مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* الطعن في أحاديث عذاب القبر ونعيمه 1

اذهب الى الأسفل

*  الطعن في أحاديث عذاب القبر ونعيمه 1 Empty * الطعن في أحاديث عذاب القبر ونعيمه 1

مُساهمة  طارق فتحي الثلاثاء ديسمبر 16, 2014 9:13 am

الجزء الاول ....
مضمون الشبهة:
يطعن منكرو السنة في صحة أحاديث عذاب القبر، ويقولون: إنها خرافة لم تظهر إلا في نهاية القرن الثاني الهجري في حديثين عند مالك، ثم ظهرت واضحة عند البخاري ومسلم في القرن الثالث الهجري، ولم ينته القرن الخامس حتى نشر البيهقي كتابه (إثبات عذاب القبر).
ويستدلون على ذلك بأن هذه الأحاديث تعارض القرآن والعقل، فضلا عن تعارضها فيما بينها.
كما يستدلون على ذلك بقوله تعالى: )قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل (11)( (غافر) ويقولون: لو كان الميت يحيا في قبره للزم أن يحيا ثلاث مرات ويموت ثلاثا، وهذا خلاف النص، ويعارض قوله تعالى: )وإنما توفون أجوركم يوم القيامة( (آل عمران:١٨٥) فكل يحاسب يوم القيامة وفقط، وقوله: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة( (إبراهيم: ٢٧(، فالقول الثابت للأحياء في الدنيا أو يوم القيامة، وليس هناك دليل على أنه في القبر، وهذه الآيات في جملتها تنفي وجود عذاب في القبر.
ومن الأحاديث التي يستدلون بها، ويقولون: إنها ناسخة لأحاديث عذاب القبر ومتعارضة معها - قوله صلى الله عليه وسلم: «لا عذاب دون يوم القيامة»، كما أنها أخبار آحاد لا يؤخذ بها في العقائد، ورجالها ضعفاء.
ومن الأدلة العقلية التي يوردونها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر، وعذاب القبر غيب لم يطلع عليه بشر، فكيف يخبر النبي أصحابه بهذه الأمور، ولو كان عذاب القبر له أصل لرأى النباش في القبور آثارا للعقاب على الميت، فيشاهد عليه أثر الضرب أو ضم الأضلاع واختلافها، وكيف يكون هناك ميتان بجوار بعضهما أحدهما يعذب والآخر ينعم؟ وهل كل ميت يعذب، أم أن العذاب واقع على المقبور فقط؟ وكيف تتسع الأرض وتضيق، وقد أخبر الله أنها هامدة؟ فما القبر إلا موضع ليواري سوأة الميت.
رامين من وراء ذلك إلى إنكار عذاب القبر ونعيمه، ومن ثم الطعن في السنة النبوية.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تثبت حقيقة عذاب القبر ونعيمه، وقد فسرها العلماء بما يفيد أن هناك حياة برزخية لها أحكامها الخاصة بها، وأنها فيها امتحان وسؤال وجزاء، فمن ثبته الله جازاه بالنعيم في القبر، ومن كان غير ذلك بقي في العذاب إلى يوم القيامة بما لا يعارض الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا المعنى.
2) الأحاديث الواردة في عذاب القبر ونعيمه أحاديث صحيحة متواترة، غير منسوخة، ومن خلالها أجمع العلماء قديما وحديثا على ثبوت عذاب القبر ونعيمه، ولم ينكر ذلك إلا جاحد لا يؤمن بالغيب، ولا يسلم لله ورسوله.
3) إن الشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، وعليه فإن العقل الصريح لا ينكر عذاب القبر ونعيمه بدعوى أنه غير محسوس؛ ذلك لأن حياة البرزخ من الغيبيات التي يجب الإيمان بها مطلقا دون اعتراض، وقد أعطانا الله صورة محسوسة لذلك، وهي صورة النائم الحالم.
التفصيل:
أولا. إثبات القرآن حقيقة عذاب القبر بما لا يعارض الاحاديث الواردة في هذا الشأن:
إن عقيدة أهل السنة والجماعة قائمة على الإيمان بالله - عز وجل - وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، والقبر من الحقائق والغيبيات التي تتعلق بركن اليوم الآخر، فلابد لكل مؤمن بالله - عز وجل - أن يؤمن بحقيقة القبر وما يحدث فيه من عذاب ونعيم؛ فالمنكر لعذاب القبر ونعيمه منكر لجزء من أركان الإيمان بالله تعالى، والإيمان بالغيب من أول الصفات التي امتدح الله - عز وجل - بها عباده المؤمنين فقال: )الم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب( (البقرة).
ولقد أثبت القرآن الكريم حقيقة عذاب القبر ونعيمه بما يتفق مع ما جاءت به السنة النبوية في هذا المعنى دون تعارض أو اختلاف؛ فقد جاءت آيات عديدة في هذا الشأن، ثم بينها ووضحها المفسرون على أنها تثبت عذاب القبر وتؤكده، ومن هذه الآيات:
·   قوله تعالى: )كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (185)( (آل عمران).
يقول الألوسي رحمه الله: ")وإنما توفون أجوركم( (آل عمران: ١٨٥) أي: تعطون أجزية أعمالكم وافية تامة، )يوم القيامة( (آل عمران: ١٨٥) أي: وقت قيامكم من القبور، فالقيامة مصدر والوحدة لقيامهم دفعة واحدة، وفي لفظ التوفية إشارة إلى أن بعض أجورهم من خير أو شر تصل إليهم قبل ذلك اليوم...وقيل: النكتة في ذلك أنه قد يقع الجزاء ببعض الأعمال في الدنيا، ولعل من ينكر عذاب القبر تتعين عنده هذه النكتة"[1].
ويقول البقاعي رحمه الله: " )وإنما توفون( أي: تعطون )أجوركم( على التمام جزاء على ما عملتموه من خير وشر )يوم القيامة(، وأما ما يكون قبل ذلك من نعيم القبر ونحوه فبعض لا وفاء"[2].
ويقول الزمخشري: "كلمة التوفية تزيل الوهم، لأن المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم، وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور[3].
ويقول السعدي رحمه الله: " )وإنما توفون أجوركم يوم القيامة( (آل عمران: ١٨٥)، أي توفية الأعمال التامة، إنما يكون يوم القيامة، وأما ما دون ذلك فيكون في البرزخ"[4].
وهذه الآية قد احتج بها الطاعنون على أنه لا عذاب في القبر، وقالوا: إن توفية الأجور يوم القيامة وفقط، والكل يحاسب يوم القيامة، وقد رد المفسرون بالكلام السابق على هذا الطعن، وأوضحوا أن هناك عذابا في القبر، وهو جزء من العذاب الأوفى والأكبر يوم القيامة.
·       قوله تعالى: )ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون (93)( (الأنعام)، "وهذا خطاب لهم عند الموت، وقد أخبرت الملائكة - وهم الصادقون - أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون، ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال لهم: )اليوم تجزون("[5] فدل ذلك على أن المراد به عذاب القبر، وفي هذا يقول الشيخ صديق حسن: ")اليوم(؛ أي: اليوم الذي تقبض فيه أرواحكم، أو أرادوا باليوم: الوقت الذي يعذبون فيه الذي مبدؤه عذاب القبر"[6].
وقد استهل الإمام البخاري الحديث عن عذاب القبر بترجمة فقهية بليغة تكفي للرد على من أنكر عذاب القبر، وقد أسمى هذه المقدمة "باب ما جاء في عذاب القبر، وقوله تعالى: )ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون( (الأنعام: ٩٣) هو الهوان، والهون: الرق. وقوله جل ذكره: )سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم (101)( (التوبة)، وقوله تعالى: )وحاق بآل فرعون سوء العذاب (45) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب (46)( (غافر)"[7].
يقول ابن حجر - رحمه الله - تعليقا على تبويب البخاري: "قوله: (وقوله تعالى) بالجر عطفا على عذاب القبر، أي ما ورد في تفسير الآيات المذكورة، وكأن المصنف قدم ذكر هذه الآيات لينبه على ثبوت ذكره في القرآن، خلافا لمن رده، وزعم أنه لم يرد ذكره إلا من أخبار الآحاد، فأما الآية التي في الأنعام، فروى الطبراني وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: )ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم( (الأنعام: ٩٣)، قال: هذا عند الموت، والبسط: الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم. ويشهد له قوله تعالى في سورة القتال: )فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (27)( (محمد)، وهذا وإن كان قبل الدفن فهو من جملة العذاب الواقع قبل يوم القيامة، وإنما أضيف العذاب إلى القبر لكون معظمه يقع فيه، ولكون الغالب على الموتى أن يقبروا، وإلا فالكافر ومن شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته ولو لم يدفن، ولكن ذلك محجوب عن الخلق إلا من شاء الله"[8].
·       قوله تعالى: )وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم (101)( (التوبة).
اتفق المفسرون قديما وحديثا في تفسير هذه الآية على أن العذاب الأول في الدنيا، بالحدود أو الجوع، والعذاب الثاني هو عذاب القبر، ومن ذلك ما أورده الإمام الطبري - رحمه الله - من آثار في تفسير هذه الآية، ومنها قوله: "وقوله: )سنعذبهم مرتين(، يقول: سنعذب هؤلاء المنافقين مرتين، إحداهما في الدنيا، والأخرى في القبر"[9].
وقال آخرون: بالحدود وعذاب القبر، وقال غيرهم: بالجوع وعذاب القبر.
"قال مجاهد في قوله: )سنعذبهم مرتين(: يعني القتل والسبي، وقال في رواية: بالجوع وعذاب القبر، ثم يردون إلى عذاب عظيم، وقال ابن جريج: عذاب الدنيا وعذاب القبر. وقال الحسن البصري: عذاب في الدنيا وعذاب في القبر[10].
وقال ابن إسحاق: هو ما يدخل عليهم من غيظ الإسلام، ودخولهم فيه من غير حسبة، ثم عذاب القبر[11].
فاختلفوا بذلك في عذاب المرة الأولى، ولكنهم اتفقوا على أن عذاب المرة الثانية هو عذاب القبر.
·       قوله تعالى: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء (27)( (إبراهيم).
روى الإمام الطبري - رحمه الله - بسنده إلى البراء بن عازب في قوله تعالى: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا( (إبراهيم:٢٧)، قال: "التثبيت في الحياة إذا أتاه الملكان في القبر فقالا له: من ربك؟ فقال: ربي الله، فقالا له: ما دينك؟ قال: ديني الإسلام، فقالا له: من نبيك؟ قال: نبيي محمد - صلى الله عليه وسلم - فذلك التثبيت في الحياة الدنيا"[12].
ويقول القرطبي رحمه الله: "روى النسائي عن البراء قال: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة( (إبراهيم: ٢٧)، نزلت في عذاب القبر... وقيل: يثبتهم الله في الدارين جزاء لهم على القول الثابت، وقال القفال وجماعة: )في الحياة الدنيا(؛ أي في القبر؛ لأن الموتى في الدنيا إلى أن يبعثوا، )وفي الآخرة( أي عند الحساب"[13].
وعلى هذا فلا يحق الاعتراض بأن الآية لم يأت فيها لفظ القبر، وقد فسرها المفسرون بأن عذاب القبر ورد فيها ضمنا.
·       قوله تعالى: )ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124)( (طه).
روى الإمام الطبري - رحمه الله - بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال في قول الله تعالى: )معيشة ضنكا( قال: عذاب القبر.
وروى عنه - أيضا - أنه قال في تفسيرها: يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وقال أيضا: المعيشة الضنك: عذاب القبر، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتخدش لحمه حتى يبعث، وكان يقال: لو أن تنينا منها نفخ الأرض لم تنبت زرعا[14].
·       قوله تعالى: )ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون (21)( (السجدة).
روى الطبري - رحمه الله - بسنده عن مجاهد في هذه الآية، أنه قال: "الأدنى في القبور وعذاب الدنيا"[15].
"وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة: يعني به عذاب القبر"[16] ويقول السعدي رحمه الله: "وهذه الآية من الأدلة على إثبات عذاب القبر، ودلالتها ظاهرة، فإنه قال: )ولنذيقنهم من العذاب( (السجدة: ٢١)؛ أي: بعض وجزء منه، فدل على أن ثم عذابا أدنى قبل العذاب الأكبر وهو عذاب النار[17].
·       قوله تعالى: )قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل (11)( (غافر)، وقوله تعالى: )كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28)( (البقرة).
روى الطبري - رحمه الله - بسنده إلى السدي في قوله: )أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين( (غافر:١١)، "قال: أميتوا في الدنيا، ثم أحيوا في قبورهم، فسئلوا أو خوطبوا، ثم أميتوا في قبورهم، ثم أحيوا في الآخرة"[18].
وما قاله ابن كثير والبغوي وغيرهما من المفسرين - رحمهم الله - هو عين ما قاله الطبري - رحمه الله، والآيتان متشابهتان، كما قال ابن عباس وقتادة والضحاك.
ويروي الطبري أيضا في تفسير آية البقرة بسنده إلى أبي صالح أنه قال: "يحييكم في القبر ثم يميتكم"[19].
ولقد طعن بعض المشككين في عذاب القبر مستدلين بهاتين الآيتين وقالوا: لو كان الإنسان يحيا في قبره للزم أن يحيا ثلاث مرات، ويموت ثلاثا، وهذا خلاف النص.
والحق أن هذا الطعن مردود بلا شك، ويؤيد ذلك ما أورده الطبري - رحمه الله - بسنده إلى ابن عباس في تفسير آية البقرة قال: "كنتم ترابا قبل أن يخلقكم، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم، فهذه إحياءة، ثم يميتكم، فترجعون إلى القبور، فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه إحياءة، فهما ميتتان وحياتان"[20].
وكذلك ما أورده الطبري بسنده إلى قتادة في هذه الآية، قال: "كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله وخلقهم، ثم أماتهم الموتة التي لابد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان"[21].
والذي يقرأ كلام الطبري - رحمه الله - الذي رواه عن السدي، يظن أن هناك حياة ثالثة وموتة ثالثة، مع أنه يقول: إنما هما حياتان وموتتان، وقد فصل ابن حجر هذا التعارض والإشكال وأوضحه بقوله: "إن المراد بالحياة في القبر للمسألة ليست الحياة المستقرة المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبيره وتصرفه، وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، بل هي مجرد إعادة لفائدة الامتحان الذي وردت به الأحاديث الصحيحة، فهي إعادة عارضة، كما حيي خلق لكثير من الأنبياء لمسألتهم لهم عن أشياء ثم عادوا موتى"[22].
فحياة القبور وما فيها من نعيم أو عذاب تختلف عن حياة الدنيا وحياة الآخرة، فهي حياة برزخية لا طاقة للعقل في إدراكها، ولا يمكنه أن يصل إلى كيفيتها، وإنما يتوقف الإيمان بهذه الحياة على النصوص الواردة، قال تعالى: )ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (100)( (المؤمنون).
·       قوله تعالى: )النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب (46)( (غافر).
إن هذه الآية لهي أعظم دليل على عذاب القبر ونعيمه، ولا يظنن ظان أن هذه الآية خاصة بآل فرعون فقط، وإنما هي لعموم من كتب عليه العذاب في القبر، ويقول ابن مسعود: أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود يعرضون على النار كل يوم مرتين، تغدو وتروح إلى النار، ويقال: يا آل فرعون هذه منازلكم حتى تقوم الساعة[23].
يقول القرطبي - رحمه الله: "والجمهور على أن هذا العرض في البرزخ، واحتج بعض أهل العلم في تثبيت عذاب القبر بقوله: )النار يعرضون عليها غدوا وعشيا( (غافر:٤٦) ما دامت الدنيا. كذلك قال مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب، كلهم قال: هذه الآية تدل على عذاب القبر في الدنيا؛ ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة: )ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب (46)( (غافر)؟"[24].
·       قوله تعالى: )فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون (45) يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون (46) وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون (47)( (الطور).
يقول الإمام الطبري - رحمه الله: "حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء: )عذابا دون ذلك( (الطور: ٤٧)، قال: عذاب القبر، وقال حدثني علي بسنده إلى ابن عباس: وقوله: )وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك( (الطور:٤٧)، يقول: عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة، وعن قتادة أن ابن عباس كان يقول: إنكم لتجدون عذاب القبر في كتاب الله: )وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك( (الطور:٤٧)"[25].
·       قوله تعالى: )مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا( (نوح: ٢٥)، والفاء تدل في اللغة العربية على الترتيب والتعقيب، أو تدل على السرعة، فدخول النار في الآية عقب الغرق مباشرة، ويكون في البرزخ وليس في يوم القيامة[26].
ويقول الشيخ صديق حسن خان في تفسيرها: "قيل: عذاب القبر، وعلى هذا هو على بابه، كقوله في آل فرعون: )النار يعرضون عليها غدوا وعشيا( (غافر: ٤٦)"[27].
·       قوله تعالى: )ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (154)( (البقرة)، وقوله تعالى: )ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169)( (آل عمران).
وهذه الآية دليل على أن الشهداء يحيون حياة برزخية في قبورهم، ولكن هذا ليس خاصا بالشهداء فقط دون غيرهم، ودليل ذلك ما أورده الإمام الطبري - رحمه الله: "فإن قال لنا قائل: وما في قوله: )ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء( (البقرة:١٥٤) من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعم به غيره، وقد علمت تظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم، فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى الجنة يشمون منها روحها، ويستعجلون الله قيام الساعة، ليصيروا إلى مساكنهم منها، ويجمع بينهم وبين أهاليهم وأولادهم فيها، وعن الكافرين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى النار ينظرون إليها، ويصيبهم من نتنها ومكروهها، ويسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يقمعهم فيها، ويسألون الله فيها تأخير قيام الساعة، حذرا من المصير إلى ما أعد الله لهم فيها، مع أشباه ذلك من الأخبار، وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما الذي خص به القتيل في سبيل الله، مما لم يعم به سائر البشر غيره من الحياة؟ وسائر الكفار والمؤمنين غيره أحياء في البرزخ، أما الكفار فمعذبون بالمعيشة الضنك، وأما المؤمنون فمنعمون بالروح والريحان ونسيم الجنان"[28].
إن كلام الإمام الطبري - رحمه الله - ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إقرار ورد وسؤال، أما الإقرار فهو أن عذاب القبر واقع لكل كافر، ونعيمه واقع لكل مؤمن، وهذا لا شك فيه، وقد أثبتناه بأدلة الكتاب السابقة، وسنثبته - إن شاء الله تعالى - بأدلة السنة النبوية والأدلة العقلية.
أما الرد فكان على من ظن أن الحياة البرزخية في القبور مقصورة على الشهداء فقط، وأما السؤال فهو عن المزية التي اختص الله بها الشهداء، وقد قلنا أن الحياة البرزخية في القبر تكون للمؤمنين والكافرين.
وقد أجاب الإمام - رحمه الله - عن هذا السؤال بقوله: "إن الذي خص الله به الشهداء في ذلك، وأفاد المؤمنين بخبره عنهم - تعالى ذكره - إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهم قبل بعثهم، ومنعمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر، من لذيذ مطاعمها الذي لم يطعمها الله أحدا غيرهم في برزخه قبل بعثه، فذلك هو الفضيلة التي فضلهم بها وخصهم بها عن غيرهم، والفائدة التي أفاد المؤمنين بالخبر عنهم، فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: )ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما آتاهم الله من فضله( (آل عمران)[29].
وقد جاءت عدة آثار من آيات قرآنية وأحاديث نبوية تثبت فضل هؤلاء الشهداء ودرجتهم ومنزلتهم عند الله عز وجل.
وخلاصة القول: أن عذاب القبر ونعيمه، ثابتان بنصوص القرآن الكريم الصريحة في هذا الشأن، وهذا ما أكدت عليه السنة النبوية ووافقته دون اختلاف أو تعارض، كما سيأتي بيانه، ولا مجال للطعن في هذه الحقائق الغيبية.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى