للسلطان الذي يحكم ‏.‏‏.‏‏.‏
ثم مع تطورهم الداخلي أصبح ولاؤهم للسلطان الذي يحكمهم منهم ‏.‏‏.‏
ولقد شكلوا مجتمعا ذا هوية خاصة ، له أسلوبه الخاص في الحياة ، وله تربيته الخاصة وله فكره الخاص ‏.‏‏.‏ لقد كان مجتمعهم أشبه ما يكون بالمجتمع العسكري أو المجتمع البحري الذي يعيش للبحر أو الجندية ، فالجندية عقله وهي عاطفته ‏.‏‏.‏ ولا ولاء عنده لسواها ‏.‏
وعندما مات فجأة آخر سلاطين الأيوبيين الملك الصالح أيوب ‏.‏‏.‏ تكتمت زوجه شجرة الدر الخبر لأن بلاد مصر كانت في حرب مع لويس التاسع الذي هزم وأبيد جيشه في دمياط والمنصورة ، ثم استدعت الزوجة الملكة ابن زوجها ‏"‏ توران شاه ‏"‏ لينقذ البلاد ، فلما جاء توران وأنقذ البلاد من الصليبيين ، وحاول أن يستأثر بالسلطة دبرت المرأة قتله ‏.‏‏.‏ ثم أقامت نفسها بمساعدة المماليك ملكة على مصر ، وقد اختار المماليك كبيرهم عز الدين أيبك ليقوم بمساعدة ‏"‏ المملوكة ‏"‏ التي صارت ‏"‏ ملكة ‏"‏ ‏(‏ شجرة الدر ‏)‏ في إدارة شؤون مصر ، وتطور الأمر فتزوجت شجرة الدر من مساعدها عز الدين ، وتنازلت له عن السلطة ‏.‏
وهكذا تم تنازل آخر من ينتسبون إلى دولة الأيوبيين بنسب إلى كبير المماليك ، ومع أن شجرة الدر تعتبر البداية التاريخية لدولة المماليك ، لكن البداية الأكثر عمقا وأحقية هي التي مثلها هذا التنازل ، ثم استأثر عز الدين أيبك بالسلطة سبع سنوات أحست فيها المملوكة القاتلة بأنها سلبت كل سلطة ، فقامت بقتل زوجها الجديد مثلما قتل من قبل ابن زوجها القديم ‏.‏
لكن المماليك سرعان ما قتلوها ثأرا وانتقاما ‏.‏‏.‏ واستقر الأمر لدولة المماليك في مصر والشام ‏.‏
والمماليك قسمان ‏:‏ برجية نسبة إلى أبراج القلعة التي كانوا يسكنون فيها بالقاهرة ‏.‏‏.‏ وبحرية نسبة إلى جزيرة الروضة المطلة على النيل التي كانوا يسكنون فيها كذلك ، ومن أشهر المماليك الأول برقوق ‏.‏‏.‏ وآخرهم قانصوه الغوري الذي سقط تحت سنابك خيل السلطان سليم سنة 1527م ‏.‏‏.‏
ومن أشهر المماليك البحرية عز الدين أيبك وبيبرس والمنصور قلاوون ‏.‏‏.‏ وقد انتهى هؤلاء من قبل المماليك البرجية بحوالي قرنين وكان المماليك البرجية ـ أبطال عين جالوت ـ يمثلون امتدادهم التاريخي ‏.‏
لقد لعب المماليك البرجية بخاصة في تاريخنا دورا لم تقم به إلا دول قليلة في التاريخ ‏.‏‏.‏ لقد صدوا غارتين حضارتين من أكبر وأشهر الغارات التي عرفها تاريخنا وتاريخ الإنسانية ‏.‏
كانت الأولى يمثلها زحف هولاكو الذي ينتمون إليه جنسيا ، لقد صدوه بعقيدتهم الإسلامية التي لم يعد لهم ولاء إلا لها ‏(‏ الحمد لله أن نظرية القومية العنصرية لم تكن ظهرت بعد ‏)‏ وقد وقفوا أروع وقفاتهم في صده في عين جالوت الشهيرة رافعين راية واإسلاماه ‏!‏‏!‏
ثم كانت الثانية في معاركهم الدائمة ضد الصليبيين الذين كانت لهم بقايا بعد صلاح الدين ، فعلى يد السلطانين المنصور قلاوون الذين تسلم الحكم سنة 678 هـ والسلطان الأشرف خليل ـ الذي تولى الحكم سنة 689 هـ ‏.‏‏.‏ على يد هذين السلطانين ـ فضلا عن جهود بيبرس ـ تهاوت قلاع الصليبيين الباقية والتي كانوا قد تقدموا في بعضها بعد صلاح الدين كحصن المرقب وعكا وغيرهما ، وطويت على يد المماليك آخر صفحات الغزو الصليبي الذي استمر قرنين من الزمان وكان ذلك سنة 960 هـ ‏.‏
وقد تضافرت ظروف عالمية ، كاكتشاف رأس الرجاء الصالح ـ وظروف إسلامية كبروز الأتراك ـ ثم محمد علي ، وظروف داخلية كانقسام الأتراك على أنفسهم ‏.‏
تضافرت كل هذه الظروف على إنهاء الدور الذي قام به المماليك ، لكن كان أكبر سبب هوى بالمماليك وزحزحهم من مكانهم في التاريخ ، هو أنهم نسوا الرسالة التي عاشوا من أجلها وتعاقدوا مع الشعوب التي حكموها بشأنها ‏.‏
نسو رسالتهم في الدفاع الخارجي ‏.‏‏.‏ نسوا السيف ، وتبلدوا عند أسلوب معين ، ولم يطوروا أنفسهم ، ثم تطوروا فانقلبوا من حماية خارجية للأمة إلى متسلطين داخليين عليها يمنعون حركتها وتطورها ‏.‏
وبذا فقدوا دورهم في التاريخ ‏.‏‏.‏ وسقطوا بعد أن أدوا للحضارة الإسلامية الكثير ‏.‏‏.‏ وأنقذوها من أكبر خطرين عالميين وهما التتار والصليبيون ‏.‏‏.‏

سقوط الأغالبة في تونس
الحركات الانفصالية في العالم الإسلامي ارتكزت على عديد من الأسس المتباينة ، وجنحت كل منها إلى حجة تعطيها مشروعية الوجود والبقاء ، فبعضها قد التمس السبب في الانفصال من نزعة سياسية ، وبعضها قد التمسه من نزعة مذهبية ، وبعضها قد التمسه من نزعة قومية ، وبعضها قد التمسه من ‏(‏ ضعف الخلافة ‏)‏ ‏.‏
ولم نجد في تاريخ هذه الحركات ذلك الشجاع الصريح الذي يعلن أن رغبته في الانفصال ترجع إلى سبب حقيقي واحد هو الرغبة في الوصول إلى السلطة ‏.‏‏.‏ وتملك الحكم ‏.‏‏.‏ والمجد الأدبي والمالي ‏.‏
وفي فترة متقاربة بدأت الحركات الانفصالية تظهر في العالم الإسلامي ، وكأنها خصيصة جديدة من خصائص التطور التاريخي لهذه الفترة ، فالأندلس انقسمت عن الخلافة العباسية بقيادة عبد الرحمن الداخل ‏(‏ صقر قريش ‏)‏ ومثلت بوجودها آخر ومضة من ومضات وجود بني أمية ، وظلت باقية ثلاثة قرون تمثل هذه الومضة ، وانقسم بنو طاهر في خراسان انقساما تبعوا فيه دولة الخلافة العباسية عكس بني أمية في الأندلس ، وانقسم في مصر ابن طولون في تاريخ قريب من هذا ‏.‏
وكان لا بد للمغرب العربي ، وهو الأرض الواقعة كجسر تاريخي بين الامتداد العقائدي الذي وصل إلى مشارف باريس وبدأ ينحسر بعد موقعة بلاط الشهداء و استشهاد عبد الرحمن الغافقي ‏.‏‏.‏ بينه وبين مركز الإسلام الأصيل ومهبط الوحي وأرض العرب أن تظهر فيه هذه الظاهرة ‏.‏  
والحق أن الحركات الانفصالية في المغرب العربي كانت تملك المبرر في الانفصال ، فإن عمال بني أمية كانوا قد أساءوا السيرة فيهم وعاملوهم ‏"‏ كبربر ‏"‏ أي كمواطنين من الدرجة الثانية ، كما أن أهل العراق بكل ما أثير بينهم من جدل كلامي وفتن عقائدية ‏.‏‏.‏ قد حملوا هذا الجدل وهذه الفتنة إليهم وحرضوهم على خلفاء بني أمية ، وولدوا فيهم الرغبة في الانفصال ‏.‏ وعلى مشارف القرن الثالث الهجري كانت هناك دول ثلاث منفصلة تحكم المغرب العربي ولا تخضع للخلافة العباسية إلا اسما ‏.‏‏.‏ وهي ‏:‏ الأدارسة والأغالبة والرستميون ‏.‏‏.‏ وكانت هذه الدول بوضعها ذاك تمثل الأرض القابلة لأي امتداد طموحي ‏.‏‏.‏ ووجد فيها الفاطميون فيما بعد الأرض الصالحة لغرس بذورهم ‏.‏
وكانت دولة الأغالبة التي قامت في تونس سنة 184 هـ أبرز الدول الانفصالية في المغرب العربي ‏.‏
وكان مؤسسها إبراهيم بن الأغلب الذي أرسله الخليفة العباسي هارون الرشيد لخلق الاستقرار في المغرب العربي في ظل حماية العباسيين ، يتمتع بقدر كبير من الشجاعة والذكاء ، وقد اتخذ إبراهيم مدينة القيروان عاصمة له ، وبعد وفاته سار بنو الأغلب على منواله في توطيد أمن المغرب وتقوية أسطوله وجيشه وتنمية موارده ‏.‏
وكان أبرز ما قدمه الأغالبة للإسلام هو فتحهم لصقلية وضمها إلى أرض الإسلام ، بقيادة قائدهم أسد بن الفرات في عهد أميرهم زيادة الله بن إبراهيم الأغلب ، الذي تولى الحكم سنة 201 هـ ، كما أنهم تقدموا فاستولوا على جنوب إيطاليا ، ويقال ‏:‏ إنهم واصلوا زحفهم حتى دقوا أبواب روما ‏.‏
وقد ازدهرت الحركة الاقتصادية والعمرانية في أفريقيا التونسية على عهدهم ، كما أن الأمن قد ساد البلاد وأصبحت تونس ـ على الجملة ـ عامرة مزدهرة ازدهارا عظيما ‏.‏‏.‏ وقد أسسوا بالقيروان عدة مساجد لعبت دورا كبيرا في تدعيم الحضارة الإسلامية ، ومن أبرزها جامع الزيتونة الذي أصبح في المغرب كالأزهر في الشرق ولعب دورا مهما في الحياة العلمية الإسلامية ‏.‏
وقد اشتهر بعض ملوك الأغالبة بالقسوة الشديدة ، وكان سفك الدماء عندهم أسهل من شرب الماء ، ولعل هذا من أبرز ما أخذ عليهم ، وقد مد من عمرهم في المغرب انصراف الخلافة العباسية إلى مشكلاتها المشرقية ‏.‏‏.‏ وعدم قطعهم لكل أواصر المودة مع الخلافة العباسية ، وبالتالي رضيت الخلافة في ظل ظروفها بالقدر الذي يدينون به بالطاعة لها ‏.‏ كما أسكتها انتصارات الأغالبة في معارك الجهاد ضد الصليبيين في أوروبا والساحل الجنوبي الأوروبي وجزر البحر الأبيض المتوسط ‏.‏
هذا كله قد غفر لهم بعض أخطائهم وجعلهم يعيشون أكثر من قرن من الزمان يحكمون تونس وملحقاتها ، ويحكمون صقلية ويفرضون هيبتهم على الدول الأوروبية ‏.‏
لكن الدول الانفصالية لا يمكن أن تقف أمام الحضارات الجامعة التي تمثل كيانا وجوديا له أبعاده الحضارية المتكاملة ‏.‏
ومن هنا فلم يستطع الأغالبة الصمود أمام الفاطميين الذين برزوا في المغرب بقيادة داعيتهم أبي عبيد الله المهدي ‏.‏‏.‏ فسقطوا على يد الفاطميين هؤلاء سنة 296 هـ ‏.‏
لقد سقطوا ـ أولا وقبل كل شيء ـ باعتبارهم حركة انفصالية لا تستطيع أن تصمد أمام كيان حضاري زاحف له راية الأيديلوجية يقف تحتها ، مهما اختلفنا في أبعاد هذه الراية ‏.‏‏.‏ أو هذه الأيديلوجية ‏.‏

سقوط دولة الخوارج في الجزائر
منذ خرج ‏"‏ الخوارج ‏"‏ عن طوع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وتسببوا في قتله على يد عبد الرحمن بن ملجم ، وهم يشكلون على امتداد التاريخ الإسلامي المادة الخام لكثير من الحركات الثورية ‏.‏ لقد انتشر الخوارج على امتداد الأرض الإسلامية ولقد دخلوا في عديد من المعارك واجهوا في بعضها تصفية جسدية هائلة ‏.‏‏.‏ لكنهم مع كل ذلك ـ ظلوا شعلة ثورة في الأرض الإسلامية ، وشعارهم قول أحد روادهم ‏"‏ قطري بن الفجاءة ‏"‏ ‏:‏
فصبرا في مجال الموت صبرا ** فما نيل الخلود بمستطاع
سبيل الموت غاية كـل حـي ** فداعيه لأهل الأرض داع
وبالطبع لم يكن المغرب الإسلامي ، وهو تلك الأرض الإسلامية العذارء ليفلت من أيدي الخوارج ‏.‏
لقد حاولوا بكل الطرق أن يشكلوا على أرضه قوة إسلامية خارجية ينشرون من خلالها مبادئهم الخارجية ‏.‏
وقد كان أهم بروز لهم سنة 122 هـ في طنج برئاسة ‏"‏ ميسرة المطغري ‏"‏ ، وقد عرف المغرب من مذاهب الخوارج ‏:‏ الصفرية والإباضية ، وقد انتشرت الصفرية في الجهات الغربية ، بينما انتشرت الثانية في النواحي الشرقية ، وكانت أكثر القبائل البربرية ‏(‏ المغربية ‏)‏ الموالية للخوارج زناتة وهوارة ‏.‏
بيد أن حركاتهم ظلت حركات ثورية فوضوية ، لم يقدر لها إلى منتصف القرن الثاني الهجري أن تنتظم في دولة ‏.‏‏.‏ ولذا فمعظم حركاتهم ماتت وكانت تذوب في بوتقة المجتمعات المنظمة ، لا سيما وقد أصيبت كثير من حركاتهم بما أصيبت به الحركات التي تقف على الطرف الآخر منهم ‏.‏‏.‏ أي أنهم أصيبوا بكثير من المغالاة والتطرف ، والميل إلى نزعة التكفير وإراقة الدماء والقتل لأوهى الأسباب ‏.‏
لكن مع بروز سنة 144 هجرية بدا وكأن الخوارج يستمتعون بإقامة دولة مستقرة لهم بالمغرب ‏.‏
وقد نجح عبد الرحمن بن رستم الإباضي عبر سلسلة من المغامرات والتعرض للموت غير مرة ، والتحايل على جذب القبائل البربرية ‏.‏ نجح في إقامة دولة خارجية تعتمد على البربر وعلى العرب والعجم وتتمركز في مدينة جزائرية يفصلها عن الصحراء الجزائرية أكثر من مائتي كيلو متر ، وتقع في منطقة النجود ، وتتبوأ مكانا جيدا يحميها من الإغارات ، ويحميها كذلك من الشمس التي لا تكاد تظهر في سمائها ‏(‏ ‏!‏‏!‏‏)‏ وهي مدينة ‏"‏ تاهرت ‏"‏ ‏.‏
وقد نجح عبد الرحمن بن رستم هذا في توطيد دعائم دولته خلال الفترة التي قدر له أن يحكمها ‏(‏ 144 ـ 168 هـ ‏)‏ وقد خلفه من بعده ابنه عبد الوهاب الذي بقي في حكم الدولة التي تنسب إلى أبيه ‏"‏ الدولة الرستمية ‏"‏ عشرين سنة ‏.‏‏.‏ ثم ‏"‏ أفلح ابن عبد الوهاب ‏"‏ الذي عمر أطول مدة عمرها حاكم رستمي ، فقد بقي في الحكم أكثر من خمسين سنة ‏(‏ 188 ـ 238 هـ ‏)‏ ، ثم تتابع في حكم الدولة الرستمية خمسة من الأمراء ‏(‏ أبو بكر بن أفلح ‏.‏‏.‏ فأبو اليقظان ، فأبو حاتم ، فيعقوب بن أفلح ، فاليقظان ابن أبي اليقظان آخر أمرائهم ‏)‏ والذي لم يتمتع بالحكم أكثر من عامين عاشهما في اضطراب ، ثم غلبه على أمره الشيعة الروافض وقتلوه في شوال سنة 296 للهجرة ، وانتهت به الدولة الرستمية التي حكمت جزءا كبيرا من أرض الجزائر ‏"‏ تيهارت وما حولها ‏"‏ قرنا ونصف قرن من الزمان ‏(‏ 144 ـ 296 هـ ‏)‏ ‏(‏ وكان ظهورها الذي دعمه الرخاء الاقتصادي والاجتماعي أبرز مثل لبروز دولة خارجية ‏)‏ ‏.‏
إن الخوارج الذين اشتهروا بالحمية والتفاني في سبيل المبدأ ، قد تحولوا في ظل دولتهم الرستمية إلى رجال حكم ودولة أكثر منهم رجال عقيدة ودعوة ‏.‏
وقد عاشت طوائف كثيرة مختلفة النزعة في ظل دولتهم الرستمية حياة رغدة طيبة سهلة ‏.‏‏.‏ وبعد أن كان الخوارج أرباب سيف سقط السيف من يدهم منذ أبو بكر بن أفلح ، وقد رضوا بسلم يمكن لهم البقاء في حدود ما حول تاهرت ، عقدوه مع جيرانهم الأغالبة والأدارسة ‏.‏
وجلي أن الذي لا يتقدم يكون عرضة للتأخر ‏.‏‏.‏ وهكذا تأخر الرستميون بعد أن فقدوا روحهم النضالية ‏.‏‏.‏ ودعنا من انحرافات كثيرة منهم لدرجة المغالاة والتطرف ‏.‏‏.‏ ودعنا كذلك من سذاجة آخر ملوكهم ‏"‏ اليقظان ‏"‏ واضطراب الملك في يديه ‏.‏
لقد عمل ذلك عمله في سقوط الدولة الرستمية ‏.‏‏.‏ كما عمل في سقوطها كذلك أخطر قانون من قوانين الحضارة ‏.‏‏.‏ وهو أن الدولة التي تفتقد راية حضارية جديرة بالانتشار والبقاء ‏.‏‏.‏ دولة جديرة بالانحسار والفناء

غروب الأدارسة في المغرب الأقصى
في تخوم السنوات التي تصل شطري القرن الثاني الهجري تفككت وحدة المغرب العربي ‏(‏ تونس ـ الجزائر ـ مراكش ‏)‏ وبدلا من خضوعه للدول الإسلامية الجامعة سواء دولة الأمويين أو دولة العباسية ‏.‏‏.‏ بدلا من هذا انقسم المغرب الإسلامي على نفسه إلى قوى ثلاث تحكمها زعامات ثلاث ‏.‏‏.‏ الرستميون في تيهارت ‏(‏ الجزائر ‏)‏ والأغالبة في تونس ، والأدارسة في المغرب الأقصى ‏.‏
وليس من السهل تلمس الأسباب الحقيقية لهذا الانفصال سوى أنه مطية لتحقيق أغراض شخصية ومذهبية ‏.‏
بيد أن كثيرا من المؤرخين لا يفوتهم البحث عن أسباب لكل الظواهر ، حتى ولو كانت الظاهرة مجردة حادث مفتعل يخلف نتائج مضادة ويكون حصاده وبالا على الأمة التي خضعت له ‏.‏
وليس من شك في أن الحياة ليست سلبا كلها ‏.‏‏.‏ وبالتالي ليست إيجابا كلها ‏.‏‏.‏ فنحن لن نعدم أن نجد في الدولة الحضارية الجماعية سلبيات ‏.‏‏.‏ كذلك لن نعدم أن نجد في كل الحركات الانفصالية التي تمثل ـ في رأينا ـ بوادر غروب للحضارة الجامعة ‏.‏‏.‏ لن نعدم أن نجد فيها إيجابيات ، بيد أنه لا السلبيات تصلح للحكم على الدولة الجامعة بالموت وبالانقضاض عليها من داخلها ، ولا الإيجابيات تصلح كمبرر للوجود ‏.‏‏.‏ إذا قيست هذه الإيجابيات الجزئية بما تخلفه حركات الانشقاق من هدم في روح الحضارة ‏.‏‏.‏ومن صراع يجهد الدولة الجامعة والبلد المنفصل معا ‏.‏
وكان إدريس بن عبد الله بن الحسين هو ‏(‏ قائد حركة الانفصال عن دولة العباسيين في المغرب الأقصى ‏)‏
وكان إدريس هذا قد ساهم مع إخوته ومع العلويين في إشعال ثورة الحجاز ضد العباسيين ، لكن الثورة فشلت ، وأخمدت فهرب إدريس إلى بلاد المغرب ، وهناك استطاع أن يجمع حوله بعض قبائل البربر ، وأن يكون له إمارة مستقلة دامت حوالي قرنين من الزمان ‏.‏‏.‏ وكان ذلك في مطلع القرن الثالث الهجري ‏.‏‏.‏ أي أن حركة إدريس كانت متأخرة عن حركتي الرستميين في الجزائر والأغالبة في تونس ‏.‏
وقد نجح الخليفة العباسي هارون الرشيد في أن يدس على إدريس من يدس له السم في العسل ، وكان الرشيد يضحك ويتندر بقوله ‏"‏ إن لله جنودا من عسل ‏"‏ لأنه سمه بواسطة العسل ‏.‏
وقد ترك إدريس زوجته حاملا فولدت بعد موته ذكرا التف البربر حوله وبايعوه باسم إدريس الثاني ‏.‏ وفي عهد إدريس الثاني هذا حاول العباسيون بواسطة ولاء الأغالبة الموجودين في تونس لهم ، حاولوا القضاء على الأدارسة ‏.‏‏.‏ لكنهم فشلوا ‏.‏‏.‏ وركن العباسيون إلى السكوت ‏.‏‏.‏ واستمرت الدولة الإدريسية ـ كما ذكرنا ـ قرنين من الزمان ‏.‏
وكان من أعظم حكام الأدارسة يحيى الرابع بن إدريس الذي حكم ثماني عشرة سنة ‏(‏ 292 ـ 310 هـ ‏)‏ وازدهر المغرب الأقصى في حكمه أيما ازدهار ‏.‏
كما بلغت مدينة فاس عاصمة الأدارسة ذروة مجدها ، وأصبحت مركزا هاما من مراكز الحضارة الإسلامية في أنحاء المغرب العربي ‏.‏ وأيضا قد ساعد الأدارسة على رسوخ قدم الإسلام في بلد المغرب بين البربر ، وانتشر الإسلام بواسطة البربر في أفريقيا الغربية ‏.‏
وكانت جامعة القرويين التي قامت بدور بارز في نشر وإنماء الثقافة الإسلامية من أهم آثار الأدارسة في المغرب الإسلامي ، وقد قامت في المغرب بما قام به الأزهر ـ أو على نحو قريب منه ـ في المشرق العربي ‏.‏
لقد كان الأدارسة أول دولة لها هذا الطابع في التاريخ وفيما نعتقد لم تكن دولتهم شيعية إلا بمقدار حب آل البيت والولاء لهم ‏.‏‏.‏ وهي صفة يشترك فيها السنة والشيعة معا ‏.‏‏.‏ فحب آل البيت من حب الرسول عليه الصلاة والسلام ما كانوا قائمين على كتاب الله وسنة رسوله ‏.‏‏.‏ أما إذا خالف أحدهم كتاب الله وسنة رسوله ‏.‏‏.‏‏.‏ فإنه يقف من الله موقف أي إنسان ‏"‏ يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا ‏"‏ هكذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام ‏!‏‏!‏ ‏.‏
ولهذا الوضوح في دولة الأدارسة أحبها أهل السنة وانتصرت بهم ، وكانت القبائل البربرية السنية في المغرب حاميتهم وعماد دولتهم ‏.‏
ولهذا السبب عاشت دولة الأدارسة نحوا من قرنين من الزمان وأدت دورا حضاريا لا بأس به في المغرب الإسلامي ‏.‏
بيد أنها كأية حركة انفصالية كانت تفتقد مبرر الوجود والبقاء ‏.‏‏.‏ فظلت على الرغم من ‏"‏ قرنيها ‏"‏ مجرد حركة انفصالية ‏.‏ ولم تستطع ـ لا جغرافيا ولا فكريا ـ أن تزيد على حدودها التي ضمها إدريس الأول شيئا ذا بال ‏.‏
وقد وقعت كذلك بين عديد من القوى الراغبة في الابتلاع ‏.‏‏.‏ وقعت بين الأمويين في الأندلس ، الذين كثيرا ما سددوا إليها الطعنات ‏.‏‏.‏ وبين مصر التي انتقلت إلى الفاطميين منذ سنة 359 هـ ‏.‏‏.‏ فوجهوا إلى الأدارسة طعنات كذلك على الرغم من القرابة المذهبية ‏.‏‏.‏
ولا يمكن إغفال ضربات القبائل البربرية الراغبة في حكم نفسها ، لا سيما قبائل زناتة وهوارة ‏.‏
وقد أدى ذلك كله على غروب شمس الأدارسة عام 375 هـ ‏.‏
فانتهت إحدى الحركات الانفصالية في تاريخنا الإسلامي ‏.‏‏.‏ لأن السقوط ـ وإن كثرت المقويات والمساعدات ـ هو مصير كل الحركات الانفصالية ‏.‏

سقوط صقلية الإسلامية
بعد قرنين من فتح المسلمين لصقلية على يد الفقيه أسد بن الفرات سنة 212 هـ كان كل شيء يؤذن بالأفول ‏.‏‏.‏ كانت الأندلس تعيش حالة ملوك الطوائف الذين تداعوا تداعي البيت المفكك أمام زحف المرابطين بقيادة رجلهم المؤمن رجل العقيدة والدولة يوسف بن تاشفين ‏.‏
وكانت الجزائر وتونس تعانيان من هجمة القبائل العربية الهمجية الزاحفة تدمر كل شيء دون تعقل ‏.‏
وكانت مصر قد ذهبت نضارتها على يد الفاطميين الذين كانوا قد فقدوا نضارتهم كذلك ، بل كانت مصر التي يحكمها الخليفة المستنصر تعاني من مجاعات غريبة لعلها لم تحدث في تاريخها بالمرة لدرجة أن الناس أكلوا بعضهم بعضا وبيعت لحوم الكلاب في الأسواق ‏.‏
كان هذا هو الجو المحيط بصقلية الأغلبية الإسلامية ‏.‏‏.‏ الجو الذي يطلق عليه مؤرخونا عبارة ‏"‏ الحالة الإسلامية في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري‏"‏‏!‏‏!‏‏!‏
لكن كل هذا كان أقل من أن يقتطع غصن صقلية من شجرة الإسلام إلى اليوم ‏.‏‏.‏ لقد كان ثمة سبب آخر أشد وأقوى ‏.‏
كان هناك الهزيمة الداخلية التي هي الباب الوحيد التي تدلف منه كل الهزائم الواردة ‏.‏‏.‏ كان هناك لصوص المناصب وهواة الزعامات والمتمسحون في أمجادهم العائلية ‏.‏
كانت صقلية قد فقدت أمثال فاتحها العظيم أسد بن الفرات القاضي والفقيه والقائد والشهيد الذي استحق عن جدارة بطولة فتح صقلية ‏.‏
وحل جيل جديد تتنازعه التقاليد الوثنية النورمانية وينظر بإعجاب إلى الجنوب الأوروبي ، وإلى تقاليد العدو الواقف بالباب ‏.‏‏.‏ وعندما حلت الهزيمة الداخلية على هذا النحو ‏.‏‏.‏ كان من السهل أن يدخل روجار بجيوشه ، وأن تتحول صقلية إلى اليوم قلعة صليبية تكيد للإسلام ‏.‏
كان روجار قائد النورمان المستوطنين بالغرب الفرنسي والإيطالي يترقب فرصة الوثوب على الجزائر وتونس ‏.‏‏.‏ فضلا عن صقلية ، وكما هي العادة في تاريخنا لم يستطع روجار أن يدخل إلى صقلية إلا من خلال أهلها ، من خلال الهزيمة الداخلية ‏.‏‏.‏ فمبدأ الجهاد قد وقانا شر الأعداء الخارجيين ، أما حين تتفتت العقيدة وتنحل إرادة القتال يبدأ العدو في الولوج ممتطيا أحد الأصنام الباحثين عن الملك تحت أي شعار ‏.‏
وفي معركة من المعارك الداخلية بين لصوص الحكم هزم أحدهم ‏.‏‏.‏ ويسمى ابن الثمنة ‏.‏‏.‏ ولم يجد هذا الرجل غضاضة في أن يطلب الوصول إلى الحكم عن طريق الاستعانة بالنورمان المتحينين للفرصة فذهب إليهم يستعين بهم ويطلعهم على خفايا الجزيرة ، ويمدهم بالعون إذا هم حاولوا الاستيلاء عليها ‏.‏
وبدأ من يومها الغزو النورماني لصقلية ‏.‏‏.‏ ولم تكن القوى الإسلامية المفككة المحيطة بصقلية بقادرة قدرة حقيقية على عمل شيء ‏.‏‏.‏ بالرغم من أن تونس قد حاولت تقديم المساعدة ‏.‏
وتساقطت كأوراق الشجر في الخريف مدن الإسلام الزاهرة في هذه الجزيرة التي قدمت للإسلام والحضارة الإسلامية عديدا من الأبطال في كل المجالات ‏.‏
سقطت ‏"‏ مسنة ‏"‏ ‏.‏‏.‏ وسقطت ‏"‏ بلرم ‏"‏ العاصمة ‏.‏ ‏"‏ وماذر ‏"‏ ‏.‏
وبعد جهاد طويل من أحد شباب الإسلام الذين يظهرون كوهجة الشمس قبل المغيب ‏"‏ ابن عباد ‏"‏ سقطت سرقوسة ، ثم خرجت ولحقت بها ضريانة فنوطس ، وسجلت سنة 484 هـ 1091 م السقوط الكبير لصقلية في يد عصابات النورمان‏.‏‏.‏
وكما تمثلت الهزيمة الأولى ـ في بداية الهزيمة ـ ‏.‏‏.‏ كما قدمتها ـ في شخص ابن الثمنة ـ كذلك تمثلت الهزيمة هنا في صورتين ‏:‏
في صورة ابن حمود حاكم قصريانة إحدى المدن الصقلية التي سقطت وكان هذا الرجل يزعم النسب إلى العلويين ‏.‏‏.‏ لدرجة جعلت أحد المؤرخين الأوروبيين يصفه ‏(‏ بالعلوي الدنيء الرخيص ‏)‏ مسلما بقضية علويته ، ولربما كانت صحيحة ، فكثير من دعاة العلوية كانوا خونة ‏!‏‏!‏
وقد تواطأ الرجل مع روجار لدرجة جلبت عليه سخط المسلمين في الجزيرة كلها‏.‏
ولم ينته أمر هذا الخائن لأمته إلا بالنهاية الطبيعية ، إلا أنه حرصا على مزيد من الجاه لدى روجار أعلن نصرانيته وطلب من روجار أن ينقله إلى إيطاليا ليقضي بقية حياته هادئا آمنا ، وذهب الخائن ، ومع ذهاب الإسلام من أعماقه وأعماق أمثاله من المنهارين ذهبت صقلية ‏.‏‏.‏ والصورة الثانية ‏.‏‏.‏ تقدمها لنا صفحات التاريخ في شكل رسالة بعث بها المسمى الخليفة الفاطمي في مصر إلى روجار تحمل تشفيا وتهنئة بالنصر المسيحي ، وبعد أن يوافق خليفة المسلمين العظيم روجار على كل أوصافه للزعماء المسلمين في الجزيرة ، تلك التي وردت في رسالته وكيف أنهم جانبوا طريق الخبرات واجترءوا في الطغيان ، واستعملوا الظلم، وتمادوا في الغي ‏.‏
بعد ذلك ينهي رسالته بأن من كانت هذه حاله حقيق بأن تكون الرحمة نائية عنه ، خليق بأن يأخذه الله من مأمنه أخذة رابية ‏.‏
وهذا الكلام ‏.‏‏.‏ صحيح ‏.‏ بيد أنه لن يغفر للخليفة المنهار في مصر المتمسح ـ كذبا ـ في شرف النبوة أن يسقط ركن من أركان دولة الإسلام ـ تابعا لحكمه ـ دون أن يحرك ساكنا ‏.‏‏.‏ ثم يخرج علينا بشعارات منمقة لا قيمة لها ‏.‏
ولن يغفر له التاريخ كذلك أنه نفسه كان لعبة هزيلة في قصره بيد الوزراء العظام، وفي ظل أحط مجاعات عرفتها مصر الإسلامية ، وإنه بدوره كان حلقة في سلسلة مصائبنا الكثيرة ‏.‏
وقد زار ابن جبير الرحالة المسلم ـ صقلية ـ بعد سقوطها ـ فوصف أحوال أهلها تحت الحكم النصراني ، بما يجعلها قريبة من أحوال أهل الأندلس ، فقد ضربوا عليهم إتاوة يؤدونها في فصلين من العام ، وحالوا بينهم وبين سعة الأرض ، ولا جمعة لهم يؤدونها بسبب الخطبة المحظورة عليهم ، ويصلون الأعياد بخطبة يدعون فيها للعباس ، ولهم بها قاض وجامع ‏.‏‏.‏
ثم يختم ابن جبير حديثه عن أحوال المسلمين في صقلية بقوله ‏:‏
‏"‏ وبالجملة فهم غرباء عن إخوانهم المسلمين تحت ذمة الكفار ، ولا أمن لهم في أموالهم ولا في حريمهم ولا في أبنائهم ‏.‏‏.‏ ‏"‏ ‏.‏
وكان هذا جزاء ما قدم زعماؤهم الخونة ، وسادتهم الفاطميون المارقون ‏.‏‏.‏
والمهم ‏:‏
سقطت صقلية الإسلامية ‏!‏‏!

سقوط المرابطين بالمغرب
بدأت دولة المرابطين بالمغرب العربية بداية طيبة قوية ‏.‏‏.‏ كانت هذه الدولة بحق انبثاقة فكرة إسلامية عظيمة الأثر في حياة الدعوة الإسلامية ‏.‏‏.‏ هذه الفكرة تقوم على إبراز دور محدد قيادي للمسجد الإسلامي ، فالمسجد ليس مجرد دار لأداء صلوات خمس مبتوتة الصلة بالحياة ، وإنما المسجد الإسلامي دار تنطلق منها قيادة البشرية وتربيتها في كل مرافق الحياة ‏.‏‏.‏ فهو إلى جانب كونه دار عبادة هو كذلك دار علم ، وهو دار قضاء وهو مكتبة ، وهو مجلس شورى ‏.‏‏.‏ أي أن المسجد في الحقيقة نموذج لكل الوزارات والدواوين التي تقود شؤون الناس وتوجه مصالحهم ، وعلى هذا الأساس قامت فكرة الأربطة التي أنشأها المرابطون والتي من خلالها تكونت طليعة إسلامية استطاعت أن تنشئ دولة المرابطين التي حمت المغرب الإسلامي والأندلس قرابة قرن من الزمان ‏.‏
ومضت فترة القوة في هذه الدولة عندما مات أكبر شخصية مرابطة هي شخصية يوسف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة ، وبالتحديد سنة 500 من الهجرة ‏.‏
وبعد يوسف ، ومع الجهود الضخمة التي بذلها خليفته وابنه علي بن يوسف بدأت دولة المرابطين تدخل طور الأفول ‏.‏
وكان ذلك بتأثير سبب قوي غريب ‏.‏‏.‏ كان ذلك لأن علي بن يوسف هذا قد انصرف عن شؤون الحكم إلى حد كبير ، ولم يتحرك إلا في مرات قليلة لم تكن كافية لسد الثغرات التي فتحت على الدولة في المغرب والأندلس ، وراح هذا الأمير المرابطي يصوم النهار ويقوم الليل ويعكس بزهده وإهماله لشؤون دولته فهما مغلوطا للإسلام بل إنه وقع في خطأ كبير ‏.‏‏.‏ حين وقع تحت تأثير مجموعة كبار الفقهاء البارزين في دولته ، وكان لا يزيد عن كونه لعبة صغيرة في أيديهم ‏.‏
ونتيجة غفلة علي بن يوسف هذا ، وانصراف الفقهاء إلى تكفير الناس وجمع الثروات ، بدأت مظاهر التحلل تسود قطاعات كبيرة من الدولة ‏.‏
كانت الخمر تباع علنا في الأسواق ، وكان النبيذ يشرب دون حرج ، وكانت الخنازير تمرح في الأسواق كالأغنام ، واستولى أكابر المرابطين على إقطاعات كبيرة وذهبوا إلى الاستبداد فيها ، واستولى النساء على الأحوال ‏"‏ وصارت كل امرأة تشتمل على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب خمر وماخور ‏"‏ ‏.‏
وكان ثمة مظهر آخر من مظاهر الفساد انتشر على عهد الخلفاء الضعاف المرابطين ‏.‏‏.‏ هذا المظهر هو تحجب الرجال ، حتى إن الرجل لا تبدو منه إلا عينه ، وبروز النساء وظهورهن في الأسواق العامة سافرات ، واختلاطهن بالرجال ‏.‏ لكن مفتاح المصائب الكبرى على المرابطين كانوا هم الفقهاء
لقد ذهبوا إلى تكفير كل من يحاول تأييد القواعد والأصول الشرعية ، لا سيما العقائد بأدلة عقلية ‏.‏ وقد يكونون على خطأ أو على صواب ، فلسنا نعرض لآرائهم أو لآراء غيرهم ، وإنما الذي نقصده أن نظرية التكفير هي دلالة إفلاس وتحجر ، وليس من حق أحد أن يتعجل فيرمي الناس بالكفر ‏.‏‏.‏ إذ ليس من حق أحد أن يتعجل فيرمي الناس بالكفر ‏.‏‏.‏ إذ ليس الكفر مفتاحا يملكه الناس ما لم تظهر أدلته المادية التي لا تقبل الشك ‏.‏‏.‏ أما الخلاف على رأي فليس مجال تكفير‏.‏
وقد ذهب هؤلاء الفقهاء في استرسالهم التكفيري هذا إلى تكفير أعظم شخصية إسلامية أنجبها القرن الخامس والسادس الهجري ‏.‏‏.‏ وهي شخصية الإمام ‏"‏ أبي حامد الغزالي ‏"‏ المعروف بحجة الإسلام بل إنهم ذهبوا في غلوائهم أبعد مذهب ، فحرصا على امتيازاتهم التي يكتسبونها من جدلياتهم في علوم الفقه التي تمثل الفروع ‏.‏‏.‏ أفتوا بإحراق كتب الإمام الغزالي لا سيما كتابه الشهير ‏"‏ إحياء علوم الدين ‏"‏ وكانت حجتهم في ذلك اشتمال الكتاب على بعض المسائل الفلسفية الكلامية ‏.‏‏.‏ مما اضطر السلطان علي بن يوسف الخاضع لتأثيرهم إلى إصدار أمره بوجوب إحراق الكتاب ‏"‏ إحياء علوم الدين ‏"‏ في جميع أنحاء مملكته تنفيذا لفتوى الفقهاء ، ثم أنذر بالوعيد الشديد ‏.‏‏.‏‏.‏ بل بالقتل واستلاب مال كل من يوجد عنده الكتاب ‏!‏‏!‏ ‏.‏
وكان هذا الحادث أبرز ألوان الجمود والتحجر والخوف على الامتيازات الشخصية التي أظهرها الفقهاء ‏.‏
وقد بلغ الحنق بالإمام الغزالي مبلغه ، فدعا على علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي أن يمزق الله ملكه ‏.‏‏.‏ حين علم بالأمر ‏!‏ ‏.‏
لقد كان منهج الفقه الذين تصدروا شؤون الدولة المرابطية يقوم على الابتعاد عن المصدرين الرئيسيين للتشريع وهما القرآن والسنة ، والتمسك الشديد بآراء الفقهاء ‏.‏‏.‏ حتى ولو لم يعرفوا لها سندا من الكتاب والسنة ‏.‏‏.‏ وقد بلغ الأمر بهم في هذا الأمر مبلغه ، حتى أن أحد الناس قال لرجل وهما في الطريق ‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا ‏.‏‏.‏ فرد عليه الآخر ‏.‏‏.‏ لكني أعتقد أن الإمام مالكا يقول كذا ‏(‏ ‏!‏‏!‏ ‏)‏ وهكذا ذهبت آراء الفقهاء في نظرهم مذهب التقديس والغلو المبالغ فيه ‏.‏
وقد أمات الفقهاء واجب ‏"‏ الحسبة ‏"‏ ‏.‏‏.‏ وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلم يقوموا بتغيير نواحي التحلل التي ظهرت في الدولة ، وكان بإمكانهم لتمكنهم من الحكم أن يقوموا على تغييرها ‏.‏‏.‏ لكنهم جاروا العامة في غرائزها وبحثوا عن أنفسهم ، بل قاوموا المخلصين الذين حاولوا التغيير ورموهم بالتكفير والمروق ‏.‏
بقي أن نقول ‏:‏ إن الفقيه أبا القاسم بن حمدين زعيم الفقهاء في هذه الفوضى ‏.‏‏.‏ وأكبر المكفرين للإمام الغزالي ، بل المكفر لكل من قرأ كتاب الإحياء كان يمثل نموذجا لكثير من الدجالين المتاجرين بالإسلام ، والإسلام منهم براء ‏.‏
ومع ألسنة النار المندلعة من نسخ كتاب الإحياء التي أحرقت في مشهد علي بجامع قرطبة ، كانت ألسنة نيران حركة التاريخ التي تقودها سنة الله التي لا تتخلف ، تأكل دولة المرابطين التي تركت أمرها لمجموعة من ضيقي الأفق ومرتزقة الكلمة ، هؤلاء الذين لا يفهمون أصول الإسلام ولا روح الإسلام ‏.‏‏.‏ ولا أصول الحكم في الإسلام ‏.‏‏.‏ ولا روح الحكومة الإسلامية الحقيقية ‏.‏‏.‏‏.‏
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى