مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* حضارات سادت ثم بادت : الاشوريون 3

اذهب الى الأسفل

* حضارات سادت ثم بادت : الاشوريون  3 Empty * حضارات سادت ثم بادت : الاشوريون 3

مُساهمة  طارق فتحي الثلاثاء يناير 04, 2011 2:16 pm

حضارات سادت ثم بادت
مُساهمة  طارق فتحي في الثلاثاء 4 يناير 2011 - 3:55
الآشوريون
الجزء الثلث
سكن سرجون اولا في كلخ ومن ثم قرر على ايجاد عاصمة جديدة شمال نينوى. وسمى المدينة "دور شروكن" " مدينة سرجون" (خورسآباد الحالية). وقد بنى قصره على ممر عال في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة.
اما معابد الالهة الرئيسين الاصغر حجما فقد بنيت ضمن مستطيل محاط بجدار خاص. التصميم سمح لسرجون من مراقبة الكهنة افضل من السابق كما بنى مجمعات كبيرة للمعابد. احدى نتائج هذا التصميم هو ان شخص الملك دفع شخص الاله الى الخلفية وبهذا حصل على الاهمية. ورغب ان يكون قصره يشابه امبراطوريته من حيث السعة، فقد خطط سرجون لقصره ابعادا اصبحت معلما.
منحوتان صخريان لثورين مجنحين لهما راس رجل يحميان المدخل؛ كانا اكبر من اي شئ سبق. اما الجدران فقد زينت بصفوف طويلة من النحت البارز تظهر صور الحروب والاعمال التعرضية. مقارنة بقطعة الرخام الجيدة التنفيذ للملك البابلي مردوخ أبال ادينا يظهر ان الفنون الجميلة في الدولة الاشورية قد فاقت بكثير ما عند البابليين.
لم يكمل سرجون عاصمته، بالرغم من 713 ولغاية 705 ق م عمل عشرات الالاف من العمال ومئات الفنانين في المدينة العظيمة. باستثناء بعض البنايات الساحرة للموظفين العامين، لم ينجز الا القليل من الصروح المتينة في القاطع السكني . في 705 وفي حملة على شمال غرب ايران نصب كمين لسرجون وقتل. وبقيت جثته دون ان تدفن لكي تصبح طعاما للجوارح. اما سنحاريب ابن سرجون والذي تشاجر مع ابيه، كان ميالا للاعتقاد مع الكهنة بان موته كان عقابا من الهة العواصم القديمة التي تركت دونما اكتراث.

سنحاريب (704 – 681 )
سنحاريب ( وبالآشورية: سن آهي اريبا؛ 704 – 681 ) كان مهيئا جدا لاملاء موقعه السيادي. به فازت الدولة الاشورية بحاكم ذكي موهوب بالرغم من كونه كثير التهور. لم يذكر والده، في اي من كتاباته. ترك فجأة المدينة الحديثة دور شاروكن وسكن في آشور لعدة سنوات الى ان جعل من نينوى عاصمة له في عام 701 .
كانت لسنحاريب مصاعب كثيرة مع دولة بابل. عاد مردوخ آبال ادينا مرة أخرى في 703 ليعلن نفسه ملكا بمساعدة عيلام، متجها رأسا ليتحالف مع بقية اعداء الدولة الآشورية. وبعد تسعة اشهر كان قد اجبر على الانسحاب عندما هزم سنحاريب جيش الائتلاف المكون من البابلين والاراميين والعيلاميين. كان ملك بابل "اللعبة" الجديد بيل ابني (702-700) الذي نشأ وترعرع في آشور.
في 702 شن سنحاريب غرة على غرب ايران. في 701 تبعها باشهر حملاته ضد سوريا وفلسطين، من اجل السيطرة على الطريق الرئيس من سوريا الى مصر من اجل التهيؤ لحملة قادمة على مصر ذاتها. عند اقتراب جيش سنحاريب من سيدون عزل حاكمها "لولي" الذي كان معاديا للدولة الآشورية فورا. اما بقية الحلفاء فمنهم من انهزم ومنهم من استسلم. وهزم الجيش المصري في "إلتيكه" في جوده. وحاصر سنحاريب القدس وطلب من ملكها حزقيا التسليم لكنه لم يستجب. وبسبب الصعوبات وتفشي الوباء انسحب سنحاريب بجيشه من فلسطين. عدد الذين ماتوا من الآشوريين ارتفع الى 185.000 . وعلى كل فقد دفع الملك حزقيا الجزية.

انسحب الملك البابلي "بيل ابني" من الاتحاد مع الدولة الاشورية في عام 700 . تحرك سنحاريب بسرعة وهزم بيل ابني وابدله بابن سنحاريب الاكبر، آشور نادين شومي. السنوات القليلة القادمة كانت نوعا ما سنوات سلام. استغل سنحاريب هذا الوقت للتهيؤ لهجوم فاصل ضد عيلام، التي مالبثت تساند الثوار البابلين. قام العيلاميون بقطع وتحصين الطريق البري المؤدي الى عيلام.
كان لسنحاريب سفنا بناها في سوريا وفي نينوى. تم تحريك السفن من سوريا على مزلجات من الفرات الى دجلة. مخر الاسطول مع التيار جنوبا ونجح في التحرك في المياه الضحلة للخليج وعلى طول الساحل الجنوبي لعيلام. قام العيلاميون بشن هجوم مقابل على الارض واحتلوا بابل ونصبوا شخصا من اختيارهم على العرش. لم يكن باستطاعة الآشورين شق طريقهم شمالا بالقتال الا في 693 .
واخيرا وفي 689 تمكن سنحاريب من الثأر. فقد احتل بابل ودمرها تماما، وهدم المعابد وسواها مع الارض. وحورت قناة آراختو الاروائية من فوق الابنية المخربة والدمار وبقيت المدينة الداخلية غير مسكونة لحوالي ثماني سنوات. حتى ان الكثير من الآشوريين بقوا ناقمين على هذا، معتقدين بان الاله البابلي مردوخ كان قد تأثر بالغ التأثر نتيجة تدمير معبده وازالة آثاره. كان مردوخ معبودا آشوريا ايضا كان العديد منهم يهرعون اليه وقت الحاجة. كانت قد شنت حملة دعاية لاهوتية- سياسية للتوضيح للشعب بان ما قد حدث هو نزولا عند رغبة معظم الالهة. كتبت قصة تذكر بان مردوخ كان قد أسر بسبب خطيئة وأحضر امام القضاء.
لم يبق الا جزءا من شرح هذا العمل الادبي غير المتقن. حتى الشعر العظيم لخلق العالم، "انوما اليش" كان قد حور: ابدل اسم الاله مردوخ بالاله آشور. ان طاقات سنحاريب غير المحدودة لم تجلب الفائدة لامبراطوريته، ولربما اضعفتها. يمكن ملاحظة تشبث وعناد هذا الملك في مشاريعه العمرانية؛ فمثلا عندما احتاجت نينوى الى الماء للري، حمل سنحاريب مهندسيه على تحويل مجرى مياه رافد للزاب الاعظم. وكان على القناة عبور وادي جيروان.
انشات قناة لسحب الماء تتالف من حوالي مليوني قطعة من حجر الرخام الكلسي لخمس قناطر مدببة ضخمة فوق الجدول في الوادي . ختمت ارضية القناة بسمنت يحوي على المغنيسيوم. لازالت اجزاء من هذه القناة شاخصة الى اليوم الحاضر. كتب سنحاريب عن هذه وغيرها من الانجازات التقنية بتفاصيل دقيقة مع شروحات ومخططات توضيحية.
بنى سنحاريب قصرا فخما في نينوى، مزين بمنحوتات شبه مجسمة بعضها يصور نقل تماثيل ضخمة لثيران خلال الماء واليابسة. العديد من الغرف كانت مزينة بمقاطع مصورة منحوتة نحتا بارزا تحكي قصص الحرب وفعاليات البناء. يمكن ملاحظة التقدم في مجال التنفيذ الفني، وخاصة في رسم الحيوانات والمناظر الطبيعية. ومن ابرزها تصوير المعارك في الآهوار والحياة في المعسكرات والتهجير.
قامت في عام 681 ق م ثورة. واغتيل سنحاريب من قبل احد او كلا ولديه في معبد الاله نينورتا في كلخ. لقد اسيئت معاملة هذا الاله و الاله مردوخ من قبل سنحاريب، فاعتبر الحادث على انه عقوبة ربانية.

أسرحدون ( 680 – 669 )
متجاهلا ادعاء اخوته الكبار، ثبت المجلس الامبراطوري اسرحادون ( آشور - أحا - ادينا ؛ 680 – 669 ) كخليفة لسنحاريب. يصعب تفسير الاختيار بان أسرحادون، على عكس والده، كان لطيفا مع البابليين. يمكن الافتراض ان امه صاحبة الطاقة والمخططة، زاكوتو ( ناقيه)، والتي جاءت من سوريا أو من جوده، قد استخدمت كل نفوذها نيابة عنه لتجاوز قرارات الحزب الوطني للدولة الآشورية. ان النظرية القائلة بانه كان طرفا في التخطيط لاغتيال ابيه بعيدة الاحتمال؛ على كل حال، كان قادرا على استقطاب اخلاص جيش ابيه لصالحه. كان على اخوته الفرار الى اورارتو. كان اسرحادون يذكر كلا من ابيه وجده في كتاباته.
حيث ساد الاعتقاد بان تدمير بابل ماهو الا عقوبة من الاله مردوخ، فقد قام الملك الجديد باصدار الاوامر لاعادة بنائها. واشار الى نفسه فقط بانه حاكم بابل وحصل من خلال سياساته على دعم مدن دولة بابل. كانت القبائل الآرامية في بداية حكمه لا تزال حليفة لعيلام ضده، ولكن الملك العيلامي اورتاكو (675-664) وقع على معاهدة سلام مما حرره للقتال في مناطق أخرى. وفي عام 679 انشأ محمية عسكرية على الحدود المصرية لان مصر كانت في عهد الملك الحبشي تاهاركا تخطط للتدخل في سوريا.
لقد اخمد وبصعوبة كبيرة ثورة مشتركة من قطعات من سيدون وتاير ومدن سورية اخرى. كان الوقت قد حان لمهاجمة مصر التي كانت تعاني تحت حكم الاحباش ولم تكن دولة موحدة. كانت محاولة أسرحدون الاولى في 674 – 673 قد فشلت. وعلى اية حال ففي 671 ق م احتلت قطعاته منفيس، العاصمة المصرية. لقد تم تعيين مستشارين آشوريين لمساعدة امراء ال 22 مقاطعة، حيث كانت اولى مهامهم جمع الجزية.
كانت هناك تهديدات بين آونة وأخرى تأتي من منطقة الحدود الجبلية لشرقي الاناضول وايران. قام السيثيون بطرد السميرين في شمال ايران وخلال قوقاسيا محاولين كسب موطئ قدم لهم في سوريا وغرب ايران. قام اسرحدون بالتحالف مع ملك السيثيين "بارتاتوا" بتزويجه احدى بناته. وبعمله هذا فقد حدد حركة السيمريين. وبغض النظر، فانه يمكن ملاحظة سرعة تفكير اسرحدون من خلال تقديمه القرابين وتضرعه ودعائه من اله الشمس. لقد كان لذلك تاثيرا اخف على مملكته منها على اعدائه واتباعه والموظفين الحكوميين. كان على كهنة عشتار طمأنة اسرحدون باستمرار بالدعاء له والقول له بان لا تخف. لم يعرف عن الملوك الذين سبقوه حاجتهم الى مثل هذا التشجيع.
كان اسرحدون يواجه مصاعب كبيرة في وطنه من زمر في القصر. تفى ابنه الكبير مبكرا. وشكك الحزب الوطني بابنه الثاني، شماش شوم اوكن على انه يجامل البابليين؛ ولربما اعتبروه غير مؤهل لتولي العرش الملكي. منح ابنه الثالث، اشوربانيبال العرش في 672 وبقي شماش شوم اوكن وليا للعهد على بابل. لقد سببت هذه الترتيبات الكثير من المعارضة ولقد حذر بعض الموظفين بعيدي النظر من تاثيرات مأساوية. على اية حال فقد أقسم النبلاء والكهنة وقادة المدن على أحقية مثل هذه التعديلات في السلك الملكي؛ حتى زمرة الآمراء كان عليهم القسم للولاء لآشور بانيبال، وكانت هناك عقوبات شديدة على من يحنث.
وكان هناك امر آخر يشغل بال اسرحدون هو تردي صحته. كان يعتبر خسوف القمر بالذات نذير حذر،ولتفادي الاصابة بمرض قاتل خلال هذه الاوقات، فقد عمل على تبديل الملوك المختارين خلال فترات الخسوف الثلاثة التي حدثت خلال حكمه الذي استمر لاثنتي عشرة سنة. كان الملك البديل يموت او يقتل بعد فترة حكم قصيرة. خلال فترة تخليه عن الحكم كان اسرحدون يلقب نفسه " بالسيد الفلاح". وبهذا الاسلوب كان يظن انه سيصعب على الالهة التمييز بين الملك الحقيقي والمزيف.
وسع اسرحدون وطور المعابد في كل من آشور وبابل. وشيد قصرا في كلخ، مستخدما الكثير من لوحات الصور لتغلاث بلصر الثالث. الاعمال الباقية ليست بمستوى اعمال خلائفه او اعمال آشور بانيبال. مات اثناء حملة لاخماد ثورة اندلعت في مصر.

آشور بانيبال (668-627) وشماش شوم اوكن (668-648)
على الرغم من ان وفاة ابيه حصلت وهو بعيد عن وطنه، الا ان آشور بانيبال تولى الحكم كما كان مقررا. لربما كان مدينا لحسن حظه لشفاعة جدته "زاكوتو"، التي تمكنت من ملاحظة طاقاته العظيمة. يتحدث عن تعيمع المتكامل منقبل الكهنة وتدريبه على صناعة الدروع اضافة الى الفنون العسكرية.
ربما كان الملك الوحيد في دولة آشور ذو خلفية ثقافية. ودرس حين كان وليا للعهد ادارة الامبراطورية الشاسعة. ان الدرجة التي منحتها له الالهة هي درجة الحصاد خلال اولى سنوات حكمه. وكان انتاج السنوات التالية جيدة ايضا. وخلال هذه السنوات الاولى كان ناجحا ايضا في السياسة الخارجية، وكانت علاقته جيدة باخيه في بابل.
في عام 668 قمع تمردا في مصر وطرد الملك تاهاركا، ولكن في 664 جمع تانوت عامون ابن اخت تاهاراكا قوات لثورة جديدة. ذهب آشوربانيبال الى مصر، مطاردا الامير الحبشي بعيدا الى الجنوب. ولقد دفع نصره الحاسم هذا تاير واقسام اخرى من الامبراطورية الى العودة الى دفع الجزية بانتظام. عين آشور بانيبال بسماتك كامير على منطقة سايس المصرية. وفي عام 656 قام بسماتك بالانفصال عن السلطة الاشورية بمساعدة مرتزقه من الكاريين والايونيين مانحا مصر الاستقلال مر اخرى.
لم يحاول آشوربانيبال معاودة احتلالها. لقد ساعد بسماتك في تمرده الحليف القديم لآشور، كايكز ملك ليديا. وبالمقابل لم تبد آشور اية مساعدة لكايكز حين هوجم من قبل السيمريين. فقد كايكز عرشه وحياته. وقرر ابنه ارديز ان دفع الجزية الى الدولة الاشورية هي اقل قسوة من ان يحتل من السيمريين.

احاقت بجنوب دولة بابل مشاكل مهلكة ، فقد هاجمتها عيلام في 664. وجاء هجوم آخر في 653 ، حيث ارسل آشور بانيبال جيشا كبيرا ألحق بالعيلاميين هزيمة نكراء. وقتل ملكهم مما شجع بعض الولايات العيلامية على الانفصال. لم تعد لعيلام القوة الكافية لاستعادة دورها الفعال في المجالات الدولية. كان لهذا الانتصار نتائج مهمة لبابل.
اصبح شاماش شوم اوكن متعبا بسبب اهماله من قبل اخيه الذي فرض سيطرته. لقد شكل شاماش شوم اوكن تحالفا سريا في عام 656 مع الايرانيين، والعيلاميين والاراميين والعرب والمصريين، موجها ضد آشوربانيبال. ربما كان انسحاب العيلامين المندحرين من التحالف هو السبب في الهجوم غير المكتمل الاعداد من قبل شاماش شوم اوكن في نهاية عام 652 دون الانتظار للمساعدة الموعودة من مصر.
بعد ان اخذ آشور بانيبال على حين غرة، استطاع من لملمة جيشه. هزم الجيش البابلي واسر شاماش شوم اوكن في مدينته الحصينة بابل. ولم يتمكن حلفاؤه من الصمود امام الآشوريين. وهزمت امدادات العرب المحملة على الجمال. وبقيت مدينة بابل محاصرة لمدة ثلاث سنوات. وسقطت في عام 648 وسط مشاهد مذابح مروعة، ومات شاماش شوم اوكن في قصره المحترق
بعد عام 648 شن الاشوريون عدة هجمات تاديبية على العرب،محفزين بهذا روح الاندفاع والقتال لدى القبائل العربية لسنوات قادمة. كان الهدف الرئيس للاشوريين هو تامين استقرار نهائي لعلاقاتهم مع عيلام. ان رفض دولة عيلام عام 647 تسليم امير آرامي كان سببا في هجمات جديدة تغلغلت معها جيوش الاشوريين عميقا في الاراضي العيلامية. وقد اعقب ذلك الصولة على العاصمة سوسة المحصنة بقوة ربما في عام 646 .
دمر الاشوريون خلالها المدينة بضمنها المعابد والقصور. واحتلوا اراض شاسعة. وكالمعتاد فقد تم نفي اصحاب الاراضي والطبقة العليا الى بلاد آشور ومناطق اخرى من الامبراطورية واصبحت عيلام مقاطعة آشورية. وامتدت سلطة الدولة الاشورية الى جنوب شرق ايران. ودفع سيروس الاول الجزية واعطى رهائن الى نينوى. متعشما في تامين الحماية لحدوده مع ميديا. لا يعرف الا القليل عن أواخر سنوات حكم اشوربانيبال.
لقد ترك اشوربانيبال الهاما اكثر ممن اعقبه من الملوك. لم تسجل معاركه دائما بتسلسل زمني ولكنها جمعت كمجموعات حسب الغايات منها. ان عدد معاركه تسجله الذاكرة. احدى اهم مآثره هي تاسيس مكتبة القصر العظيمة في نينوى ( كويونجق الحديثة)، والتي تعتبر اليوم احدى اهم المصادر لدراسة التاريخ القديم لبلاد مابين النهرين .
ولقد اشرف الملك نفسه على انشائها. ولقد حفظ اكثر من نسخة من الاعمال المهمة، بعضها كان مخصصا للاستخدام الشخصي للملك. ان اعمال الترتيب قد سحبت تجربة قرون من ادارة تجميع كميات كبيرة من اراشيف المعبد مثل تلك الموجودة في آشور. يتحدث آشوربانيبال في احدى مخطوطاته عن انه صياد متلهف لصيد الحيوانات الكبيرة، وكيف انه حصل على متعتها خلال صراعه مع الاسود المهاجمة.
هناك في قصره في نينوى صفوف طويلة من مشاهد الصيد تظهر حذاقة الفنانين في النحت البارز؛ وصل الفن الاشوري بهذه المنحوتات الى قمته. بمسلسلات تحكي عن حروبه وخاصة الحروب التي خاضها في عيلام، تعج المشاهد بالشخوص البشرية. وتلك التي تظهر المعارك ضد القوات العربية على جمالها هي ابدع ما تم تنفيذه.
احدى اسباب بقاء الامبراطورية الاشورية لمدة طويلة هو ممارسة التهجير لاعداد كبيرة من سكان المناطق المحتلة وتوطينهم في اماكن اخرى. لقد منع هذا الاجراء الوطنين من المناطق المحتلة من استعادة قوتهم. وبنفس الاهمية كان تعيين العديد من الموظفين المدنين الاكفاء في الاراضي المحتلة تحت امرة ضباط مدربين. كانت اعلى درجة وظيفية هي "تارتان"، وهي كلمة حرانية.
ولقد مثل التارتان الملك ايضا خلال غيابه. المرتبة الاقل كان ملاحظ القصر، وهو حامل الصواع، واداري القصر وحاكم آشور. غالبا ما كان القادة يحتلون مراكز رسمية عالية، وخاصة في المقاطعات. كان عدد موظفي الدولة يقارب ال 100.000 أغلبهم من مواطني المقاطعات المحتلة. ولقد اصبح الاسرى عبيدا ثم اطلق سراحهم.
لم تكن هناك قوانين معروفة للامبراطورية\ن بالرغم من ان المستندات تشير الى وجود قواعد وضوابط للعدالة. كان الذين يفسخون العقود عرضة لعقوبات شديدة، وحتى في حالات الاهمية القليلة فان التضحية بابن او اكل رطل من الصوف وشرب كميات كبيرة من الماء بعد ذلك مما يؤدي الى موت مؤلم. كان للمراة مكانة سفلى، ماعدا الملكة وبعض الاميرات.
ولاتتيسر دراسات مفصلة عن الوضع الاقتصادي لتلك المرحلة. اما النبلاء اصحاب الاقطاعيات فقد استمروا على لعب دور مهم، اضافة الى التجار في المدن. ان الزيادة في كميات المعادن الثمينة – والتي كانت تستلم كجزية او تؤخذ كغنائم – لم تشوش الاستقرار الاقتصادي في العديد من المناطق. لقد ادت الرعاية الملكية ورعاية المعابد الى ازدهار الفنون والحرف خلال هذه الفترة.
ان سياسة توطين الاراميين وغيرهم من سكان الاراضي المحتلة في الدولة الاشورية قد جلب العديد من الفنانين والحرفيين الموهوبين الى المدن الاشورية، حيث قدموا اساليب وتقنيات جديدة. كان اصحاب الدرجات العليا من الموظفين، والذين غالبا هم من المتنفذين، عملوا على ان تستفيد مراكز المقاطعات كذلك من هذا النمو الاقتصادي والحضاري.
اصبحت حران اهم مدينة في القسم الغربي من الامبراطورية؛ اما مستوطنة حوزيرينا الجاورة ( حاليا سلطان تبه في شمال سوريا)، تم اكتشاف بقايا اثار مكتبة مهمة. عثر على القليل من النصوص الارامية من هذه الفترة؛ ان مناخ بلاد مابين النهرين لا يصلح لتخزين البردي والجلود التي كانت النصوص تكتب عليها. لا تتيسر ادلة على وجود موروث تعليمي بلغات اخرى منطوقة ضمن حدود الامبراطورية الاشورية في ذلك الوقت، ماعدا بعض المناطق الساحلية من سوريا وفلسطين.

الامبراطورية البابلية الجديدة
لم تتم تهدئة الكلدانيين الذين كانوا يقطنون المنطقة الساحلية للخليج الفارسي، من قبل الاشوريين. ففي حوالي 630 اصبح نبوبلاصر ملكا على الكلدانيين. في 626 اخرج الاشوريين بالقوة من اوروك (الوركاء) وتوج نفسه ملكا على بابل. لقد ساهم في الحروب التي كانت تهدف الى تدمير الدولة الاشورية. وبنفس الوقت بدا باعادة تشغيل شبكة القنوات المائية المخربة في المدن البابلية وخاصة في مدينة بابل نفسها. ولقد حارب الملك الاشوري آشور اوباليت الثاني وثم حارب المصريين، قوبلت نجاحاته بسوء الحظ. مات نبوبلاصر في بابل عام 605

نبوخذنصر الثاني
سمى نبو بلاصر ابنه الكبير بنبوخذنصر تيمنا بالملك الشهير للسلالة الثانية لاسن، ودربه بعناية لتولي العرش وشاركه في تحمل المسؤوليات. فعندما مات الاب في 605 كان نبوخذنصر مع جيشه في سوريا؛ حيث كان قد سحق المصريين قرب كارجيميش في معركة دامية قاسية وطاردهم الى الجنوب. عاد نبوخذنصر فورتسلمه نبأ وفاة ابيه الى بابل. لا يذكر نبوخذنصر في كتاباته على العديد من الابنية، الا القليل عن حروبه الكثيرة؛ وكلها تنتهي بالصلوات. ان التسلسل البابلي للاحداث يمتد فقط للسنوات 605 – 594 ، ولا يعرف الكثير من مصادر اخرى عن السنوات الاخيرة لهذا الملك الشهير. كان يذهب غالبا الى سوريا وفلسطين، لطرد المصريين منها. في عام 604 احتل المدينة الفلسطينية أشكيلون. حاول في 601 دفع المصريين الى مصر ولكنه اجبر على الانسحاب بعد معركة دامية غير محسومة من اجل اعادة تنظيم جيشه في بابل. اثر بعض الحملات التاديبية الصغيرة ضد العرب في سوريا، هاجم فلسطين في نهاية 598.
ثار جيهوياكيم ملك جودا مؤملا على دعم من مصر. وحسب تسلسل الاحداث التاريخي فقد احتلت القدس في 16 آذار 597. ومات الملك جيهوياكيم خلال الحصار، وتم سبي ابنه جيهوياجين مع 3000 من اليهود اسرى الى بابل. تمت معاملتهم بصورة جيدة حسب الوثائق.
وعين زيدكيا ملكا جديدا. في عام 596 حين جاء الخطر من الشرق سار نبوخذنصر الى نهر دجلة مجبرا العدو على الانسحاب. بعد سحق الثورة في بابل بطريقة دموية جهز حملة اخرى الى الغرب.
ثارت جودا ثانية في 589 حسب العهد القديم، وتمت محاصرتها. سقطت المدينة في 587/586 ودمرت تماما. واخذ عدة آلاف من اليهود اسرى الى بابل، والحقت بلادهم كمقاطعة بالامبراطورية البابلية. ويذكر ان الاحتلال المصري كان سبب الثورة حيث تم التغلغل الى سيدون.
وقام نبوخذنصر بمحاصرة تاير لمدة 13 عاما دون ان يتمكن من دخولها لعدم امتلاكه اسطولا بحريا. في 568/567 عاود مهاجمة مصردونما نصر يذكر ولكن توقف المصريون منذ ذلك الوقت من مهاجمة فلسطين. عاش نبوخذنصر بسلام مع دولة ميديا طول فترة حكمه وتوسط بينها وبين ليديا في حربهم 590 – 585 .
امتدت الامبراطورية البابلية في عهد نبوخذنصر الى الحدود المصرية. كان لديها نظاما اداريا جيدا. بالرغم من انه كان نبوخذنصر يفرض ضرائب وجزية عالية من اجل ادامة جيوشه والاستمرار في مشاريع البناء، جعل نبوخذنصر دولة بابل من اغنى الاراضي في غرب اسيا، في الوقت الذي كانت فيه فقيرة تحت الحكم الاشوري. كانت بابل اكبر مدن العالم المتحضر. استمر نبوخذنصر بادامة شبكة قنوات المياه و انشأ العديد من القنوات الثانوية جاعلا من الارض اكثر خصوبة مما هي عليه. وازدهرت التجارة في عهده.
احاقت بجنوب دولة بابل مشاكل مهلكة ، فقد هاجمتها عيلام في 664. وجاء هجوم آخر في 653 ، حيث ارسل آشور بانيبال جيشا كبيرا ألحق بالعيلاميين هزيمة نكراء. وقتل ملكهم مما شجع بعض الولايات العيلامية على الانفصال. لم تعد لعيلام القوة الكافية لاستعادة دورها الفعال في المجالات الدولية. كان لهذا الانتصار نتائج مهمة لبابل.
اصبح شاماش شوم اوكن متعبا بسبب اهماله من قبل اخيه الذي فرض سيطرته. لقد شكل شاماش شوم اوكن تحالفا سريا في عام 656 مع الايرانيين، والعيلاميين والاراميين والعرب والمصريين، موجها ضد آشوربانيبال. ربما كان انسحاب العيلامين المندحرين من التحالف هو السبب في الهجوم غير المكتمل الاعداد من قبل شاماش شوم اوكن في نهاية عام 652 دون الانتظار للمساعدة الموعودة من مصر.
بعد ان اخذ آشور بانيبال على حين غرة، استطاع من لملمة جيشه. هزم الجيش البابلي واسر شاماش شوم اوكن في مدينته الحصينة بابل. ولم يتمكن حلفاؤه من الصمود امام الآشوريين. وهزمت امدادات العرب المحملة على الجمال. وبقيت مدينة بابل محاصرة لمدة ثلاث سنوات. وسقطت في عام 648 وسط مشاهد مذابح مروعة، ومات شاماش شوم اوكن في قصره المحترق.
بعد عام 648 شن الاشوريون عدة هجمات تاديبية على العرب،محفزين بهذا روح الاندفاع والقتال لدى القبائل العربية لسنوات قادمة. كان الهدف الرئيس للاشوريين هو تامين استقرار نهائي لعلاقاتهم مع عيلام. ان رفض دولة عيلام عام 647 تسليم امير آرامي كان سببا في هجمات جديدة تغلغلت معها جيوش الاشوريين عميقا في الاراضي العيلامية. وقد اعقب ذلك الصولة على العاصمة سوسة المحصنة بقوة ربما في عام 646
. دمر الاشوريون خلالها المدينة بضمنها المعابد والقصور. واحتلوا اراض شاسعة. وكالمعتاد فقد تم نفي اصحاب الاراضي والطبقة العليا الى بلاد آشور ومناطق اخرى من الامبراطورية واصبحت عيلام مقاطعة آشورية. وامتدت سلطة الدولة الاشورية الى جنوب شرق ايران. ودفع سيروس الاول الجزية واعطى رهائن الى نينوى. متعشما في تامين الحماية لحدوده مع ميديا. لا يعرف الا القليل عن أواخر سنوات حكم اشوربانيبال.
لقد ترك اشوربانيبال الهاما اكثر ممن اعقبه من الملوك. لم تسجل معاركه دائما بتسلسل زمني ولكنها جمعت كمجموعات حسب الغايات منها. ان عدد معاركه تسجله الذاكرة. احدى اهم مآثره هي تاسيس مكتبة القصر العظيمة في نينوى ( كويونجق الحديثة)، والتي تعتبر اليوم احدى اهم المصادر لدراسة التاريخ القديم لبلاد مابين النهرين .
ولقد اشرف الملك نفسه على انشائها. ولقد حفظ اكثر من نسخة من الاعمال المهمة، بعضها كان مخصصا للاستخدام الشخصي للملك. ان اعمال الترتيب قد سحبت تجربة قرون من ادارة تجميع كميات كبيرة من اراشيف المعبد مثل تلك الموجودة في آشور. يتحدث آشوربانيبال في احدى مخطوطاته عن انه صياد متلهف لصيد الحيوانات الكبيرة، وكيف انه حصل على متعتها خلال صراعه مع الاسود المهاجمة.
هناك في قصره في نينوى صفوف طويلة من مشاهد الصيد تظهر حذاقة الفنانين في النحت البارز؛ وصل الفن الاشوري بهذه المنحوتات الى قمته. بمسلسلات تحكي عن حروبه وخاصة الحروب التي خاضها في عيلام، تعج المشاهد بالشخوص البشرية. وتلك التي تظهر المعارك ضد القوات العربية على جمالها هي ابدع ما تم تنفيذه.

احدى اسباب بقاء الامبراطورية الاشورية لمدة طويلة هو ممارسة التهجير لاعداد كبيرة من سكان المناطق المحتلة وتوطينهم في اماكن اخرى. لقد منع هذا الاجراء الوطنين من المناطق المحتلة من استعادة قوتهم. وبنفس الاهمية كان تعيين العديد من الموظفين المدنين الاكفاء في الاراضي المحتلة تحت امرة ضباط مدربين. كانت اعلى درجة وظيفية هي "تارتان"، وهي كلمة حرانية.
ولقد مثل التارتان الملك ايضا خلال غيابه. المرتبة الاقل كان ملاحظ القصر، وهو حامل الصواع، واداري القصر وحاكم آشور. غالبا ما كان القادة يحتلون مراكز رسمية عالية، وخاصة في المقاطعات. كان عدد موظفي الدولة يقارب ال 100.000 أغلبهم من مواطني المقاطعات المحتلة. ولقد اصبح الاسرى عبيدا ثم اطلق سراحهم.
لم تكن هناك قوانين معروفة للامبراطورية\ن بالرغم من ان المستندات تشير الى وجود قواعد وضوابط للعدالة. كان الذين يفسخون العقود عرضة لعقوبات شديدة، وحتى في حالات الاهمية القليلة فان التضحية بابن او اكل رطل من الصوف وشرب كميات كبيرة من الماء بعد ذلك مما يؤدي الى موت مؤلم. كان للمراة مكانة سفلى، ماعدا الملكة وبعض الاميرات.
ولا تتيسر دراسات مفصلة عن الوضع الاقتصادي لتلك المرحلة. اما النبلاء اصحاب الاقطاعيات فقد استمروا على لعب دور مهم، اضافة الى التجار في المدن. ان الزيادة في كميات المعادن الثمينة – والتي كانت تستلم كجزية او تؤخذ كغنائم – لم تشوش الاستقرار الاقتصادي في العديد من المناطق. لقد ادت الرعاية الملكية ورعاية المعابد الى ازدهار الفنون والحرف خلال هذه الفترة. ان سياسة توطين الاراميين وغيرهم من سكان الاراضي المحتلة في الدولة الاشورية قد جلب العديد من الفنانين والحرفيين الموهوبين الى المدن الاشورية، حيث قدموا اساليب وتقنيات جديدة. كان اصحاب الدرجات العليا من الموظفين، والذين غالبا هم من المتنفذين، عملوا على ان تستفيد مراكز المقاطعات كذلك من هذا النمو الاقتصادي والحضاري.
اصبحت حران اهم مدينة في القسم الغربي من الامبراطورية؛ اما مستوطنة حوزيرينا الجاورة ( حاليا سلطان تبه في شمال سوريا)، تم اكتشاف بقايا اثار مكتبة مهمة. عثر على القليل من النصوص الارامية من هذه الفترة؛ ان مناخ بلاد مابين النهرين لا يصلح لتخزين البردي والجلود التي كانت النصوص تكتب عليها. لا تتيسر ادلة على وجود موروث تعليمي بلغات اخرى منطوقة ضمن حدود الامبراطورية الاشورية في ذلك الوقت، ماعدا بعض المناطق الساحلية من سوريا وفلسطين.
تخلفت بابل من الناحيتين الاقتصادية والثقافية عن آشور في هذه الفترة. ان الحروب مع الدولة الاشورية ( وبالاخص الاندحار المأساوي في 689 و 648) اضافة الى العديد من الحروب القبلية الصغيرة قد اثؤت على التجارة والانتاج الزراعي. اما المعابد البابلية العظيمة فقد كانت باحسن حال خلال هذه الفترة، مادامت تحظى بالرعاية الملكية الاشورية. حفظت بعض الوثائق من المعابد فقط. هناك دلائل تشير الى ان مدارس النسخ والتاليف استمرت بالعمل وان كتابات بالسومرية كانت قد حررت للملك شاماش شوم اوكن. مقارنة بالتطور الاشوري فان فن التصوير كان مهملا ولربما وجد الفنانون البابليون عملا لهم في آشور.
بدا الناس خلال هذه الفترة باستخدام اسماء الاسلاف مثل الالقاب؛ لربما كان ازدياد هذه الظاهرة مؤشرا الى تقلص حجم بعض العوائل القديمة. خلال هذه الفترة فان اسلوب الحياة الارامي كان قد بلغ المدن القديمة لدولتي بابل وآشور.
يظهر ان هذه الحقبة لم تكن مثمرة من الناحية الادبية في كل من بابل وآشور. ففي آشور هناك العديد من الكتابات الملكية، بعضها بطول 1.300 سطرا كانت من ضمن اهم النصوص، حتى ان بعضها كان متنوعا في المحتوى ومنشأ باسلوب جيد. معظم التراتيل والصلوات كانت مكتوبة بالاسلوب التقليدي. والعديد من الايحاءات ، وغالبا كان محتواها غريبا، كانت مكتوبة باللهجة الآشورية، غالبا معظمها من قبل كاهنات عشتار آلهة اربيلا. لوحظ في آشور كما في بابل بدايات الادب التاريخي الحقيقي، وبقي معظم المؤلفين غير معروفين لحد الوقت الحاظر.
بقي الالهة التقليديون الكثر يعبدون في بابل واشور في المعابد الكبيرة والصغيرة كما في الايام الاولى. كانت الطقوس التفصيلية تنظم القرابين وتفسيرات الشعائر التي كانت تختلف احيانا واحيانا اخرى كانت غريبة جدا.
انشات مراصد فلكية في بعض ابراج المعابد ( الزقورات). اقدمها قد يكون مرصد معبد نينورتا في كلخ في الدولة الاشورية والذي يرجع تاريخه الى القرن التاسع ق م ؛ ولقد دمر مع المدينة في 612.
اهم مرصد في بابل من حوالي عام580 كان في زقورة اتيمنانكي في معبد مردوخ في بابل. اما في الدولة الاشورية فان رصد الشمس والقمر والنجوم كانت قد وصلت الى مستوى عال جدا؛ ولقد عرف حساب الخسوف القمر ومواعيد حدوثه. بعد عام 600 فان الرصد الفلكي وحساباتها كانت قد تطورت بشكل منتظم ووصلت الى اعلى نقطة بعد عام 500 ق م حين بدا البابليون والاغريق تعاونهم المثمرة. بدا التقويم الفلكي غير الكامل في بداية 652 وغطى حوالي 600 سنة.

سقوط الامبراطورية الاشورية
بقي القليل من المصادر التاريخية لاخر 30 سنة من الاميراطورية الاشورية. لايوجد كتابات لاشوربانيبال بعد عام 640 ق م، وان القليل من الكتابات لخلفه تحوي على تلميح غامض عن الامور السياسية. هناك صمت قد يكون مطبق فيما يخص الدولة البابلية لغاية 625 ق م حيث يعود التسلسل الزمني.
ان الانهيار السريع للامبراطورية الاشورية كان يعزى سابقا الى الهزائم العسكرية، على الرغم من انه ليس من الواضح كيف كان من الممكن لدولتي ميديا وبابل من تحقيق ذلك لوحدهما. الاعمال الاحدث تشير الى انه بعد عام 635 حدثت حرب اهلية، اضعفت الامبراطورية بحيث لم تكن قادرة على الوقوف ازاء اي جيش اجنبي.
كان لاشوربانيبال ابنين توأمين. عين "آشور-اتيل –الاني" وليا للعهد، ولكن اخاه التوأم "سن-شار-إشكون"، لم يعترف به. اجبر القتال بينهما وبين انصارهما الملك الكبير على الانسحاب الى حران، على الاكثر في 632 ، ربما كان يدير الحكم من هناك على القسم الغربي من الامبراطورية حتى وفاته في 627 .
حكم آشور-اتيل-الاني آشور من حوالي 633، ولكن القائد "سن-شوم-ميشر" سرعان ما ثار ضده واعلن نفسه ملكا بالمقابل. وبعد عدة سنوات (629؟) استطاع "سن-شار-اشكون" اخيرا من تولي العرش. يمكن العثور على تواريخ الملوك الثلاثة في الوثائق البابلية. لزيادة التشويش، فانه لغاية 626 هناك تواريخ ايضا لاشوربانيبال وملك يدعى كاندالانو. في عام 626 ثار نبوخذنصر الكلداني (نبو أبال اوشور) من الوركاء "اوروك" واحتل بابل. كان هناك العديد من التغييرات في الحكومة. واجبر الملك آشور اتيل ايلاني على الانسحاب غربا حيث مات في وقت ما بعد 625.
حوالي عام 626 اضاف السيثيانيون اراض جديدة الى سوريا وفلسطين. في 625 توحد الميديون تحت حكم سياخارس وبدأوا باحتلال المقاطعات الايرانية من الدولة الاشورية. احدى الحوادث المتسلسلة تشير الى حروب بين سن شار اشكون ونبوبلصر في بابل في 625-623 . لم يمض طويلا حتى طرد الاشوريون من بابل. في 616 هاجم الميديون نينوى، ولكنهم صدوا من قبل السيثيون حسب المؤرخ الاغريقي هيرودوتس. وعلى اية حال ففي 615 احتل السيثيون "ارابخا" (كركوك)، وفي 614 استولوا على العاصمة القديمة آشور، وقاموا بنهبها وتدميرها.
قام سيخارس ونبوبلصر بالتحالف من اجل تقسيم الدولة الاشورية. في عام 612 خضعت كلخ ونينوى لقوة الحلفاء العظيمة. ان الانتقام الذي اخذ من الاشوريين كان فظيعا: فبعد 200 سنة وجد خينوفون الدولة قليلة السكان.
مات ملك آشور سن شار اشكون في قصره المحترق. وتوج قائد الجيش الاشوري في الغرب نفسه ملكا في مدينة حران، منتحلا اسم مؤسس الدولة الاشورية، آشور اوباليت الثاني (611-609 ق م). كان على آشور اوباليت مواجهة كل من البابليين والميدين. قاموا باحتلال حران في 610 دون ان يدمروا المدينة تماما. في 609 كان على بقية القطعات الاشورية ان تستسلم. بهذا الحدث انتهى تاريخ الدولة الاشورية . وان الامبراطوريات العظيمة التي اعقبتها تعلمت الكثير من الاشوريين، في مجال الفن وكيفية تنظيم دولهم.
قائمة الملوك الاشوريين
الامبراطورية البابلية الجديدة
لم تتم تهدئة الكلدانيين الذين كانوا يقطنون المنطقة الساحلية للخليج الفارسي، من قبل الاشوريين. ففي حوالي 630 اصبح نبوبلاصر ملكا على الكلدانيين. في 626 اخرج الاشوريين بالقوة من اوروك (الوركاء) وتوج نفسه ملكا على بابل. لقد ساهم في الحروب التي كانت تهدف الى تدمير الدولة الاشورية. وبنفس الوقت بدا باعادة تشغيل شبكة القنوات المائية المخربة في المدن البابلية وخاصة في مدينة بابل نفسها. ولقد حارب الملك الاشوري آشور اوباليت الثاني وثم حارب المصريين، قوبلت نجاحاته بسوء الحظ. مات نبوبلاصر في بابل عام 605.

نبوخذنصر الثاني
سمى نبو بلاصر ابنه الكبير بنبوخذنصر تيمنا بالملك الشهير للسلالة الثانية لاسن، ودربه بعناية لتولي العرش وشاركه في تحمل المسؤوليات. فعندما مات الاب في 605 كان نبوخذنصر مع جيشه في سوريا؛ حيث كان قد سحق المصريين قرب كارجيميش في معركة دامية قاسية وطاردهم الى الجنوب.
عاد نبوخذنصر فورتسلمه نبأ وفاة ابيه الى بابل. لا يذكر نبوخذنصر في كتاباته على العديد من الابنية، الا القليل عن حروبه الكثيرة؛ وكلها تنتهي بالصلوات. ان التسلسل البابلي للاحداث يمتد فقط للسنوات 605 – 594 ، ولا يعرف الكثير من مصادر اخرى عن السنوات الاخيرة لهذا الملك الشهير. كان يذهب غالبا الى سوريا وفلسطين، لطرد المصريين منها. في عام 604 احتل المدينة الفلسطينية أشكيلون.
حاول في 601 دفع المصريين الى مصر ولكنه اجبر على الانسحاب بعد معركة دامية غير محسومة من اجل اعادة تنظيم جيشه في بابل. اثر بعض الحملات التاديبية الصغيرة ضد العرب في سوريا، هاجم فلسطين في نهاية 598. ثار جيهوياكيم ملك جودا مؤملا على دعم من مصر. وحسب تسلسل الاحداث التاريخي فقد احتلت القدس في 16 آذار 597. ومات الملك جيهوياكيم خلال الحصار،
وتم سبي ابنه جيهوياجين مع 3000 من اليهود اسرى الى بابل. تمت معاملتهم بصورة جيدة حسب الوثائق. وعين زيدكيا ملكا جديدا. في عام 596 حين جاء الخطر من الشرق سار نبوخذنصر الى نهر دجلة مجبرا العدو على الانسحاب. بعد سحق الثورة في بابل بطريقة دموية جهز حملة اخرى الى الغرب.
ثارت جودا ثانية في 589 حسب العهد القديم، وتمت محاصرتها. سقطت المدينة في 587/586 ودمرت تماما. واخذ عدة آلاف من اليهود اسرى الى بابل، والحقت بلادهم كمقاطعة بالامبراطورية البابلية. ويذكر ان الاحتلال المصري كان سبب الثورة حيث تم التغلغل الى سيدون. وقام نبوخذنصر بمحاصرة تاير لمدة 13 عاما دون ان يتمكن من دخولها لعدم امتلاكه اسطولا بحريا. في 568/567 عاود مهاجمة مصردونما نصر يذكر ولكن توقف المصريون منذ ذلك الوقت من مهاجمة فلسطين. عاش نبوخذنصر بسلام مع دولة ميديا طول فترة حكمه وتوسط بينها وبين ليديا في حربهم 590 – 585 .
امتدت الامبراطورية البابلية في عهد نبوخذنصر الى الحدود المصرية. كان لديها نظاما اداريا جيدا. بالرغم من انه كان نبوخذنصر يفرض ضرائب وجزية عالية من اجل ادامة جيوشه والاستمرار في مشاريع البناء، جعل نبوخذنصر دولة بابل من اغنى الاراضي في غرب اسيا، في الوقت الذي كانت فيه فقيرة تحت الحكم الاشوري. كانت بابل اكبر مدن العالم المتحضر. استمر نبوخذنصر بادامة شبكة قنوات المياه و انشأ العديد من القنوات الثانوية جاعلا من الارض اكثر خصوبة مما هي عليه. وازدهرت التجارة في عهده.
لقد فاقت فعاليات نبوخذنصر الانشائية كل فعاليات الملوك الاشوريين. لقد حصن جدران بابل المزدوجة مضيفا جدارا ثالثا خارج الجدار القديم. اضافة الى ذلك فقد اقام جدارا آخر، هو الجدار المدياني الى الشمال من المدينة بين نهري دجلة والفرات. حسب تقديرات الاغريق يمكن ان يكون هذا الجدار بارتفاع 100 قدم. ولقد وسع القصر القديم مضيفا العديد من الاجنحة، بحيث اصبح للدوائر المركزية للامبراطورية مئات الغرف وقاعات داخلية كبيرة.
ولقد زينت الجدران بالبلاطات الملونة المزججة والمنحوتات نصف البارزة. واضيفت حدائق عرفت فيما بعد بجنائن بابل المعلقة. لا بد وان هذه المشاريع تطلبت مئات الالاف من العمال. وكانت المعابد غايات ذات اهتمام خاص، فلقد سخر نفسه اولا واخيرا لاكمال معبد اتيمينانكي "برج بابل". بدأ العمل بانشاء هذا المعبد في عهد نبوخذنصر الاول، حوالي 1110 . وكان كبناية اثرية لغاية حكم الملك الاشوري اسرحدون، والذي عاود البناء حوالي عام 680 لكنه لم يكمل. استطاع نبوخذنصر الثاني من اكمال البناء باكمله. يمكن العثور على الابعاد الحقيقية لمعبد اتيمينانكي في الواح اساكيلا والتي عرفت منذ القرن التاسع عشر. ابعاد القاعدة حوالي 300 قدما لكل جانب وبارتفاع 300 قدما ايضا. هناك خمس مدرجات على شكل ممرات تحيط بالمعبد، وان ارتفاع المعبد ككل كان ضعف بقية المعابد. ان الشارع العريض الذي كان يستخدم للمواكب كان يمر من الجهة الشرقية بالجدار الداخلي للمدينة متقاطعا مع باب عشتار الكبير والذي يعرف عالميا ببلاطاته الملونة ومنحوتاته نصف المجسمة. وبنى نبوخذنصر العديد من المعابد الصغيرة في شتى ارجاء البلاد.

آخر ملوك بابل
آول مردوخ ( والمسمى مردوخ الشرير في العهد القديم 561 – 560)، هو ابن نبوخذ نصر، لم يتمكن من نيل اسناد كهنة الاله مردوخ. لم يستمر حكمه طويلا، وسرعان ما ازيل. اما نسيبه وخلفه، نيركال شار اوشور ( والمسمى نركيلصر في المصادر القديمة؛ 559-556)، فقد كان قائدا عسكريا قاد حملة في 557 في اراضي السلجوقيين الوعرة والتي كانت تحت سيطرة الميدين. كانت قطعاته الارضيه يسندها الاسطول . اما ابنه الاصغر لاباشي مردوخ فقد اغتيل بعيد ذلك بقليل، على ادعاء انه لم يكن يصلح لمنصبه.
آراميان نابونيدوس كان الملك التالي (نبو نايهه 556-539) من حران، احد اكثر الشخصيات ابهاما في العصر القديم. كانت امه "أداجوبه" ، كاهنة للاله سن في حران، جاءت الى بابل وتمكنت من تامين منصب مهم لابنها في القصر. ولقد كافأها اله القمر لطاعتها وتقواها بعمر مديد -- فلقد عاشت 103 سنوات – ودفنت في حران في 547 بكل حفاوة الملكة. ليس من المعروف اي الجهات المتنفذة تلك التي دعمت عرش نابونيدوس؛ قد تكون جهة مناوئة لكهنة مردوخ، والذي اصبح ذا سلطة عظيمة.
غزا نابونيدوس سيليسيا في 555 وامن حصار حران، والتي كانت تحكم من قبل ميديا. ولقد وقع معاهدة دفاع مع الملك الميدي استياجيس ضد الفرس الذين اصبحوا خطرا متزايدا منذ 559 تحت حكم ملكهم سيروس الثاني. ولقد كرس جهده ايضا لتجديد العديد من المعابد، موليا اهتماما كبيرا بالكتابات القديمة. ولقد فضل الهه سين وكان له من بين كهنة الاله مردوخ اعداء اقوياء. لقد عثر من خلال الحفريات الحديثة على شضايا الواح فيها قصائد للدعاية كتبت ضد نابونيدوس واخرى معه.
ان المشاكل الداخلية والاقرار بان الشريط الضيق من الارض الممتد من الخليج الفارسي الى سوريا لا يمكن الدفاع عنه ضد هجوم رئيس من الشرق، دفع نابونيدوس الى ترك بابل في حدود 552 والعيش في تايما في شمال الجزيرة العربية. هناك قام بتنظيم مقاطعة عربية. اما ولي عهده في بابل فقد كان ابنه " بلشار اوسور"، "بلشصر" حسب كتاب دانيال في الانجيل. لقد حول سيروس هذا لصالحه بان ضم اليه ميديا في 550 .
وبالمقابل تحالف نابونيدوس مع الملك الليدي كرويسوس من اجل محاربة سيروس. الا ان سيروس عند مهاجمته ليديا وضمها اليه في 546 لم يتمكن نابونيدوس من مساعدة كرويسوس. كان سيروس مستبشرا بالوقت. في عام 542 عاد نابونيدوس الى بابل حيث كان ابنه متمكنا من ادامة النظام في الامور الخارجية ولكنه لم يستطع من التغلب على المعارضة الداخلية المتزايدة ضد والده.
ونتيجة لذلك، كانت حياة نابونيدوس العملية قصيرة بعد عودته، بالرغم من محاولته الحثيثة على كسب ود البابلين. وعين ابنته لتكون كاهنة للاله سن في اور، وبهذا عاد الى التقاليد الدينية السومرية-البابلية القديمة. كان كهنة مردوخ يتطلعون الى سيروس آملين اقامة علاقات معه افضل من تلك التي مع نابونيدوس؛ واعدين سيروس على تسليم بابل دون قتال ان هو منحهم حقوقهم بالمقابل.
في عام 539 هاجم سيروس شمال الدولة البابلية بجيش كبير ملحقا بنابونيدوس الهزيمة، ودخل مدينة بابل دونما قتال. ولم تبد بقية المدن مقاومة ايضا. ولقد استسلم نابونيدوس واستلم مقاطعة صغيرة في شرق ايران. لقد خلطت المصادر بينه وبين سلفه العظيم نبوخذنصر الثاني. ويشير كتاب دانيال اليه في الانجيل نيبوخذريزار.
ان تقديم بالبل بسلام الى سيروس حماها من ان يكون مصيرها مصير الدولة الاشورية. فقد اصبحت مقاطعة تحت حكم التاج الفارسي ولكنها احتفظت باستقلالها الثقافي. حتى الجزء الغربي من بابل المؤلف من خليط عرقي فقد استسلم دون مقاومة.
لقد انهك البابليون في 620 من الحكم الاشوري. ولقد تعبوا ايضا من الصراعات الداخلية. لذا فلقد كان من السهل اقناعهم لتقديم الطاعة للملوك الكلدانيين. فكانت النتيجة اندماج اجتماعي واقتصادي سريعين بشكل مدهش، ومما ساعد على ذلك انه بعد سقوط الدولة الاشورية، لم يعد هناك خطر خارجي يهدد الدولة البابلية لما يزيد عن 60 عاما.
كانت المعابد في المدن جزءا مهما من الاقتصاد، فكانت لها فوائد شاسعة تحت امرتها. واستعادت طبقة رجال الاعمال قوتها، ليس في مجال التجارة فحسب بل في ادارة الزراعة في المناطق الحضرية. لقد ازدهرت تربية الحيوانات ( الاغنام والماعز والابقار والخيول) اضافة الى مزارع الدواجن. ان زراعة الذرة والتمور والخضراوات قد ازدادت اهميتها. ولقد بذل الكثير لتحسين المواصلات، بشقيها البري والمائي مع المقاطعات الغربية للامبراطورية.
لقد كان لسقوط الامبراطورية الاشورية نتائج منها ان العديد من الروافد التجارية كانت قد عادت لتصب في بابل. ومن نتائجه الاخرى ان بابل اصبحت مركزا عالميا.
ان الكميه الهائلة من مواد التوثيق والمراسلات التي امكن انقاذها لم يجر تحليلها بعد. لم يجر تطوير نظام قانوني او اداري جديدين خلال هذه الفترة. ولقد تحولت اللهجة البابلية تدريجيا الى الارامية؛ كانت لا تزال تكتب مبدئيا على الالواح الطينية مضافا اليها حروفا ارامية. لم تصمد الوثائق المكتوبة على البردي او الجلود . على عكس التطور في الميادين الاخرى فليس هناك دلائل تشير الى ابداع فني. ماعدا بعض الكتابات الملكية، وخاصة نابونيدوس، والتي لا يمكن مقارنتها من وجهة النظر الادبية بتلك التي عند الاشوريين، فان الجهد الرئيس كان منصبا على اعادة كتابة النصوص القديمة. اما في مجال الفنون الجميلة، فان بعض التماثيل الصغيرة فقط هي التي تشير الى اتجاهات جديدة.
المصدر : العراق عبر العصور : طارق فتحي
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى