مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* قصص قصيرة : هيام هيام - الجزء الثالث

اذهب الى الأسفل

* قصص قصيرة : هيام هيام - الجزء الثالث Empty * قصص قصيرة : هيام هيام - الجزء الثالث

مُساهمة  طارق فتحي الخميس أغسطس 02, 2018 10:44 pm

هَيام .. هِيام  
طارق فتحي
في مكتب السيد الرائد وهو يصغي لمعاناة هيام واولادها الاربعة . تقدم الحرس المرافق بقدح ماء وكوب من الشاي الساخن وضعه امامه اخذ تحية الانصراف ابلغه الرائد بعدم السماح لاحد بالدخول ريثما يتم الانتهاء من استجواب المرأة . انفرد ثانية بها واكملت هذه المرة قصتها بالتفصيل الممل . سألها عن اسم زوجها ولما ذكرت له اسمه انتفض الرائد كالمصروع . ما هذا الكلام الرفيق خالد هو زوجك .؟ نعم استاذ هو بعينه الله يرحمه . مصطفى سالم جواد تاجر السيارات في عمان هو اخيك .؟ نعم استاذ وهو من دبر وخطط لخروجنا من بغداد .
جلس الرائد ثانية متوسد مقعده بعد ان قام من جلسته بلا شعور لهول ما سمع من الكلام . اسمعي هيام الرفيق خالد ابن خالتي . ونحن الاقارب لا نعلم انه متزوج . كتم خبر زواجه عن الجميع حتى عن رفاقه الحزبيين . وهذا يعني انه لا يوجد مؤشر عليك اطلاقا والا كان ورد اسمك في المنافذ الحدودية للبلد . اما اخيك فلقد كان صديق المرحوم واوصاني به في حينها كثيراً . وهو الان تاجر سيارات في منطقة الزرقاء في عمان صحيح الكلام . نعم استاذ هو كذلك مثلما تفضلت .
اسمعي هيام لقد خرج الموضوع من يدي والكل شاهدوك هنا في المخفر الحرس المراتب والمخابرات والامن . سارجعك الى بغداد مخفورة بيد احد الضباط  ممن اثق بهم . بكتاب رسمي وبتوقيعي  . الكتاب لن يدخل في سجلات الصادرة والواردة . سادبر الامر مع ذاتية المخفر القلم السري . وسوف يوصلك الضابط الى دارك في الدورة بصحبة اولادك وساسفرك الى بغداد فورا بحجة الاطفال فليس لدينا مكان مخصص لهم هنا . اتفقنا .
نعم استاذ ولكني اريد ان التحق باخي في عمان بعد ان توفي والداي فلم يعد لي احد في العراق غير اخوي مصطفى في عمان ومحمد في اوربا يكمل دراسته هناك . لا عليك اختي هيام سادبر الامر مع سائق الشاحنة ابو عاطف واحدد له موعداً جديداً ليجلبكم  من بغداد مرة ثانية على ان اكون انا مدير المخفر بعد الانتهاء من اجازتي التي ستبدأ بعد يومين .
اتفقنا اخت هيام . نعم استاذ اتفقنا .  اوصيك فقط  بالكتمان . امر الرائد بجلب اولادها الى المكتب حيث امهم وطبع الكتاب بنفسه وارسل على الضابط المؤتمن وتم اقتياد هيام واولادها الاربعة بسيارة الضابط المأمور وخرجوا من المخفر عائدين الى بغداد . في نفس الوقت تفاهم مع ابو عاطف سائق الشاحنة وحدد له موعداً يجلب به هيام بعد مرور خمسة عشرة يوما بالتمام والكمال . اطلق سراحه وشاحنته فغادر مخفر طريبيل الحدودي باتجاه مخفر المملكة الاردنية الهاشمية .
مرت الايام الخمسة عشر ثقيلة على هيام واولادها . حتى طرق بابهم ابو عاطف ثانية . خلال ساعة واحدة هيء الجميع وكانوا  في الطريق الى عمان . استخدم نفس اسلوبه في المرة السابقة . بعد عدة ساعات كان في شاحنته يقف فوق قبان الامان لوزن حمول الشاحنة والسيد الرائد يراقب الوضع من بعيد , ساعد في تسهيل مرورهم في اقصر وقت ممكن .
رافقه احد الحرس في قمرة القيادة ليجتاز به منفذ الخروج . وقد افلح الامر هذه المرة وماهي الا امتار قليلة يكون ابو عاطف في الاراضي الاردنية امام المخفر الحدودي للدخول الى الاردن . ركن سيارته في ممر التفتيش . دخن سيكارته بانتظار دوره وتم الامر على احسن ما يرام ,عند الخروج من ممر التفتيش انفجرت احدى اطارات الشاحنة بصوت مدوي اهتز له المكان برمته مما جلب انتباه الجميع اليه من مراتب وضباط وجنود .
تحلق الجميع حوله فاذا بهم يسمعون صراخ الاطفال وصوت نسائي يهديء من روع الجميع  تم ابلاغ العقيد الاردني حضر على وجه السرعة . تم كسر قفل خزان الوقود بمقص حديدي كبير واخرجوا هيام ومن معها الى باحة التفتيش . اصطحبتهم ضابطة الى غرف خاصة لتفتيش الجميع وبعد الانتهاء تم عرضهم على السيد العقيد مدير المنفذ الحدودي الاردني.
عند استجوابها من قبل السيد المدير مع اثنان من الضباط الحاضرين تعاطف الجميع معها حين سماع قصتها المؤلمة واطفالها الاربعة الصغار . الا ان العقيد لا يستطيع ان يفعل لها شيئا وعليه تحرير محضر بها  لدخولها  البلد بطريقة غير شرعية . وتم تسليمها الى امن الحدود  وتسفيرها بعد ذلك الى دائرة الامن العامة في وسط العاصمة عمان .  تم توقيفها مؤقتا لحين عرضها على القاضي بعد تحديد موعد للمحاكمة , اما الاطفال فاصطحبوهم  الى دار الرعاية الاجتماعية الخاصة بالموقف اظنه سجن جويدة او سجن آخر خاص للنساء .
تم تعجيل موعد محاكمة هيام بسبب الاطفال . مرت ايام قلائل حتى اتت سيارة السجن الخاصة لنقل هيام الى المحكمة للنظر فيما يحكم به القاضي في موضوع دخولها غير الشرعي للبلد.

وضعت هيام في نظارة المحكمة بانتظار دورها لتقديمها الى القاضي  مرت ساعة وساعتان اوهن هيام فيها العطش والجوع , جف ريقها وحسبت هاتين الساعتين الدهر كله . نودي على اسمها هيام سالم جواد . لم تجب كانت مرتبكة من هول الموقف ومصيرها المجهول . نودي على اسمها ثانية . هذه المرة تذكرت اسمها فاجابت المنادي بنعم .
تقدمت الصفوف حتى اصبحت اما القاضي وهيئة المحلفين وهم يحدقون بها ملياً باستثناء القاضي الذي كان مطرق الراس يراجع ملفها ويقلب في اوراقها . رفع القاضي رأسه عالياً والقى نظرة فاحصة على هيام . قال لها امرأة مثل عمرك غاية في الروعة والجمال وحسن البنية والهندام وام لاربعة اطفال , الظاهر انك في حال ميسورة كما ارى من صحتك واعتدال قامتك .
لماذا تقومين بهذا العمل الغير قانوني والغير الشرعي . ما هدفك من المملكة في كل ما قمت به من مخاطرة والتضحية باولادك .؟ من ارسلك .؟ ما الغاية من عملك الجنوني هذا .؟ ان اعترافك سيسهل عليك الكثير من الامور . بماذا تردين على هيئة المحكمة وانت مقبوضاً عليك بالجرم المشهود . ؟ اطرقت هيام رأسها وهي في حيرة من امرها لا تعلم من اين تبدأ بالرد على القاضي ولا من اين تنتهي , لف قاعة المحكمة صمت رهيب اطبق على الجميع.
في هذه اللحظة حصلت دربكة عظمية فتح باب القاعة الرئيسي والكل نهض من على مقعدة حينما  رأوا القاضي يقف مبهورا مع هيئة المحلفين . فاذا به يرحب برئيس الوزراء والهيئة التفتيشية العليا  التي كانت برفقته اعضاءاً في الارادة الملكية . اخذ السيد رئيس الوزراء مقعده في الجانب الايمن المجاور للقاضي يتوسط هيئة المحلفين . نظر الى المتهمة الماثلة امامه استفسر من القاضي عنها فاخبره الشيء اليسير . التفت الى رئيس هيئة التفتيش في اشارة منه للاستعلام عن امرها . تقدم رئيس هيئة التفتيش وسألها ما قصتك ايتها العراكية.
هنا دب الامل في قلب هيام واخذت تطيل النظر الى السيد رئيس الوزراء وهي تروي قصتها بكل تفاصيلها  حتى اعدام زوجها . امر السيد رئيس الوزراء باستدعاء وزير الهجرة والمهجرين ووزير الداخلية بالمثول امامه في دائرة الامن العامة حيث المحكمة الخاصة . وكان له ما اراد . اتصل بمدير مكتب الملك وامره بربط الخط  مع جلالة الملك حسين لامر طاريء , فعلا تم الاتصال واستحصل السيد رئيس الوزراء على ارادة ملكية بالعفو عن هيام العراكية ومنحها الجنسية الاردنية اذا رغبت هي بذلك .
تم توجيه كل من وزير الداخلية والهجرة بعمل الاجراءات اللازمة بمنحها هي واطفالها الاربعة الجنسية الاردنية  وعلى وجه السرعة , دوي تصفيق حاد من قبل الحضور في المحكمة شاركهم فيها القاضي وهيئة المحلفين . حتى ان البعض منهم كان يكفف دموعه على استحياء من الاخرين . والكل في حالة وقوف على الاقدام في موقف مهيب ورهيب .
بعدها مباشرةُ غادر الوزراء المحكمة  مع الهيئة العليا للتفتيش القضائية وتم توقيع اوراق هيام لاخلاء سبيلها اشارة الى الارادة الملكية . لم تستطيع هيام حبس دموعها وهي تغادر المحمكة الى السجن لجلب اولادها من قسم رعاية الاطفال تم استقبالها بباقة ورد من مدير السجن وقامت الضابطات باخذها  في الاحضان . اصطحبت اطفالها معها . حيث كان ابو عاطف ينتظرها  لايصالها الى اخيها  كان متابعا جيدا لتحركات هيام قبل وبعد المحكمة.
التقت هيام باخيها اسكنها واطفالها شقته الفاخرة حيث كان ميسور الحال من عمله بتجارة السيارات ونقل المواد الغذائية , اصبح يمتلك شاحنته الخاصة به . مرت الايام مسرعة واخيها مصطفى يجري على قدم وساق بين وزارة الداخلية ووزارة الهجرة والمهجرين حتى تمكن اخيرا من انهاء معاملة اصدار جوازات اردنية لها ولاولادها والحدث الاهم الذي لم يخطر على بال احداً بتاتاً هو منحها الجنسية الاردنية شرطا  لاصدار الجواز . اصبحت بموجبها هيام واولادها يتمتعون بكامل حقوق المواطن الاصلي , اشتهرت هيام في الاوساط الحكومية باسم العراكية وتم احتساب راتب شهري لها مقدارة 400 درهم اضافة الى امتيازات اخرى لها ولاولادها. كل هذا كان من مزايا حصولها على الارادة الملكية المعظمة .

استقر الحال مع هيام وهي تتمتع واولادها بمزايا منحها الجنسية الاردنية . عملت جاهدة  في استيراد وتصدير المواد الغذائية من والى بغداد – عمان من خلال مكتب اخيها وبالتالي اصبح للعراكية اسم كبير بين التجار الاردنين والعراقيين على حد سواء ,حازت على ثقة الجميع من تجار وغيرهم . مرت عليها سنوات الخير بسرع متفاوته  تتوالى عليها بين مد وجزر. كبر الاولاد الذين اصبحوا فيما بعد هاجساً كبير  يؤرق الام .
مرت بضع سنوات واولاد هيام كبروا والابن البكر اخذ يشارك خاله في سيارة البهبهان خاصتهم في التنقل بين عمان وشمال العراق, لم يصبروا مع والدتهم فاخذوا يكلفوها الشيء الكثير خصوصا انهم لم يكملوا دراستهم وفضلوا الاعمال الحرة عليها , مما استنزف الام الامر الكثير من الجهد والتعب وضياع الاموال حتى امست مستدانه لاكثر من شخص. وقعت في ورطة كبيرة عندما غادر اثنان من ابنائها الكبار الى الشام ولم يعودوا اليها .
قررت هيام اعطاء  سيارتهم الحديثة لاخيها لسداد ديونها فاشترى الخال السيارة واعطاها ما تبقى معه من المال بعد ان تم سداد دينها وسحب جميع كمبيالاتها من الدائنين فاصبحت حرة لا تخشى شيئاً.
كان قرارها الاخير ان تهاجر الى سوريا لتلتحق باولادها هناك وتقدم اوراق لجوئها هي واولادها الاربعة الى الامم المتحدة  للهجرة. وتم لها ما ارادت الا ان دائرة الهجرة في الامم المتحدة رفضت قبولها باعتبارها مواطنة اردنية وليست عراقية .
قررت العودة الى الوطن والعيش فيه كمواطنة اردنية الا ان الرياح اتت بما لا تشتهي السفن رفض الاولاد فكرتها وتم نسفها من جذورها. هاجرت الام الى سورية مع اولادها الاخرين وبحسب رغباتهم بسبب اعمالهم ومصالحهم فيها وهكذا كان الامر.
ذات عصر يوم شامي جميل دخل نشأت ابنها الاكبر عليها الدار وبصحبته فتاة ذات خمار وحجاب يغطي جميع اجزاء بدنها . فاندهشت الام لهذا الامر, ومع انها استقبلت الفتاة بلا مبالاة لم يفوتها ان تستفسر من ابنها من تكون هذه الفتاة.؟ وكيف جلبها الى الدار.؟ علامات استفهام كبيرة تدور في عقل الوالدة التي ضحت بالكثير الكثير من اجل اولادها.
امي رايتها في الحديقة العامة جالسة لوحدها حزينة وهي تبكي . وقد هربت من اهلها بسبب محاولة تزويجها من احد ابناء عمومتها وهي لا تحبه . هربت من حلب الى الشام كي لا يجدوها  بسهولة, وقد شارفت الشمس على المغيب وهي محتارة اين تذهب خصوصا ان لا مال لديها او احد تعرفه في الشام, فهي واهلها وقسم من عشيرتها جميعهم في حلب.
كانت الام مستمعة جيدة لولدها وهو يشرح لها مسوغات جلب الفتاة الصغيرة الى دارهم, عبثا حاولت ان تفهم ولدها ان هذا الامر غير صحيح وعليه ارجاعها من حيث اتي بها , الا ان جميع محاولاتها بائت بالفشل الذريع حيث توسلها نشأت تارة بالحسنى وتوعدها تارة بترك والدته وانه احبها من النظرة الاولى وما الى ذلك .
في صباح اليوم التالي ذهبت الام الى مختار المحلة واخبرته بالامر, وفي عصر نفس اليوم طرق بابهم المختار بصحبته اثنان من وجهاء المحلة وشيوخها, وتداولوا الامر مع نشأت وعندما تبين لهم اصراره على تمسكه بها اخذوا الجميع الى الجامع القريب لهم وفي غرفة شيخ الجامع تم عقد قرانهما وفق الشريعة الاسلامية , في صباح اليوم التالي صدقوا العقد في محكمة الاحوال الشخصية ومن هناك الى سوق الحميدية اشتروا لها الملابس والمصوغات الذهبية وقفلوا عائدين الى دارهم دون ان يعملوا حفل زفاف او غيرها من امور العرس المعروفة لدى المجتمع .
مرت سنتان على زواج نشأت تغيرت فيها بعض الامور وتبدلت الاحوال نزعت فيها الزوجة الحجاب وهيام قلقة جدا من مصير هذا الزواج ولا حيلة لها في الامر, في احد الايام بينما كان نشأت وزوجته يتناولون الفاكهة من على جبل قاسيون في عصر يوم جميل والسعادة تغمرهما كانهما ملكا الدنيا بما رحبت شابين جميلين متحابين في مقتبل العمر الوجد والهيام ياخذهم  الى عش احلام العصافير, فاذا بامرأة منقبة تسحب الزوجة من شعرها وتطرحها ارضاً وتدوس عليها باقدامها تحت ناظري وذهول زوجها مما يحصل . جميع الحاضرون يشاهدون ما يحصل امام ناظريهم فاتى صاحب الكازينو ليفرق الجميع , تدخلت احد النسوة الكبار في فض الاشتباك, اختفت المرأة المهاجمة بسرعة الريح بين اشجار جبل قاسيون هبوطا الى الوادي .
كانت الصدمة شديدة على زوجها وعند الاستفسار منها لما حصل للتو اجابته زوجته انها خالتي شقيقة امي , حتما ستخبر اهلي بالموضوع وهنا الطامة الكبرى بعد ان قلت لها انه زوجي وليس كما تظنين, عادا بعد ذلك مباشرة الى الدار واخبروا الوالدة بما حصل واستفسروا منها , ما العمل؟
اخذت الام هيام تلطم وجهها وشقت جيبها لعلمها ان عشيرتها ستذبح ولدها ذبح النعاج, هرعت من فورها الى المختار لنجدتها وايجاد طريقة سليمة لحل مشكلتها مع اهل زوجة ولدها البكر وحبيب قلبها نشأت , امهلها المختار قليلا ليتشاور في الامر مع وجهاء وشيوخ المحلة . كان قرار المختار ان تذهب الوالدة لوحدها الى اهل زوجة ولدها في حلب وتشرح الموضوع لهم كما حصل تماماً  وان ابنتهم الان زوجة محترمة على شرعة الله وفي الصدق نجاة, الا ان هيام لم تقتنع ان تذهب لوحدها فتوسلت المختار ومن معهم من الشويخ فوافق اثنان منهم على ان ياتوا معها بصحبة المختار ولكنهم لا يدخلون الدار بل ينتظرون في مكان قريب نتائج ما تؤول اليه الامور فوافقت هيام على مضض.
تم الاتفاق على يوم محدد قريب وذهبوا جميعا الى حلب انتظر الرجال في مكان قريب من العنوان بينما دخلت ام نشأت بكامل زينتها وملابسها الجديدة الراقية مع بعض المخشلات الذهبية وكانت هيئتها اقرب من المشاهير المعروفين اعلاميا الى امرأة مسكينة محطمة من الداخل لعل رؤيتها بهذا المظهر الآخاذ يخفف عن القوم غلوائهم وحنقهم وحقدهم, وقف الجميع رجالا ونساءا على اقدامهم مذهولين بدخول اميرة حسناء مرهوبة الجانب جميلة المحيا كانها من سلالة الملوك والامراء . وسط ذهول القوم  القت عليهم التحية , شخصت الاب من بينهم لكبر سنه ومكان موقعه من الجلسة .
تقدمت هيام بخطى واثقة رويدا رويدا نحو الاب , اثنت ركبتيها جلست قبالته ثم رفعت خمارها فاطل منه وجها كالبدر اذا اطلً وكشفت عن رقبتها وانحنت امامه قائلة اذبحني انا عوضا عن نشأت وزوجته جئتك من الشام اسلم رقبتي لك لتفعل بي ما تشاء على ان تغفر لهما وتسامحهما وتبارك لهما زواجهما . هنا كذبت عليه وقالت انهما انجبا طفلة صغيرة غاية في الجمال بالكاد تجاوز عمرها العام الواحد .
انتفض الاب من مكان جلوسه بشكل مفاجيء وجنوني وفي حالة من الهيستريا قال لها اختي الفاضلة ولدك ليس عليه اي ذنب نحن نريد ابنتنا فقط وهي من عليها ان تدفع الثمن ليس ولدك بل علي ان اشكره كونه ستر عليها وتزوجها بشرع الله .
اسدلت هيام الحجاب على وجهها وهي تراقب المكان بعد ان هدأ روعها واستقرت انفاسها , اخذتها افكارها بعيدا بعيدا. وهي تتلفت من حولها واذا بصوت الاب يقطع صمتها بعد ان عرفها على جمهور الجالسين وعرفت منه انهم اولاد اعمامها واخوالها وبعض النسوة منهن ام زوجة نشأت نهضت ثانية وجلست قرب النساء بجانبهن.
بعد توسلات طويلة قبل الاب مسامحة ابنته على فعلتها الشنيعة وهروبها من دار اهلها ومغادرة مدينتها في حلب ولولا ستر الله علينا  لكان لها شأن آخر ونحن في بلد بعيدين عن اهلنا وعشيرتنا هذا ما قاله الاب بعصبية بادية للعيان وهو يمضغ  سيكارته كمن مسه الجنون .
تنبيه : سبق وان تم نشر قصة زواج نشأت ابن هيام . لذلك البعض منكم يستذكر القصة واتت هنا بشكل عرضي لاتمام سياقات القصة الاصلية بالكامل وحسب تسلسلها الزمني . آسف المصائب قادمة والقصة حقيقية وهيام تسردها  لي هنا في بلغاريا العاصمة صوفيا . تقبلوا تحياتي .
ام نشأت اختي الفاضلة قبلت مسامحة ابنتي فلتأتوا بها حقنا للدماء انظري عن يمينك هذا هو ابن عمها خطيبها فاذا به رجل طويل ممشوق القامة ابيض البشرة ذو عينين واسعتين غاية في الشباب والجمال . فلم تحري جواباً بقيت صامته . اردفها الاب قائلا لولا الطفلة الصغيرة لهدرت دمها وانا اقول هذا الكلام امام اولاد عمومتها واخوالها وهم كما تنظرين يزيدون عن العشرة انفار بقليل وواحد منهم يذبحها فليدخل السجن او يعدم وكفانا الله شر الخزي والعار حينها نرفع قامتنا امام العشير.
سألوها بعدئذ ان تبيت معهم هذه الليلة فاخبرتهم ان المختار ووجهاء من المحلة ينتظرونها قرب كراج السيارات وان عليها المغادرة  فالطريق طويلة زهاء الاربع ساعات حتى اصل واطمأنهم على ما حصل وعند خروجها لم تجد هيام حذائها الثمين والجديد الذي اشترته خصيصا لهذا المقابلة بثمن غالي فاعطوها  نعال متهريء من الاسفنج العادي وبرروا ما حصل بسبب اطفال المحلة . التقت هيام بالمختار ووجهاء القوم في محلتها بالشام واخذوا يعاتبونها على عدم استدعائها لهم او الاتصال بهم هاتفيا للحضور بعد ان سمعوا بما حصل وبالتفصيل الممل . قالت لهم هيام انكم خفتم واشترطتم الحضور بشرط عدم الدخول فوافقتكم على ذلك كيف تريدون ان اتصل بكم وانتم خذلتموني في الشام وبالكاد اتيتم معي . سكت الجميع وشعروا بغلطتهم لعدم مد يد العون لها بشكل جاد وتركوها فريسة لقدرها وهم الرجال وهي المرأة الوحيدة .
وصلت هيام الى دارها وحالما فتح لها نشأت الباب خرت صريعة مغمى عليها فاقدة الوعي . اعلموا المختار بذلك فطلبوا لها سيارة اسعاف ونقلوها الى اقرب مشفى للطواري حيث مكثت ثلاثة ايام في العناية المشددة (المركزة) عادت بعد ذلك الى دارها ..
وصلت اخبار هيام الى اخيها في عمان فقرر الاخير السفر الى الشام ليكون بقرب اخته بسبب وضعها المرضي وافعال ولدها نشأت وزواجه الغريب , علم انها بحاجة الى مساعدته ولو معنوياً , كان له ما اراد بعد ان اشترى له شقة صغيرة في محلة السيدة زينب استقر به المقام في الشام .
ودارت الايام عمل نشأت واخية حكمت في محل للقصابة لرجل كبير ومسن وسرعان ما تعلموا المهنة وحفظوها عن ظهر قلب , تعلق قلب حكمت بفتاة شامية صغيرة غاية في الروعة والجمال سلبت لبه واطارت له عقله , سعى حثيثاً لخطبتها والزواج بها عبثاً حاول الا ان جميع محاولاته بائت بالفشل, يوما ما رأت هيام ولدها يذبل عوده ويذوي يوما بعد يوم اصبح قليل الكلام لا يمازح امه كعادته في كل مرة مكتئب وحزين تعلو وجهه صفره وعلى محياه قتره علمت انها سوف تفقده لا محالة .
تصرفت هيام بتلقائية دون استشارة احداً ما , ذهبت الى المختار وحكت له الحكاية من البداية الى النهاية وحبه لهذه الفتاة وكيف انه خلال اشهر قليلة تغير حاله من حال الى حال توسلته كثيراً فوافق الاخير على الذهاب لخطبتها مع رهط من شيوخ وكبار المحلة بمعية امام الجامع .
ذات عصر يوم جميل قرر الجميع الذهاب الى محلة الحجيرة لخطبة الفتاة التي تولع بها حكمت الى حد الجنون بصحبة الام , ما ان عرفوا اهل الفتاة بقصة الام هيام حتى وافقوا من فورهم وتمت خطبة الفتاة لحكمت وتحديد يوم التجهيز والخطوبة وكان الخال هو المتحدث الرسمي عن الامور المالية .
في يوم الخميس المبارك خرجت هيام واخيها وولدها حكمت بمعيتهم العروس وامها بعد ان اصطحبوها من دارها وتوجهوا الى سوق كبيرة مسقفة تدعى سوق الحميدية حيث تم تجهيز العروس بالملابس الجديدة والجميلة واشتروا لها ايضا طقماً من الذهب الخالص عبارة عن قلادة ذهبية كبيرة تحمل لفظ الجلالة الله وقرطين ذهبين مع سوارين ذهبيين ومحبس ذهبي كبير مرصع بالاحجار الكريمة واختاروا لها ايضاً بدلة العرس البيضاء الفاخرة مع حذائيين رائعين مصنوعان من الجلد وحقيبتي يد جلدية بالوان مختلفة .
قفل الجميع عائدين وهم محملين بكنوز الحب والسعادة والابتسامة لا تفارق محيا الجميع تهالكوا على مقاعدهم في احد المطاعم الفاخرة لتناول الطعام والاستراحة من جهد طويل استمر لاربع ساعات متواصلة , علم صاحب المطعم انهم جمع خير وفرح وان في الامر عرس مرتقب فتصرف من تلقاء نفسه ووضع شمعة كبيرة مزينة باوراق السلوفان الملونة  في فازة صغيرة نوع ما واوقدها فوق منضدة جلوسهم مما زاد الامر فرحا وابتهاجاً بالمناسبة , كان هذا حدثا خرافيا لا يحدث حتى في الاحلام بالنسبة الى حكمت ولولا قانون الجاذبية لطار وصعد الى السماء .
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى