مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* وسطية اهل السنة والجماعة - الحاجة الماسة الى الرسالة الخاتمة

اذهب الى الأسفل

* وسطية اهل السنة والجماعة - الحاجة الماسة الى الرسالة الخاتمة Empty * وسطية اهل السنة والجماعة - الحاجة الماسة الى الرسالة الخاتمة

مُساهمة  طارق فتحي الأربعاء ديسمبر 17, 2014 5:49 am

أهل السنة والجماعة وسطيتهم في صفات الله تعالى بين أصحاب الأديان المحرفة

من أصول أهل السنة والجماعة في باب الصفات:
- وجوب الإيمان واليقين بجميع أسماء الله وصفاته كما وردت بألفاظها الشرعية نفياً وإثباتاً بينما نجد المشركين وأهل الكتاب في غاية البعد عن التزام ذلك.
- وأن لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه في كتابه الكريم أو على لسان نبيه العظيم ولا يجوزون اختراع أسماء أو صفات لله تعالى لم ترد في الوحيين.
- الإيمان بمعاني الصفات وقطع الطمع عن البحث في كيفياتها.
- الإيمان بأن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر.
- الإيمان بأن الكلام في الصفات فرع عن معرفة الذات.
وهذه الأمور المجملة عن عقيدتهم في هذا الجانب هو الذي يتفق ونصوص الشرع, ويرتاح العقل إلى قبوله، فهو أمر منطقي لا تكلف فيه ولا هضم وهو الذي عاد إليه المتنطعون من أصحاب علم الكلام وأقروا به وأذعنوا وندموا على مخالفتهم له كالجويني والرازي وغيرهما.
بسبب تشبعهم بفلسفة اليونان وحكمائهم الجاهلين.
وهذه العقيدة سهلة وواضحة بعيدة عن التصورات الباطلة ولهذا فقد أراحوا أنفسهم من الدخول في ظلمات الشكوك والتخيلات التي لا تقف عند حد فتجدهم يعبرون عن معتقدهم في هذا الباب بأنهم يؤمنون بكل ما أخبر الله عنه في كتابه أو أخبر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم من صفات عليا.
ويعرفون معنى كل صفة ويفوضون في الكيفيات ويعلمون أن صفات الله لا تشبه صفات خلقه معتمدين قوله عزّ وجلّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]
وينفون عنه كل صفة تشعر بالذم أو لم ترد في الكتاب ولا في السنة ويتوقفون في إطلاق الأسماء والصفات عليه جل وعلا إذا لم ترد في الكتاب والسنة.
وهذا بخلاف ما عليه غيرهم من أهل الكلام ممن ينتسبون إلى الإسلام وممن لا ينتسبون إليه مثل اليهود والنصارى فإن اليهود: وصفوا الله تعالى بصفات النقص والذم ومثلوه بخلقه وقد أخبر عزّ وجلّ عنهم أنهم وصفوه بالبخل قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] ووصفوه بالفقر كما قال تعالى عنهم لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء [آل عمران:181] ووصفوه في التوراة وفي التلمود بأنه يتعب ويندم ويبكي ويلهو مع حواء ويعقد شعرها ويلعب مع السمكة الكبيرة وأنه يقرأ التوراة كل يوم وقبل النوم وأنه لا يعرف الأشياء إلا بعد وقوعها وأنه مثل الأخطبوط وأنه يكتب بالقلم ووصفوه بالنسيان الكثير والوقوع في الأخطاء والتوبة منها وغير ذلك من الصفات التي ملئت بها التوراة مما لا يتسع المقام لبسطه هنا. ولم ينتشر التشبيه والتجسيم إلا من قبل اليهود المفترين، وأما النصارى فإنهم في صفات الله تعالى على وفق ما عليه الوثنيون لأن النصرانية التي أحدثها بولس هي عين الوثنية ولهذا راقت في نظر قسطنطين وسائر الوثنيين من أباطرة الرومان فتظاهروا بأنهم على النصرانية.
وقد مدحوا بعض من يؤلهونهم بكل صفات الله تعالى وتقدس كما ادعوا في المسيح عليه السلام وادعوا أن لله ولداً وصاحبة –المسيح وأمه- وأن المسيح يجلس إلى جوار أبيه وأنه وحيد الله تعالى وغير ذلك من عقائدهم الباطلة التي تبرأ منها المسيح ومن معتقديها في الدنيا والآخرة كما بين الله تعالى ذلك في كتابه الكريم.
اهل السنة والحماعة ووسطيتهم في عبادة الله تعالى
سلك أهل السنة مسلكاً صحيحاً يؤيده الكتاب والسنة حيث عبدوا الله بما شرع لهم في كتابه أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا يزيدون في عبادتهم ولا ينقصون كما شرع لهم ربهم، ولا يشرعون لأنفسهم عبادة لم يؤيدها الدليل في كل جزئية من أمور العبادة البدنية أو القولية بينما تجد من خرج عن هدى الإسلام قد جعل إلهه هواه وأهل الكتاب هم القمة في هذه الصفة الذميمة.
فاليهود –وهم أهل تفلت وتحريف واستكبار- نجدهم من أشد الناس ابتعاداً عن العبادة حسب ما شرع الله لهم ومن أشد الناس كسلاً عنها، فقد أمرهم الله أن يدخلوا الباب سجداً فدخلوه زحفاً على أعقابهم وأمرهم أن يقولوا حطة فقالوا حنطة بل وأمرهم أن يدخلوا فلسطين فقالوا لموسى: فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[المائدة:24] بل وأمرهم الله تعالى أن يعبدوه فعبدوا العجل والحية نخشتان وآلهة أخرى.
ولهذا وصفهم موسى عليه الصلاة والسلام بأنهم أصلاب غلاظ الرقبة عصاة أصحاب عناد واستكبار وحب للفتن.
ووضعهم اليوم في فلسطين مع جيرانهم أقوى شاهد على هذا السلوك البغيض منهم فإنهم لا يعيشون إلا في الفتن وتأجيجها وفي التفنن في المؤامرات.
وأما النصارى فهم بضد اليهود غلوا في العبادة والتقرب إلى الله حتى خرجوا عن منهج الله وأمره بتزيين الشيطان لهم, وحرموا على أنفسهم ما أحل لهم وابتدعوا رهبانية لم يستطيعوا القيام بها.
وقد وصف الله هذا السلوك الأحمق بقوله تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:27]
سلك أهل السنة مسلكاً صحيحاً يؤيده الكتاب والسنة حيث عبدوا الله بما شرع لهم في كتابه أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا يزيدون في عبادتهم ولا ينقصون كما شرع لهم ربهم، ولا يشرعون لأنفسهم عبادة لم يؤيدها الدليل في كل جزئية من أمور العبادة البدنية أو القولية بينما تجد من خرج عن هدى الإسلام قد جعل إلهه هواه وأهل الكتاب هم القمة في هذه الصفة الذميمة.
فاليهود –وهم أهل تفلت وتحريف واستكبار- نجدهم من أشد الناس ابتعاداً عن العبادة حسب ما شرع الله لهم ومن أشد الناس كسلاً عنها، فقد أمرهم الله أن يدخلوا الباب سجداً فدخلوه زحفاً على أعقابهم وأمرهم أن يقولوا حطة فقالوا حنطة بل وأمرهم أن يدخلوا فلسطين فقالوا لموسى: فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[المائدة:24] بل وأمرهم الله تعالى أن يعبدوه فعبدوا العجل والحية نخشتان وآلهة أخرى.
ولهذا وصفهم موسى عليه الصلاة والسلام بأنهم أصلاب غلاظ الرقبة عصاة أصحاب عناد واستكبار وحب للفتن.
ووضعهم اليوم في فلسطين مع جيرانهم أقوى شاهد على هذا السلوك البغيض منهم فإنهم لا يعيشون إلا في الفتن وتأجيجها وفي التفنن في المؤامرات.
وأما النصارى فهم بضد اليهود غلوا في العبادة والتقرب إلى الله حتى خرجوا عن منهج الله وأمره بتزيين الشيطان لهم, وحرموا على أنفسهم ما أحل لهم وابتدعوا رهبانية لم يستطيعوا القيام بها.
وقد وصف الله هذا السلوك الأحمق بقوله تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:27]

وسطيتهم بالنسبة للإيمان بالأنبياء
وأهل السنة وسط في ما يتعلق بأنبياء الله تعالى فهم يؤمنون بأنهم بشر مثل سائر البشر شرفهم الله بوحيه ورسالته وأنهم أطهر الناس وأعقل الناس ولكن لا يرفعونهم فوق مرتبتهم ولا ينزلونهم عن قدرهم, ويؤمنون أنهم لا يعلمون الغيب ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا بإذن الله.
بينما تجد التوراة مملوءة بذكر عيوب أنبياء الله وأنهم حسب إفك كتاب التوراة من أحرص الناس على المال وأشدهم طلباً ولو كان سبيل ذلك تقديم العرض كما يكذبون على خليل الله إبراهيم وزوجته سارة وأنهم - وحاشاهم- زناة كما يكذبون على لوط ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم وبينما تجد هذا البهت عند اليهود تجد أن النصارى قابلوهم بالضد فادعوا لبعض الأنبياء وغيرهم الألوهية كعيسى عليه الصلاة والسلام وأمه وروح القدس.
ثم غلوا في علمائهم فأنزلوهم منزلة الخالق في التشريع والتحليل والتحريم كما أخبر الله عنهم وبرأ الله المسلمين من ذلك كله وأهل السنة والجماعة في قمة التوسط في نظرتهم إلى علمائهم على حد قول الشاعر:
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وما أكثر ما كان يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله))
رواه البخاري (3445). من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
كما نجد في القرآن الكريم أكثر من آية يوجه الله الخطاب فيها إلى أهل الكتاب ويذمهم بسبب غلوهم في الأنبياء وفي عبادتهم التي قامت على الإفراط والتفريط اتباعاً لما تمليه عليهم الشياطين.
وسطيتهم بالنسبة للإيمان بذات الله تعالى
المتتبع لمنهج السلف يجد أن الله تعالى قد هداهم إلى الوسط في عقيدتهم فلا إفراط ولا تفريط قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143] أي خياراً عدولاً وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير الأمور أوسطها))
رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (5/261). وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) مرسل، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3177). .
وقد ميز الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المزية العظيمة وشرفهم بها وهداهم إلى الحق فلا تجد عند المتمسكين بهدي الكتاب والسنة إفراطاً ولا تفريطاً <br/> الإفراط هو مجاوزة الحد في الشيء والتفريط هو التقصير في الشيء وتضييعه. ، لأنهما أشد مصادر الهلاك والضلال وبسببهما انتشرت البدع والخرافات بل وعبادة غير الله تعالى والشرك به بتزيين الشيطان وخدعه المتنوعة كما وقع لقوم نوح في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر, وكما وقع لغيرهم من بعدهم من الأمم.
وتظهر وسطية أهل السنة في جميع مسائل الاعتقاد سواء ما يتعلق منها بذات الله عزّ وجلّ أو بصفاته.
ويتبين فيما يلي:
وسطيتهم بين الأمم الكافرة أصحاب الديانات الوضعية.
وسطيتهم بين الفرق التي تنتسب إلى الإسلام.
فإن الله تعالى في عقيدة أهل السنة لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء فذاته بخلاف ما يتصور العقل، له ذات تليق بجلاله وله صفات تليق بجلاله وله أسماء تليق بجلاله حتى ولو كانت صفاته وأسماؤه قد أطلقت على المخلوق فإن العقل يدرك تماماً أن مجرد الاتفاق في التسمية لا يدل على المماثلة وهو واضح في المخلوقات تمام الوضوح فكيف بالخالق سبحانه وتعالى ولقد ضلت سائر الملل عن هذا المنهج فبعضهم وصف ذات الله تعالى بأنها كذوات خلقه وهم اليهود والمشبهة, وبعضهم وصفوا غير الله تعالى بذات الله كالنصارى حينما ادعوا أن المسيح ابن الله وأنه إله، واليهود وصفوه عزّ وجلّ بأنه قد كبر وشاخ ولم يعد قادراً على تصريف الأمور إلا بمشورة موسى عليه السلام
وذلك   حينما صرحت رئيسة وزراء إسرائيل في حرب الأيام الستة بقولها إن أمريكا هي إله   إسرائيل      كما تدل على ذلك التوراة ونصوص التلمود وتصريح زعماء إسرائيل ووصفوه بالنقص وألحقوا العيوب به فلا فرق بينه وبين خلقه تعالى في مفاهيم المنحرفة.
ولكن عند المسلمين هو سبحانه: أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
وقرروا أن الكلام في الصفات فرع عن معرفة الذات فكما أن ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين وهذا المفهوم السهل الواضح وهو ما عناه الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ولولا ظهور الشبهات واستحواذ الشياطين على عقول المخالفين لكان تصور ما تقدم يكفي لردهم إلى الحق.
اهل السنة والجماعة و جهودهم في خدمة الاسلام
ولا ريب أن العقيدة الإسلامية صافية نقية محجة بيضاء ولهذا ما إن ظهرت البدع والفتن التي أراد أهلها – بسوء نية – التشويش على صفائها وطمس نورها إلا ووقف السلف بكل حزم وشجاعة ويقين لردها والإنكار عليها وعلى أهلها لا تأخذهم في الله لومة لائم فحفظ الله بهم الدين وأتم بهم النعمة ولولا فضل الله ثم تلك الجهود التي بذلوها لاختلط الحق بالباطل وقال من شاء في الدين بما شاء ولانتشرت البدع والخرافات الباطلة إلى أن يصبح المسلمون في دينهم كما أصبح عليه من قبلهم ولكن الله لم يرض بهذا فقد تكفل بحفظ دينه الذي ارتضاه إلى يوم القيامة وسخر له رجالاً خدموه يبتغون فضل الله ورضوانه ما كانت تأخذهم في الله لومة لائم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.
فقد كان السلف من الرعيل الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخلص الناس وأشدهم حفاظاً على شعائر الإسلام, كانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم يتناصحون ويرشدون لا يقر لأحدهم قرار إذا رأى منكراً أو بدعة من قريب أو من بعيد لا يداهنون أحداً ولا يرهبون إلا ربهم.
ولو بدأنا التعرف على جهودهم في زمن الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه لرأينا مدى اهتمامه بالحفاظ على العقيدة الإسلامية صافية نقية وما محاربته لأهل الردة وإرجاعهم إلى الدين إلا مظهر من مظاهر اهتمامه بخدمة العقيدة بل وما كانت هجرته إلى المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أحد الشواهد على ذلك فلقد ترك المال والبنين والأهل والأحبة ليفر إلى البلد الذي يأمن فيه على عقيدته وما إنفاقه في سبيل الله وإعتاقه الرقاب إلا لوجه الله وخدمة عقيدته الحنيفية ولقد أسلم على يده أفذاذ كانوا مفخرة الإسلام والمسلمين ويطول الشرح لو أردنا استقصاء أعماله التي قدمها مبتغياً بها وجه الله وخدمة دينه.
وكذلك الحال مع الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي اقض مضاجع أعداء الإسلام وأعلى الله به كلمة الحق وظهر المسلمون على أعدائهم ودخل الناس في دين الله أفواجاً وكانت درته سيفاً مسلطاً على رقاب أهل البدع وكانت سيرته العطرة وأخباره المشرقة مثار دهشة وإعجاب العالم أجمع كان شديداً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم شديد على أهل البدع يضربهم بالدرة مؤدباً لرعيته بأقواله وأفعاله. دخل عليه شاب طويل الثوب وعمر يجود بنفسه فسلم عليه فلما خرج ناداه عمر فرجع إليه الشاب فقال له: يا بني أقصر من ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك <br/> رواه البخاري (3700). أو كلاماً نحو هذا ولم يشغله ما هو فيه من سكرات الموت حتى عن التنبيه على هذه المسألة فما الظن بغيرها؟
وقد ضرب رجلاً اسمه صبيغ حتى أدمى رأسه لأنه كان مغرماً بالسؤال عن المتشابهات <br/> رواه الدارمي (1/66)، والآجري في ((الشريعة)) (ص71)، واللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (4/635). وقال محققه حسين أسد: رجاله ثقات غير أنه منقطع سليمان بن يسار لم يدرك عمر بن الخطاب. وهدد أبا موسى الأشعري حين استأذن ثلاثاً وانصرف قائلاً له لماذا استأذنت ثلاثاً وانصرفت فقال له: هكذا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وكان أبو موسى صادقاً وعمر يعرفه بالصدق ولكنه أراد أن يحد ويؤدب من عسى أن تسول له نفسه التقول على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: هات شاهداً وإلا فعلت وفعلت بك <br/> رواه مسلم (2154). من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ، وكان مهاباً رغم تواضعه الجم تهابه الناس وتهابه الشياطين كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لا يسلك وادياً أو فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً آخر <br/> روى البخاري (3294) من حديث سعد بن أبي وقاص قوله صلى الله عليه وسلم : ((والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك)) وهو عند مسلم أيضا (2396) وأخباره لا تستقصيها هذه العجالة رضي الله عنه.
وبعد وفاته واستشهاده خلفه عثمان رضي الله عنه فأبلى في الإسلام وفي خدمته وفي الفتوحات ونشر الإسلام وخدمة العقيدة الحنيفية ما طفحت به المراجع التاريخية.
ومن أجل خدماته للإسلام كرمه الواسع ابتغاء مرضات الله تعالى وإنفاقه الذي فاق التصور ثم فتوحاته ونشر الإسلام ولا ينسى القارئ أجل خدمة قام بها عثمان في شأن كتاب الله تعالى إلى أن استشهد على يد البغاة عاقبهم الله بما يستحقون.
ثم خلفه علي رضي الله عنه على نفس الأهداف في خدمة الدين ورفع رايته ومحاربة أهل الكفر وأهل البدع بأقواله وأفعاله حتى لقي ربه ثم جاءت الدولة الأموية وكان لأول ملوكهم معاوية رضي الله عنه وهو من خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين خدماته الجليلة للإسلام والمسلمين فقد فُتحت البلدان الكثيرة في عهده وعهد خلفائه وانتشر الإسلام انتشاراً واسعاً وكان رضي الله عنه محارباً لكل محدث في الدين حماية للعقيدة الإسلامية أن تدنس بالشبهات.
ونبغ في عهد الدولة الأموية ثم العباسية علماء أجلاء خدموا الدين وقدموا أنفسهم في سبيل الحفاظ على صفائه ونقائه.
ولم يخل عهد من العهود إلا وفيه جهابذة من علماء السنة ومن المحافظين على بقاء ونقاء الإسلام إلى يومنا الحاضر ولله الحمد فلا ننسى تلك المواقف المشرفة لعلماء السلف في خدمة الدين الإسلامي. أمثال الإمام المبجل إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل والعز بن عبد السلام وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى أن جاء في العهد القريب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي جدد الله به كثيراً من السنن التي كادت أن تندثر وأذل به كثيراً من أهل البدع التي انتشرت وأخذت حيزاً واسعاً في عقول المسلمين ويطول جداً ذكر علماء السنة وذكر جهودهم في خدمة العقيدة فقد كُتبت المطولات العديدة في هذا الشأن ومن الصعوبة حصرها جميعاً أو حصر جهود مؤلفيها في وقفاتهم التي أصبحت نموذجاً يحتذى به ومشعلاً يستضاء به تلك الجهود التي قمع بها فتن المارقين أصحاب البدع ومختلف الفرق من جهمية ومعتزلة أشعرية و ماتريدية وخوارج ومرجئة من بدء ظهورهم إلى يومنا الحاضر فأدوا الأمانة الملقاة على عواتقهم وابرؤوا ذممهم ونصحوا الأمة فحذروا وبينوا وألفوا الكتب والمقالات وكم لهم من محاضرات ومناظرات دحضوا فيها شبه الضالين وأقاموا الحجة على كل السامعين فانقلبوا بنعمة من الله تعالى وما هذه المؤلفات العديدة التي تزخر بها المكتبات الإسلامية إلا ثمرة من ثمار جهودهم وأقوى الشواهد على بلائهم.
الجهود الحربية
أما جهودهم الحربية فإن التاريخ مليء بذكرها غني بأحداثها لا يجهل أي مسلم ذلك ابتداءً بجهودهم الحربية بين يدي نبيهم صلى الله عليه وسلم في معارك عديدة كبدر وأحد والخندق وسائر الغزوات التي خاضوا غمارها, لا يطلبون منها إلا رضى ربهم ونبيهم ولم ينتقل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه إلا وقد قرت عينه وانشرح صدره ومات وهو عنهم راض.
ولم تنقطع المعارك الحربية والفتوحات بوفاته صلى الله عليه وسلم بل اشتدت وتعددت على يد خلفائه الميامين ابتداءً بأبي بكر رضي الله عنه وما قام به من جهود عظيمة في محاربة المرتدين ومن بعدهم من الكفار وجعل الله في أيامه خيراً عظيماً ونفعاً بليغاً أعاد الجزيرة إلى دولة إسلامية واحدة ثم انتقل إلى البلاد الأخرى يفتحها البلد تلو البلد.
وبعد وفاته وانتقال الخلافة إلى عمر رضي الله عنه ازدادت رقعة الدولة الإسلامية وأوصلها بجهوده بعد نصر الله إلى ما يسمى في عصرنا الحاضر بالإمبراطورية وكذا في عهد الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه ثم تتابعت الفتوحات على يد معاوية رضي الله عنه وبلغت الدولة الإسلامية قمة مجدها وازدهارها وجاءت الدولة العباسية وسلكت نفس الاتجاه إلى أن جاءت أيضاً الدولة العثمانية وكانت لها جهود رائعة في انتشار الإسلام ونشره وكان علماء السلف هم المحركون لتلك الأحداث بخطبهم الحماسية وإثارة روح التضحية في سبيل الله تعالى بل والمشاركة الجادة في خوض المعارك ولا يغيب عن ذهن القارئ ما فعله شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره في وقوفهم ضد التتار وانتصارهم عليهم فحفظ الله بهم الدين لما ادخره لهم من جزيل الأجر والثواب.

* الحاجة الماسة إلى الرسالة الخاتمة
مُساهمة طارق فتحي في الثلاثاء 16 ديسمبر 2014 - 18:29

مما سبق عرضه يبدو للعاقل أن الحاجة كانت ملحة - بعد ما أصاب الأديان السابقة من تحريف - لمجئ الرسالة الخاتمة (الإسلام)، وليس لاتباع المسلمين أو غيرهم لهذه الأديان السابقة كما يزعم الزاعمون.
حول هذه الضرورة الملحة لمجيء النبي الخاتم برسالته الجامعة يقول محمد فريد وجدي: "ما هو الدين الذي اتحد جميع الرسل على نشره، وتخليصه من شوائب ما وضعه الواضعون فيه وما شرحه الشارحون له، عند كل الأمم وفي جميع الأجيال؟ هو الإسلام.
هنا يجمل بنا أن نأتي على ترجمة ما كتبناه باللغة الفرنسية لمؤتمر الأديان الذي قيل إنه انعقد فيها سنة 1906م، في موضوع الإسلام، فإنه أبين لما نقصده من الكلام على الإسلام من كل ما كتبناه عنه، وإليك تلك المقالة:
لم أجعل غرضي من مقالي هذا إلا أمرا واحدا، إذا فهم حق الفهم كان أشد في جذب الناس إلى هذا الدين من كل البراهين المفحمة، والحجج الملزمة، ذلك الأمر هو أن الإسلام ليس بدين جديد لأمة معينة، وإنما هو الدين الذي أوحاه الله إلى جميع رسله، فحرفه أتباعهم، ثم أنزل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - أخيرا لإحداث إصلاح ديني عام لسائر الملل شرقيها وغربيها، بعث الله به رسوله حين تعارف الأمم واتصالها ليكون دينها العام الذي عليه يتم اتحادها، ويصفو لديه تعارفها، ولذلك جعل قاعدته الإيمان بسائر رسل الله، من نعرف أسماءهم ومن لا نعرف أسماءهم، وبجميع كتب الله بأي لغة كانت، فهم هذا الأمر الخطير يفيد المسلم وغير المسلم، فيفيد المسلم؛ لأنه يريه أنه تابع لا لدين من ضمن الأديان المتحاقدة المتعادية، ولكن للدين الأصلي الجامع لسائر الأديان، فهو بهذا الاعتبار يجد في نفسه قيمة لم يحس بها من قبل؛ لأنه يرى نفسه رجلا عاما لا خاصا، متبعا دينا هو في نفسه دين الكل، وجامع أرواح الكل في أكمل شكل وأجمل حال.
فمن كان كذلك فلا يتحامل على الأديان؛ لأنه أمر بأن يؤمن بها كلها، وأن يكون منها بالمركز الوسط، وشعر أنه في مجتمع ميول الأمم وفي نقطة تلاقي مراميها، واتحاد أفئدتها في يوم من الأيام، فلا يهون على نفسه أن يميل عنه إلى نقطة متطرفة ولو سيق إليها بقوة قاهرة.
أما فائدة غير المسلم من هذا الأمر الجلل[26]، فهو لأنه يسهل عليه المخرج من ورطته والخلاص من شكوكه وشبهه، فإنه ما من عاقل من عقلاء الملل الأخرى، إلا وشعر بأن أيدي الخرافات قد امتدت إلى أصول عقائده، فيجد نفسه مضطرا للتأفف[27] منها، راجيا إصلاحها على أي حال كان، فلو علم أن الإسلام إنما جاء بالإصلاح العام لسائر الأديان البشرية؛ لأنه ليس دينا منفرا مثل سائرها، لكان التفاته إليه يشبه الأمر الاضطراري؛ لأنه كلما آلمه أمر مما يكرهه في دينه وظنه محرفا عن أصله، نزع إلى ذلك الدين الإصلاحي مضطرا لا مختارا، ولا يزال يدفع ويندفع حتى يقع في دائرته. لهذا جعلنا غرضنا من هذه الرسالة هذا الأمر الخطير في أظهر أشكاله، تاركين الدلالة على فضائل الإسلام لغيرنا خوفا من ألا يلتفت لهذه النقطة أحد منهم.
هذه النقطة التي حاولت تجليتها في هذه الرسالة، هي أظهر ما في القرآن من خصائص الإسلام، وهي السبب الأكبر في تهالك الأمم على هذا الدين في كل جيل؛ لأن الأمم وإن لم تدرك هذا السر علميا، إلا أنها تحس به وتلمسه في الإسلام، فترى فيه صورة عقائدها الصحيحة منقحة خالصة، مما يثير الشكوك والشبه فتميل إليها بأرواحها، وتنقلب أشد تعصبا لها من أهلها، ولا توجد هذه الخصيصة في أية ديانة من الديانات؛ لأن هذا المركز الوسط ليس لواحد منها، ولم يشرع واحد منها لأن يكون دينا عاما أصلا، فتراها كلها بما طرأ عليها من التحريف على أطراف متناقضة، لا محل للتوفيق بينها بوجه من الوجوه، مثال ذلك البوذي لا يهون عليه أن يكون نصرانيا - ولا حكم للنادر - لأنه لا محل للصلح بين البوذية والنصرانية بوجه ما.
فالنصراني يقول: إن عيسى كلمة الله، وهو الأقنوم الثاني بعد الآب، تجسد وعاش بين الناس وصلب ليفتدي العالم كله من خطيئة ارتكبها آدم في أول الخليقة، ويعتقد البوذي أن الإله فيشنو - وهو أحد أركان التثليث الهندي - قد تجسد مرارا لتخليص العالم من الشرور، وقد تجسد أخيرا في بوذا للمرة التاسعة، فكيف يمكن التوفيق بين صاحبي هاتين العقيدتين، وبأي مرجح يقبل أحدهما عقيدة الآخر، ويترك عقيدته التي جمد عليها طوال عمره؟
ثم لا يمكن أن يكون البوذي يهوديا؛ لأن التوراة موجهة الخطاب إلى بني إسرائيل، ورافعة إياهم على سائر الأمم، وليس في نصوصها ما يسمح بوضع بوذا الذي يجله مئات الملايين من الآسيويين منذ أكثر من ألفي سنة في موضع إجلال واحترام، فيعز على البوذي أن يركب في تسفيه رأي أسلافه كلهم هذا المركب، ثم لا يستطيع النصراني أن يكون بوذيا ولا يهوديا، لعدم وجود محل للصلح في واحد من هذين الدينين بالنسبة له.
ولكن جميعهم يستطيعون أن يسلموا بلا حرج؛ لأن قاعدة دين الإسلام هي الإيمان بسائر الأنبياء ومؤسس الأديان ممن نعلمهم وممن لا نعلمهم، قال تعالى عن الأنبياء: )وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (24)( (فاطر)، وقال سبحانه وتعالى: )ومنهم من لم نقصص عليك( (غافر: 78)، فيرى البوذي أن الإسلام لا ينكر عليه فضل بوذا باعتباره مؤسس ديانة كبيرة. وفي نصوصه ما يسمح بحسبانه من الرسل العظام، ويرى النصراني أن الإسلام يذكر عيسى - عليه السلام - بالتبجيل والاحترام، ويضعه في مصاف الرسل الكرام، وكذلك يرى اليهود فيما يختص بموسى - عليه السلام - فيسهل على الجميع الاجتماع حول هذا الدين بلا كبير حرج، لا سيما إن أدركوا أنه جمع العقائد كلها بعد تنقيحها. وجعلها كلها دينا واحدا؛ لأنها كذلك كانت في مبدئها: )وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم( (الشورى: 14).
لهذا السبب تهالكت الأمم على الإسلام لرؤيتها فيه صورة عقائدها منقحة مصححة، من هنا رأينا أن تجليتنا هذه النقطة الخطيرة علميا، ونظريا يفيد المسلمين والباحثين في الإسلام أكثر مما لو كتبنا في فضائله سفرا كبيرا.. إن هناك أمرا خطيرا يضع الدين الإسلامي في مستوى يعلو به عن سائر الأديان، ويلفت إليه النظر لفتا خاصا، ويجعله دينا عاما، تميل إليه النفوس لا بقوة البرهان، ومضاء الحجة، وسلامة أصوله من الخلل فقط، ولكن بقوة النواميس الاجتماعية القائدة للإنسانية إلى كمالها، وبتأثير الحركة الفكرية العامة التي تسوقها إلى باحات النور والمدنية.
هذا الأمر الخطير الذي يلفت الأنظار، وينبه الغافلين إلى هذا الدين، هو أن الإسلام كما نص عليه القرآن، ليس بدين جديد، ولكنه الدين الأول الذي أوحاه الله إلى المرسلين الأولين رحمة للعالمين، قال سبحانه وتعالى: )شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب (13) وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب (14) فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير (15)( (الشورى).
بناء على ما تقدم، فقاعدة الديانة الإسلامية هي قوله سبحانه وتعالى: )وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (135) قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (136) فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم (137) صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون (138) قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون (139)( (البقرة).
هذه هي القاعدة التي بني عليها دين الإسلام، وهي أن الإسلام ليس بدين جديد، ولكنه الدين الذي أرسل الله به كل رسول، ثم حرفه المحرفون من بعدهم، وأن الديانة الحقة هي أن يؤمن الإنسان بجميع رسل الله من أولهم إلى آخرهم، لا فرق بين من أرسل لأمته ومن أرسل لغيرها، وأن يؤمن بسائر كتب الله إجمالا، مما أوحاه الله إلى رسله بأي لغة كانت، وفي أي زمان أوحيت.
هذه الديانة العامة فضلا عن أنها لا تثير في أية أمة من الأمم حب الذات ولا الحقد، ستكون في يوم من الأيام الديانة العامة اضطرارا لا اختيارا؛ لأنه لماذا يكون الإنسان يهوديا، ولا يكون بوذيا؟ أو لماذا يكون مسيحيا ولا يكون برهميا؟ وبأي مرجح يعتقد الإنسان أن موسى كان رسولا من الله إلى بني إسرائيل، وقد جاء بكتاب مبين ونور عميم[28] إلى أمته، ولا يعتقد مثل هذه العقيدة في بوذا وزرادشت وبراهما ومحمد، وكل المرسلين الذين تقدموا هؤلاء، وجاءوا إلى أممهم، بكتب هادية إلى الخيرات. ونهجوا لهم سبلا موصولة إلى الكمالات؟
هل يعقل أن الله يرسل موسى إماما ورحمة إلى بضعة آلاف نفس من بني إسرائيل. ويترك مئات الملايين من الصينيين واليابانيين وسائر الآسيويين والإفريقيين والأستراليين وغيرهم بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير؟ يهيمون في الظلمات ويعمهون في الضلالات بلا مرشد ولا رسول كريم؟ هل يتصور أن الله وهو الخالق العادل المنزه عن المحاباة والمصانعة يوحي حقائق الدين إلى بضعة آلاف من الناس، ويترك ملايين الملايين في الظلام البهيم[29] والفساد العميم؟ لا، بل قال سبحانه وتعالى: )وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (24)( (فاطر)، وقال سبحانه وتعالى: )منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك( (غافر: 78).
من هنا يتضح أن الله أرسل لكل أمة رسولا وكتابا، وجمعهم على دينه قرونا وأحقابا. وها نحن في زمان أخذت فيه الأمم تتعارف لتتبادل الأفكار والعلوم والمرافق الحيوية، وأخذت نواميس الحياة تسوقها سوقا إلى وحدة العقائد، كما وحدتها في المدركات العلمية والعملية، وهنا شعور عام بضرورة وجود دين عام، وكيف يمكن للإنسانية دين عام.
وجميع الأديان التي أمامنا تكلف تلك الأمم بالانخلاع من شخصيتها التي اكتسبتها في عشرات القرون، والتقمص[30] بشخصية جديدة تكفر بسائر أنبيائها وتعدهم كذابين مزورين، وتحتقر جميع مقدسيها وأقدميها، لا جرم أن أمثال هذه الأديان المحرفة لا يستطيع أحدها أن يكون دينا عاما مطلقا، ما دام لم ينظر لمجموع الإنسانية كلها بنظر أحوالها المراعي الحكمة في تكليفها.
على أن في محاولة هذه الأديان خلع من يتمسك بها من كل ما كان يعتقده قليلا، ودفعه للكفر بجميع ما كان فيه يعد جورا وميلا عن الحق الظاهر؛ لأنه ما الذي يرجح للإنسان أن يعتقد بعيسى ويكفر ببوذا مع العلم بأن الاثنين أسسا دينا وجاءا بإصلاح كبير، واتبعهما خلق كثير، وكانا سواء في الصلاح والتقوى، وحب الإنسانية؟ وما الذي يرجح له أن يحترم الأناجيل والقديسين والنصارى، ويحتقر كل ما له علاقة بديانة بوذا مثلا؟
فالعدل كل العدل أن يعتقد الإنسان بكل رسول أرسله الله للأمم، مستدلا على رسالته بآثاره وأعماله وتاريخ حياته، فيؤمن بجميع رسل الله إجمالا، وبجميع كتبه جملة، تاركا التعصب الذميم والانتصار لأحد المرسلين دون الآخرين، جاعلا دينه قوله سبحانه وتعالى: )قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (136)( (البقرة).
هذا هو الدين الحق العادل العام الصالح لأن يجمع الشعوب والأمم كافة، ويؤاخي بينهم ويرضيهم جميعا، وينزع من قلوبهم العداوة والبغضاء، والسخائم[31] القديمة الموروثة بسبب كفر بعضهم بأنبياء بعض، واحتقار بعضهم لكتب بعض.
هنا تنجم مشكلة تعوز حلا مقبولا، وهي أن جميع الكتب الدينية التي بأيدي الأمم محرفة مبدلة. وقد تولاها رجال بالشروح، والتأويلات حتى خرجت به الأديان عن أصولها، وصارت كلها متناقضة تسمح للملحد بأن يقول: إذا كانت الأديان - كما تزعمون - وحيا من الله، فلماذا تجدها متناقضة متعاكسة، فإما أنكم حرفتموها عن أصولها، وإما أنكم كذبتم على الله بنسبتها إليه؛ لأنه لا يقال إن الله ينزل على قوم دينا يعلمهم فيه أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، منزه عن الجسم والجسمانيات، لا تحيط به الأفكار ولا الظنون، ثم يوحي إلى آخرين دينا يقرر لهم فيه أن له ثلاثة أقانيم، وأنه أرسل ولده ليفتدي العالم، ثم يوحي إلى أمة أخرى بأنه تجسد في جسد فلان وحل في جسم فلان... إلخ، مما لا يمكن التوفيق بينه بأي وجه من الوجوه.
هذه معضلة لا يحلها إلا أحد أمرين: إما الاعتقاد بأن هذه الأديان محرفة، أو بأنها ليست وحيا من الله، ولكنها من أفكار من وضعها من الأقدمين. أما القول بأنها من موضوعات الأقدمين فلا ينهض به دليل؛ لأن الرجال الفضلاء الكاملين الذين دلت حياتهم على فضل وتقوى وزهد وعبادة، الذين قالوا: نحن رسل الله جئنا بدين الله، يبعد أن يكونوا من الكاذبين؛ لأن التزوير لا يولد فضيلة، ولا ينتج كمالا ولا تقوى.. إذن لم يبق أمامنا إلا الغرض الثاني، وهو أن هذه الأديان حرفت عن أصولها وأن أصلها كلها واحد.
· إن وصلنا إلى هذا الحد قلنا: ها هو رسول كريم، أرسله الله رحمة للعالمين، دلنا بتاريخ حياته من أولها إلى آخرها في زهده وعبادته وتواضعه، وبعده عن زخارف الدنيا على أنه واحد من أولئك المرسلين، جاءنا يقول عن الله سبحانه وتعالى: )يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا (174) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما (175)( (النساء).
· جاء هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول عن ربه سبحانه وتعالى: )شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب (13) وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب (14) فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير (15)( (الشورى).
هذا الرسول الكريم أمرنا بالإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين وبكتب الله أجمعين، وجعل ذلك قاعدة ديننا وعمدة إيماننا، ثم أمرنا بالخير كله، ونهانا عن الشر كله، وعرفنا سبل الكمال، وأمات فينا نزعة الحقد والتعصب الممقوت[32]، وشرع لنا ناموس الأخلاق، ونهج لنا طريق الكمالات فأي ديانة غير هذه الديانة يمكن اتباعها والعمل بها في هذا العصر، الذي كثرت فيه الشكوك على الأديان، وأصبح فيه علم اللاهوت عدوا لتلك المقالات التي يوردها أصحاب الملل في الله، جهلا وتقليدا لأفكار السابقين" [33].
لا شك أنه الإسلام لا غيره - حقا لا تعصبا - هو الأولى والأجدر، والأحق بالاتباع من تلك الديانات السماوية المحرفة أو الوضعية الناقصة وأولى بالناس - إنصافا لأنفسهم وللحق - أن يتحولوا إليه لا عنه.
الخلاصة:
· طالب الإسلام أتباعه بالاعتراف بالأنبياء السابقين وكتبهم - في أصلها السماوي الصحيح - وأوضح أنه جاء متمما ومجملا لها ومهيمنا عليها، بينما تناكر الآخرون فيما بينهم، فالسابق منهم أنكر اللاحق، وكلهم أنكر رسالة الإسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
· الديانات السابقة أصابتها يد التحريف والتبديل والتضليل، خاصة في مسألة التوحيد التي هي جوهر الأديان السماوية، فكيف يطالب الناس باتباعها، واعتناق تعاليمها المحرفة المضللة، ففي المسيحية مثلا: هل يتبع الناس المسيحية الحقة التي نزلت على عيسى ودعا إليها، وقد اندثرت معالمها؟ أم يتبعون المسيحية السائدة الآن وهي التي أسسها بولس منحرفا بها عن الأصول الصحيحة؟!!
· بشرت الكتب السماوية السابقة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - قبل تحريفها، وأوجبت اتباعه وتصديقه، والتحول إلى ديانته، والاعتقاد بعقيدته، لا البقاء على دياناتهم السابقة كما يزعم الزاعمون.
· كانت الحاجة لرسالة الإسلام العالمية الخاتمة ضرورية وماسة؛ لأجل إصلاح حال البشرية، وهدايتها إلى الطريق السوي بعد التحريف والتضليل، لأنها الديانة التي لم تمسها يد التحريف والتغيير، وهي ديانة الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وهي الوحيدة التي تصلح للبشرية جمعاء؛ لأنها تؤمن بجميع الرسل والرسالات قبلها.
· المفهوم من الآية الكريمة التي احتج بها الزاعمون، أن هذه الجماعات من اليهود والنصارى والصابئة على صواب؛ لأنها آمنت بالله وكتبه ورسله، وأولاهم بالتصديق به هو خاتمهم صاحب الرسالة العامة الخاتمة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن كان منهم على هذه الشاكلة من الإيمان والاعتقاد، فهو على صواب وله الأجر من الله، لا من هم على الإيمان المغلوط الفاسد بالتعاليم المحرفة والعقائد الباطلة.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى