مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* البخاري-انواع التصوف-اهل التنزيه-خلوة القلب-الزهد-المدد-الشيخ والمريد-الرفاعية

اذهب الى الأسفل

* البخاري-انواع التصوف-اهل التنزيه-خلوة القلب-الزهد-المدد-الشيخ والمريد-الرفاعية Empty * البخاري-انواع التصوف-اهل التنزيه-خلوة القلب-الزهد-المدد-الشيخ والمريد-الرفاعية

مُساهمة  طارق فتحي السبت سبتمبر 19, 2015 7:48 am

هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة بن بذذبه الجعفى ولاء ،البخاري منشأ ،
إمام المسلمين وقدوة الموحدين وسيد المحدثين المقدم في قوله وفعله ،صاحب الفضل المتواتر و العلم الصحيح الكامل الوافر ،قد أشرقت من شرفاته أضواء الهداية اللامعة ،وصدح خطيبه على منبر الإرشاد بالحجج القاطعة ،وتصدى لإحياء السنة النبوية المصطفوية ما أجمع السلف والخلف على قبوله.

ولد رحمه الله تعالى سنة أربع وتسعين ومائة ،ونشأ بها يتيما فحفظ القرآن الكريم ،وأحاط بعلوم اللغة العربية وهو صبي ،وحبب إليه سماع الحديث وهو في المكتب ،فكان أول سماعه سنة خمس ومائتين من علماء بخارى أشهرهم " أبو أحمد محمد بن يوسف البيكندي" وكان يهابه إذا جلس أمامه لكثرة حفظه وذكائه النادر وبلاغته وقد حفظ عشرات الألوف من الأحاديث وهو في ريعان شبابه وكان أهل المعرفة يتعادون خلفه في طلب الحديث فيجلسونه في بعض الطرق فيجتمع عليه كثير ممن يكتب عنه .

وحج هو وأمه وأخوه سنة عشرة ومائتين وتخاف لطلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل أكثر ممالك الشرق من خراسان والجبل والعراق والحجاز ومصر والشام وأخذ عنه علماؤها وأئمتها ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وتفقه على مذهب الإمام الشافعي رضى الله عنه . ولما نضج علمه واجتمع له يقينه شرع في تمييز الأحاديث الصحيحة

بعد أن عرف عللها ووجوهها معرفة لم تتم لأحد قبله حتى صار نابغة زمانه ونسيج وحده وفريدة عصره والمقدم على جميع علماء الأرض. واستخرج كتابه الجامع الصحيح من ستمائة ألف حديث ست عشرة سنة و كان رحمه الله لا يضع فيه حديثا حتى يغتسل ويصلي ركعتين يستخير الله سبحانه وتعالى في ذلك العمل وقال إن جعلته حجة بيني وبين الله قد جمع فيه تسعة ألاف حديث مكرر بعضها بتكرر وجوهها فأجمع علماء السنة على أنه لم يكن فيها أصح منه وتناوله العلماء شرحا وتخريجا واختصارا وترتيبا بأوجه لا تتناهى وكان حثالتهم العبد الفقير الخاضع لجلال الله وعظمته والذليل الحقير المعترف بجهله وعجزه

(مصطفى بن محمد عمارة) الذي نقل من هذا الكتاب المستطاب "سبعمائة حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقل 2000 أيضا في كتابه مختار الإمام مسلم "وشرب من هذا البحر الذي على عذوبة مائه ملأ السفائن جواهره وأزهى بالجوار المنشآت من بنات الخاطر زواخره شم شذا عطره وتغذى بثمره واشتفى منه في أمور كان منها على غير ثلج

فأضاء صبح تحقيقها ببركة البخاري رضى الله عنه الذي أبرز للناس كتابا كان في المواعظ والآداب أكبر آية وفي جوامع الحكم أبلغ غاية وانفرد بكثرة فرائده و فوائده و زوائد عوائده،وجزم الراوون بعذوبة وارده حتى صار حريا بأن يكتب بسواد المسك على بياض الكافور و يعاق بخيوط النور على نحور الحور ووجوه البدور وبقى طول حياته رضى الله عنه يتردد بين الأمصار ويقيم ببغداد

ونيسابور وغيرها حتى اشتاق إلى بلاده فرجع إليها وابتلي فيها بفتنة "خلق القرآن "وكان ممن يتوسط ويقول بأن ألفاظ القرآن ونقوشه مخلوقة وأن كلام الله تعالى النفسي قديم غير مخلوق،فأثار عليه والي بخارى العامة فأخرجوه من بخارى فمات في طريقه بقرية خرتنك على ثلاثة فراسخ من سمر قند سنة ست وخمسين ومائتين من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وله من العمر اثنتان وستون سنة إلا ثلاث عشرة ليلة .

رحمه الله رحمة واسعة وحشر خادمه "مصطفى"معه وأسكنه فسيح جنته؛ اللهم ساعدوني ببركة البخاري رضى الله عنه على نشره بين المسلمين ابتغاء وجهك الكريم فلا أريد جزاء ولا شكورا من أحد سوى رحمتك وعفوك ورضاك عن" مصطفى "يا رب وأن تفردني لما خلقتني له ولا تشغلني بما تكفلت لي به ولا تحرمني وأنا أسألك ولا تعذبني وأنا أستغفرك .سبحانك ربي لا أحصي ثناء عليك فلك الحمد الدائم و الشكر المقيم .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أنواع التصوف
مُساهمة  طارق فتحي في الجمعة 18 سبتمبر 2015 - 20:46

مقصودنا من أنواع التصوف الأنواع التي تسمى تصوفا عند الناس سواء أكانت منه أم لم تكن، وهي:

1. التصوف الكاذب: وهو تصوف بالاسم فحسب. ويكون هذا النوع وجها من وجوه الشعوذة والاحتيال. وأصحابه يعتمدون ضرب الشيش وما في حكمه من المنكرات والسفاهات. وهذا الصنف إن كان له شيخ فإنه يكون دجالا.

2. التصوف التبركي: وإلى هذا النوع ينتسب أغلب المتصوفة. وعماده التصديق العام بأهل الله والعمل وفق الآداب الشرعية. أما الذكر عند هذا الصنف فيكون عاما ولا سلوك لأهله؛ إنما هو تحصيل الأجر والتبرك بالانتساب إلى أهل الطريق. لكن من شرط صحة التبرك، إمساك اللسان عن القدح في من يمكن أن يكون أعلى مرتبة؛ وإلا لحق أصحابه بالصنف السابق. أما الشيخ عند هذا الصنف، فيكون من عامة المؤمنين، لا قدم له في السلوك غالبا.

3. التصوف العام: هذا التصوف متعلّقه المرتبة الثانية من الدين، التي هي مرتبة الإيمان. وأصحابه يشتغلون بالتخلية والتحلية؛ أي بعمارة بواطنهم. وسميناه عاما، لأن السلوك فيه يكون بتحصيل المقامات المعروفة، من توبة وتوكل وصبر وشكر وتسليم ورضى. والشيخ فيه يكون من عوام العارفين الذين يعملون على محو صفات النفس، لا محو النفس ذاتها.

4. تصوف عوام العارفين: الذين هم من مرتبة شيوخ الصنف السابق: وهؤلاء تكون معرفتهم إجمالية. نعني أن لهم معرفة بالحقيقة مجملة دون تفصيل في الحقائق. وهؤلاء تفنى عندهم النفس لا صفاتها فحسب؛ لكن، كل واحد يكون له ذلك على قدر ذوقه.

5. تصوف المحققين: وهؤلاء هم أئمة الطريق، خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وورثته. لهم المعرفة التفصيلية في الإجمال، والمعرفة المجملة في التفصيل. إذا تكلموا، فقد ينكر عليهم عوام العارفين. وإذا لم يُدرك غورهم، ربما نُسبوا إلى الفلسفة وهم على غير ما يقول الجاهلون؛ إنما علمهم له الإحاطة بالعلوم، فينسبهم كل ذي علم إلى العلم الذي يبدو له منهم. وهم برازخ مقيمون في مقام الجهل التام، لا يعلمهم إلا من كان منهم.

أردنا من وراء عرض هذه الأصناف أن يعلم المقبل على التصوف، أي تصوف يريد؛ ويعلم أي صنف عرض له؛ حتى يكون على بينة من أمره في القبول والرّد. والله الموفق لا إله غيره.

أهل التنزية وأسم ربك العظيم الاعظم
مُساهمة  طارق فتحي في الجمعة 18 سبتمبر 2015 - 20:44


يقول الله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[الرحمن: 78]؛ ويقول سبحانه: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}[المزمل:8]؛ ويقول سبحانه: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الإنسان: 25]؛ ويقول أيضا: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[الأعلى: 1]. فجاء الأمر بالذكر والتسبيح لاسم الرب لا للرب، بعكس ما يفهمه الناس عادة من هذه الآيات.

وأغلب أهل التنزيه من أهل العقائد، يتوهمون أنهم ينزهون الرب؛ وهذا يوقعهم في مخالفة صريح القرآن، مما يوقعهم في الشرك. والسبب أنهم لا يُدركون من الشرك إلا شرك المرتبة، ويغفلون عن شرك الحقيقة الذي هو محال؛ فيقعون في شرك المرتبة من حيث لا يشعرون.

وأمر الله لعباده بمعاملة الاسم، هو تنبيه لهم إلى كون الذات لا تُعامل من حيث هي ذات؛ وإنما تكون المعاملة بين الأسماء، التي هي تجليات في الذات. والمقصود بذكر اسم الرب، هو معرفة تجليه في النفس. وقد قال الله تعالى في هذا المعنى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً}[الأعراف: 205]؛ وإن كان الذكر في هذه الآية، لم يخصص اسم الرب، بل جاء متعلقا بالرب. وذكر الرب هنا لا يعني إلا اسم الرب، لأنه جاء مرتبطا بالنفس؛ وهذا عينه هو معنى الاسم. وإن كان يشير إلى فتح باب إلى العلم بالذات خاصٍّ، لا يعلمه كثير من الناس. نقول إلى العلم بالذات لا إلى الذات.

وأما تسبيح اسم الرب الأعلى، الذي هو الاسم الله، فيكون بمعرفة تجلياته في العلو والسفل؛ لا كما يتوهمه المنزهون أصحاب العقائد الذين يعلمون شطر التنزيه فحسب. والسبب هو أن التنزيه العقلي محصور فيما يراه العقل كمالا، بينما التنزيه الشرعي، هو تنزيه وتنزيه عن التنزيه؛ بحيث يغطي التنزيهُ جميع التجليات الإلهية.

وكل هذا الذكر والتنزيه، إنما هو إشارة إلى مرتبة الذات التي لا تُدرك إلا من وراء الأسماء؛ فتكون لها بمثابة الذكر. نعني أن الأسماء ما ظهرت آثارها في الوجود إلا لتذكر الذات. وذكر الذات لا يكون إلا لنفسها. وهذا هو سر التجلي من أصله. وإذا علمت ما نشير لك إليه، فقد علمت من أنت. ومن عرف نفسه، فقد عرف ربه، كما قيل؛ أو العكس.

تعريف خلوة القلب
مُساهمة  طارق فتحي في الجمعة 18 سبتمبر 2015 - 20:43

يقول زبدة العارفين و دليل الموحدين مولانا مير قطب الدين محمد عنقا ـ شيخ الطريقة الأويسية ـ في رسالة الإرشاد :

" نمو و تكميل القوى الباطنية و الحصول على الأسرار المخفية للخلقة و كشف رموز الطبيعة أو باصطلاح آخر عند أهل الباطن لزوم الإنزواء و العزلة ليس ما يدعيه المعاندون العابدون للأجساد من كسل و تطفل على المجتمع و من بطالة و تسوّل و أغروا به بسطاء العقول.

بل أن فائدة تقوية الروح و تمركز الفكر و التملك على النفس هي أن يكون الإنسان صاحب وجود مفيد أكثر و مؤثر أكثر ، أن يخدم الإنسان المجتمع و أن يكون منشأ خير لكل حيّ و بلا أجر ،

و أن يجعل أرض وجوده كالأرض التي تجري من تحتها المياه و المعادن بالفطرة في خفاء و ستر ، يستخرج منها الجواهر الثمينة ليجعلها في متناول أبناء جنسه. العزلة و الإنزواء هو الإبتعاد عن الإختلاط الذي لا طائل من ورائه ، و التفرد من المجتمع هو البحث عن عزلة في ركن القلب. أن يكون مع الخلق و لكن بعيدا عن خُلقهم السيئ ، و هذا ما يسمّيه أهل العرفان الفرق في الجمع ، و هو عكس الجمع في الفرق أين يكون الإنسان جالساً في خلوة و لكن منشغل بآلاف المطالب و غارق في فكر الحسن و السيئ ، و هذا ليس بالمنزوي في اصطلاحهم ".

تعريف الزهد و كيفية الوصول اليه
مُساهمة  طارق فتحي في الجمعة 18 سبتمبر 2015 - 20:42

عن الإمام علي (الزهد بين كلمتين من القرآن، قال الله لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه).
ليس من باب التدين إنما إنصافاً على العاقل المفكر أن يذعن ويتواضع أمام عبقرية علي بن أبي طالب وحكمته بل تفاصيل الحياة يخضع مقابل تجليات كلامه الواضح وفصله القاطع عند رسمه المستقبل وإخباره الماضي وإبداعه الحاضر.
وفي كلمته هذه من تحديد الزهد ضمن إطار لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم وإن كان قد بينها لإفهام الناس معنى الزهد في هذه الدنيا وذلك بالهدوء وعدم الاهتياج فلا العُسر يبقى ولا اليُسر والمطلوب هو الصبر والشكر على كل حال.
وتنبيه الناس عن الفهم السلبي للزهد بالابتعاد عن نِعَمِ الله تعالى وطيباته وزينته التي أخرج لعباده، كما هم عليه بعض الجاهلين الذين يحاولون إبعاد المسلمين عن أي اهتمام بالأمور المادية الدنيوية مع ما فيها من المفاسد من قبيل فتح المجال لسيطرة الآخرين من أعداء الإسلام على خيرات المسلمين وبركاتهم ومنابعهم المادية الغنية التي قل مثلها في غير بلاد المسلمين، بل وأكثر من ذلك قد يصبح الشخص الغافل هذا إنساناً حيادياً تجاه سيطرة المستكبرين على الحكم أيضاً مادام التقمص بالحكم عندهم يعتبر لوناً من ألوان التمتع بالدنيا وشكلاً من أشكال طلب الجاه والذي لا يناسب الزاهدين مادام الزهد عبارةً عن أن لا يهمك من أكل الدنيا، كما ذكره أحد الأعلام، ونماذج أخرى كالذي يعزف على الزواج باعتباره شاغل عن عبادة الله تعالى وكالذي ترك إعالة أهله والتزم بيته للعبادة وغيرهم ممن أفرط في التزهد وسوء الفهم فصار كما يُقال: مسلم أكثر من النبي محمد .
فلتوعية المسلمين وغيرهم وإيصال المعنى المطلوب قول الإمام الصادق ( ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال، بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله )
وأيضاً عن الإمام علي الزهد في الدنيا قصر الأمل، وشكر كل نعمة، والورع عمّا حرم الله عليك.

فلا بد من الاعتدال في كل شيء دون الإفراط والتفريط وعدم نسيان الآخرة فعنه سبحانه وتعالى وابتغ فيما آتاك الله الدارة الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا إذن ليس الزهد أن لا تملك شيئاً إنما أن لا يملك شيء.

ولا يخفى ما للزاهدين من الدرجات الرفيعة في الآخرة واحترام في الدنيا من حسن عبادتهم وربحهم الخير العاجل والآجل من المعرفة والحكمة والسلامة وانشراح الصدر وفي الآخرة جنات عدن فيها نعيم مقيم.

إضافة إلى هذه كلها: لو استخدمنا هذه القاعدة كعلاج نفسي من طبيب النفوس وأمير القلوب ورئيس العلم والحكمة الإمام علي وجعلناها وصفة طبية تتضمن إرشادات وتعليمات حيوية تنفعنا طوال حياتنا بل على مر العصور لكانت الراحة والهدوء النفسي والطمأنينة المالئة لكل جوانب حياتنا من نصيبنا وعشنا في سعادة تامة.

وكل ذلك يحصرها الإمام بين كلمتين من كلامه وهي: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم.
جميل أن يفكر الإنسان بهذه الطريقة فيتخلص من ترسبات الماضي وآلامه ولا يرهق نفسه بالحاضر والمستقبل بل يُعدّ العدّة لكل منها قدر استطاعته ويبذل جهده ويترك الباقي للأقدار إن صح.

المـــــدد
مُساهمة  طارق فتحي في الجمعة 18 سبتمبر 2015 - 20:41

ما أكثر ما سمع الناس في أعمارهم من وعظ، وما أكثر ما وعظ الواعظون وأمروا بمعروف أو نهوا عن منكر؛ لكن الأحوال تخبر بغير ما كان يؤمل، وتجعل العاقل يتوقف ليسأل: أين الخلل؟

لا يخفى عن ذي لب أن التربية مراتب؛ وأن لكل مرتبة مستلزمات، بها تتحقق غاياتها. وإن شئنا أن نذكرها على سبيل الإجمال والاختصار، فإنها تكون:

1. التربية بالقال: وهذه تكون عامة، وهي الشائعة في زماننا. وقد تتعدى هذه التربية مجرد التلقين، إلى تعليم سلوك طريق التفكير. وأغلب الناس يظنون أن هذا هو أقصى ما يمكن من التربية؛ في مقابل الشطر المتعلق بالمتلقي نفسه، والذي يرجع إلى كونه قادرا على العمل وفق ما علم، أم غير قادر. وقد تُفهم القدرة، على أنها الرغبة لا غير؛ فتجد المخالف للحق من هذا المنطلق، لا يُعذر من قِبل غيره، ويُحمَّل وزر أعماله كاملة.

2. التربية بالحال: وهذه تكون من الرجال العاملين بعلمهم، الذين لا يكتفون بالكلام؛ وإنما العمل عندهم هو المعتبر، من حيث الظاهر ومن حيث الباطن. وهذا العمل يثمر لهم حالا، يكون داعيا لغيرهم إلى الاقتداء بهم. ويجد الناس بمخالطتهم القوة على سلوك الصراط المستقيم، التي تعوزهم عند انفرادهم عنهم.

3. التربية بالمدد: وهذه أعلى أنواع التربية؛ لأنها لا تكتفي بتنبيه المتلقي إلى العمل، وإنما تعطيه القوة على العمل. فيجد من نفسه، ما يعلم يقينا أنه لم يكن لديه. فيسلك الطريق في يسر وعلى هدى، حتى ليتعجب مَن ينظر إليه من المرتبتين السابقتين مِن حاله. وهذا النوع من التربية، هو الأصل فيها؛ الذي بعث الله به النبيين إلى أقوامهم.

والمدد في زماننا، لا يكون إلا لوارث نبوي، فيكون مظهرا من مظاهر مرتبة «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِم،...»[رواه البخاري عن معاوية رضي الله عنه]. فالمدد من عطاء الله، والقسمة تأتي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، أو تأتي على يد وارثه. ومن يُنكر التربية بالمدد، فإنما يُنكر عطاء الله؛ ومن يظن أن التربية النبوية قد انحصرت في جيل الصحابة، فقد حكم بانقطاع عطاء الله؛ ومن لم يطلب هذا المدد في زمنه، من حيث ينبغي أن يُطلب، فقد حرم نفسه فضل الله.

وأما من يعد التصديق بهذا من الشرك، ويزعم أنه على خالص التوحيد، بحسب ما يعطيه إدراكه العليل، فإنا نقول له: فأنت كنت أول مشرك عند التقامك ثدي أمك، تطلب ما يقويك من غذاء؛ وما زلت منذ ذلك الوقت مصرا على الشرك، في كل سبب تباشره لنيل كل ما يُنسب إلى الله من عطاء.

أم بلغ الأمر بأمتنا، أن صارت من شدة الظمإ تنكر وجود الماء؟!...

الاعتقاد والتطابق لحال الشيخ والمريد
مُساهمة  طارق فتحي في الجمعة 18 سبتمبر 2015 - 20:40

الشيخ الرباني للقلب، هو كالطبيب الماهر للجسد؛ وإنما الشفاء من عند الله على كل حال. والمريد، هو كالمريض في الظاهر. والتسليم، هو الاطّراح بين يدي الطبيب، ليقلب المريض كيفما شاء، ويفحصه من حيث شاء؛ لفعل. كل هذا، لا بد فيه للمريد أن يعتقد أن شيخه متقن لصنعته؛ وإلا تعذر التسليم.

وكما أن من الأمراض ما يُعالج بالأدوية المختلفة، فكذلك من آفات القلوب ما يُعالج بالأذكار المختلفة. وكما أن لكل دواء فاعلية مخصوصة في الأبدان، فكذلك تختلف الفاعلية من ذكر إلى ذكر. وكما أن الأدوية تختلف في الأقدار من مريض إلى آخر، فكذلك تختلف الأذكار؛ بحسب ما يعطيه العلم في الظاهر وفي الباطن.

وكما أن من علل الأجسام ما لا يداوى إلا بالعمليات الجراحية، من أجل استئصال أو فصل أو وصل أو بتر، فكذلك من علل القلوب ما لا تعالجه إلا همة الشيخ؛ فيقطع منه أو يصل فيه بيد القدرة ما يعدّل استعداده، حتى يقبل النور وينتفع منه؛ لأن من الاستعدادات ما يتضرر من النور، ومنها ما ينفر منه غاية النفور، بسبب عدم الملاءمة. ولله في ذلك حكم بالغة.

وكما أن الطبيب الجراح يُخدر المريض حتى يتمكن من إجراء الجراحة له، فكذلك الشيخ لا بد أن يُدخل مريده في حال من الجذب، يتمكن معه من التصرف فيه بلطف، من غير أن يعيَ حقيقة ما يحدث له على التمام؛ لأن الخوف من طبيعة النفس إن هي توهمت وقوع الضرر من صورة لم تعتد منها إلا الضرر. إذ كيف لبشر ينظر السكين (المبضع) تعمل فيه، ولا يَطرَف بعينه؟!.. هذا لا يكون!..

وكما أن الدواء يعمل في بدن المريض على التدريج، فكذلك النور يفعل فعله في القلوب شيئا فشيئا؛ لذلك وجبت فيهما معا المواظبة والاستمرار، حتى يحصل الشفاء. وكما أن من خضع لعملية جراحية، يحتاج إلى فترة نقاهة، تطول بحسب ما يضمن استعادة الجسم لوظائفه، ويضمن عدم الانتكاس والعودة إلى أشد مما كان فيه، فكذلك من خضع لتعديل الاستعداد، يُخرج من الحال الأول إلى الحال الثاني بلطف وتدرج، حتى لا يحصل اضطراب في العقل أو في المزاج؛ وعليه أن لا يستعجل استعمال حاله، لكي لا يدخل فيه بالنفس أويكون على غير بصيرة، فيصيبه من أثره أسوأ مما كان فيه قبلا. والمراد من التربية الترقي في سلم الكمالات لا النكوص على الأعقاب.

وأما مثل الصيدلاني، فمثل الفقيه العالم بالأحكام الشرعية. ينبغي أن يُعين المريد على تبيّن ما آتاه الطبيب. ولا يجوز له وصف الدواء لأحد من نفسه، بل يكون تابعا للطبيب. ولما أخل الفقهاء عندنا بهذا الأصل، وصاروا كصيادلة الزمان يعطون الناس الدواء من غير وصفات أحيانا، يريدون بذلك عرض الدنيا، دون اعتبار لسلامة قلوب العباد، فيما يُطلب منها من معاملة ربهم، فسدت الأمزجة وانطمست البصائر؛ وعمت الأمراض مع شيوع الدواء. فاعجب لهذا!..

وإن بعض الناس أدمنوا على بعض الأدوية ذات الفاعلية الخاصة، فصارت عندهم بمثابة المخدرات التي هي في الأصل مما يحرم تناوله. وكذلك صار بعض الناس مدمنين على كلام بعض الفقهاء، من غير مراعاة الحكمة منه ولا تبيّن مواضع استعماله. وظنوا أن الإكثار من جمع المعلومات على غير هدى، كفيل بأن يُبلّغهم الغاية من التدين. وهيهات هيهات! بل إن الوضع صار أسوء من حال الجاهلين البسطاء في جهلهم.

غير أننا في النهاية نتساءل: لمَ كان الناس يُدركون ما يتعلّق بالأجسام، من أحكام الصحة والمرض، بأفضل مما يُدركون ما يعود إلى القلوب؟ ولم كان الناس يُهرعون إلى طبيب الجسم، لأقل حمى تصيبهم، أو لأقل عارض؟ بينما لا يكادون يلتفتون إلى حال قلوبهم التي تفوق المزابل في الأوساخ؛ مما يجعلها مرتعا للميكروبات الشيطانية، تزيد من أثرها على الفرد وعلى محيطه؟ ألأن البدن عندهم أكبر قدرا من القلب؟ أم لأنهم لا يحسنون تمييز مراتب الأشياء؟ كالطفل الذي يزهد في ورقة مالية تساوي مائة درهم، مفضلا عليها درهما واحدا معدنيا، يعلم بكم من حبة سكاكر (حلوى) يأتيه؟

وأخيرا نسأل: هل كل من يزعم أنه عاقل، عاقل حقا؟ أم أن المرء عليه أن يبحث هذا الأمر بينه وبين نفسه بجدية أكبر؟!..

الاعتقاد والتطابق لحال الشيخ والمريد
مُساهمة طارق فتحي في الجمعة 18 سبتمبر 2015 - 20:40

الشيخ الرباني للقلب، هو كالطبيب الماهر للجسد؛ وإنما الشفاء من عند الله على كل حال. والمريد، هو كالمريض في الظاهر. والتسليم، هو الاطّراح بين يدي الطبيب، ليقلب المريض كيفما شاء، ويفحصه من حيث شاء؛ لفعل. كل هذا، لا بد فيه للمريد أن يعتقد أن شيخه متقن لصنعته؛ وإلا تعذر التسليم.

وكما أن من الأمراض ما يُعالج بالأدوية المختلفة، فكذلك من آفات القلوب ما يُعالج بالأذكار المختلفة. وكما أن لكل دواء فاعلية مخصوصة في الأبدان، فكذلك تختلف الفاعلية من ذكر إلى ذكر. وكما أن الأدوية تختلف في الأقدار من مريض إلى آخر، فكذلك تختلف الأذكار؛ بحسب ما يعطيه العلم في الظاهر وفي الباطن.

وكما أن من علل الأجسام ما لا يداوى إلا بالعمليات الجراحية، من أجل استئصال أو فصل أو وصل أو بتر، فكذلك من علل القلوب ما لا تعالجه إلا همة الشيخ؛ فيقطع منه أو يصل فيه بيد القدرة ما يعدّل استعداده، حتى يقبل النور وينتفع منه؛ لأن من الاستعدادات ما يتضرر من النور، ومنها ما ينفر منه غاية النفور، بسبب عدم الملاءمة. ولله في ذلك حكم بالغة.

وكما أن الطبيب الجراح يُخدر المريض حتى يتمكن من إجراء الجراحة له، فكذلك الشيخ لا بد أن يُدخل مريده في حال من الجذب، يتمكن معه من التصرف فيه بلطف، من غير أن يعيَ حقيقة ما يحدث له على التمام؛ لأن الخوف من طبيعة النفس إن هي توهمت وقوع الضرر من صورة لم تعتد منها إلا الضرر. إذ كيف لبشر ينظر السكين (المبضع) تعمل فيه، ولا يَطرَف بعينه؟!.. هذا لا يكون!..

وكما أن الدواء يعمل في بدن المريض على التدريج، فكذلك النور يفعل فعله في القلوب شيئا فشيئا؛ لذلك وجبت فيهما معا المواظبة والاستمرار، حتى يحصل الشفاء. وكما أن من خضع لعملية جراحية، يحتاج إلى فترة نقاهة، تطول بحسب ما يضمن استعادة الجسم لوظائفه، ويضمن عدم الانتكاس والعودة إلى أشد مما كان فيه، فكذلك من خضع لتعديل الاستعداد، يُخرج من الحال الأول إلى الحال الثاني بلطف وتدرج، حتى لا يحصل اضطراب في العقل أو في المزاج؛ وعليه أن لا يستعجل استعمال حاله، لكي لا يدخل فيه بالنفس أويكون على غير بصيرة، فيصيبه من أثره أسوأ مما كان فيه قبلا. والمراد من التربية الترقي في سلم الكمالات لا النكوص على الأعقاب.

وأما مثل الصيدلاني، فمثل الفقيه العالم بالأحكام الشرعية. ينبغي أن يُعين المريد على تبيّن ما آتاه الطبيب. ولا يجوز له وصف الدواء لأحد من نفسه، بل يكون تابعا للطبيب. ولما أخل الفقهاء عندنا بهذا الأصل، وصاروا كصيادلة الزمان يعطون الناس الدواء من غير وصفات أحيانا، يريدون بذلك عرض الدنيا، دون اعتبار لسلامة قلوب العباد، فيما يُطلب منها من معاملة ربهم، فسدت الأمزجة وانطمست البصائر؛ وعمت الأمراض مع شيوع الدواء. فاعجب لهذا!..

وإن بعض الناس أدمنوا على بعض الأدوية ذات الفاعلية الخاصة، فصارت عندهم بمثابة المخدرات التي هي في الأصل مما يحرم تناوله. وكذلك صار بعض الناس مدمنين على كلام بعض الفقهاء، من غير مراعاة الحكمة منه ولا تبيّن مواضع استعماله. وظنوا أن الإكثار من جمع المعلومات على غير هدى، كفيل بأن يُبلّغهم الغاية من التدين. وهيهات هيهات! بل إن الوضع صار أسوء من حال الجاهلين البسطاء في جهلهم.

غير أننا في النهاية نتساءل: لمَ كان الناس يُدركون ما يتعلّق بالأجسام، من أحكام الصحة والمرض، بأفضل مما يُدركون ما يعود إلى القلوب؟ ولم كان الناس يُهرعون إلى طبيب الجسم، لأقل حمى تصيبهم، أو لأقل عارض؟ بينما لا يكادون يلتفتون إلى حال قلوبهم التي تفوق المزابل في الأوساخ؛ مما يجعلها مرتعا للميكروبات الشيطانية، تزيد من أثرها على الفرد وعلى محيطه؟ ألأن البدن عندهم أكبر قدرا من القلب؟ أم لأنهم لا يحسنون تمييز مراتب الأشياء؟ كالطفل الذي يزهد في ورقة مالية تساوي مائة درهم، مفضلا عليها درهما واحدا معدنيا، يعلم بكم من حبة سكاكر (حلوى) يأتيه؟

وأخيرا نسأل: هل كل من يزعم أنه عاقل، عاقل حقا؟ أم أن المرء عليه أن يبحث هذا الأمر بينه وبين نفسه بجدية أكبر؟!..
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى