مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* طه باقر- الانسة مي زيادة - داود سمرة - بهنام ابو الصوف - سارة خاتون -ع الرزاق الحسني

اذهب الى الأسفل

* طه باقر- الانسة مي زيادة - داود سمرة - بهنام ابو الصوف - سارة خاتون -ع الرزاق الحسني Empty * طه باقر- الانسة مي زيادة - داود سمرة - بهنام ابو الصوف - سارة خاتون -ع الرزاق الحسني

مُساهمة  طارق فتحي الإثنين يونيو 02, 2014 8:17 pm

طه باقر
سيرة حياة عالم الاثار العراقي
مُساهمة طارق فتحي في الأربعاء 14 نوفمبر 2012 - 5:52
طه باقر عالم آثارعراقي، ولد في العراق عام (1912) في محافظة بابل مدينة الحلة، أكمل دراسته المتوسطة كان من الطلبة الاوائل لذلك فانه انتقل لاكمال دراسته وعلى نفقة وزارة المعارف إلى الولايات المتحدة لدراسة علم الاثار في المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو مع زميله فؤاد سفر بعد نيلهم شهادة ماتريكوليشن " Matriculation" الإنجليزية في مدينة صفد الفلسطينية وبعد ذلك نقل ومن معه من طلاب البعثة إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لاجتياز مرحلة السوفومور "Sophomore" وهي عبارة عن مرحلة دراسية تحضيرية وبعد تلك المرحلة سافر إلى الولايات المتحدة الاميريكية لاكمال دراسة علم الآثار وبعد مدة اربع سنوات حصل على شهادة البكالوريوس والماجستير وكانت العودة عام (1938).
نال لقب الاستاذية من جامعة بغداد عام (1959)م.
المناصب والوظائف التي شغلها طه في مديرية الاثار العراقية من عام (1938) الى عام (1963):
1- خبير فني (1938) – (1941) وخلال هذه الفترة، وفي آذار عام (1939) دعي إلى الخدمة العسكرية ضباط احتياط.
2- أمين المتحف العراقي من (1941) – (1953).
3- معاون مدير الاثار العام (1953) – (1958).
4- مفتش التنقيبات العام لفترة (1958).
5- مدير الاثار العام (1958) – (1963).
6- من مؤسسي مجلة سومر وعضوية هيئة تحريرها من عام (1945) – (1958)، وترأس تحريرها من عام (1958) - (1963).
7- كما وقام بتدريس مواضيع التاريخ القديم والحضارة في كلية التربية دار المعلمين العالية سابقاً، من عام (1941) - (1960). 8- وكذلك قام بتدريس مواضيع التاريخ القديم والحضارة واللغات القديمة (الاكدية والسومرية) في قسم الاثار كلية الاداب - جامعة بغداد (1951) – (1963).
8- كما وكان عضو المجلس التأسيسي لـ"جامعة بغداد" عام (1957) - (1958).
وكان عضو مجلس جامعة بغداد (1960) – (1963)، ونائب رئيس جامعة بغداد (1961) – (1963) ثم احيل على التقاعد في (Cool شباط.
وبعدها سافر إلى ليبيا وعمل مستشاراً في مصلحة الآثار الليبية بين عامي (1965) – (1970) وعمل فيها كذلك استاذ في الجامعة الليبية.
وبعدها عاد الى العراق وتم اعادة تعيينه بمرتبة استاذ في جامعة بغداد كلية الاداب عام (1970) – (1978) حتى تقاعده وخلال هذه السنوات كان غزير الانتاج العلمي والتأليف ولا مجال هنا إلى ذكر مؤلفاته الكثيرة ولكن من أهمها كتاب مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة بجزئية الأول (بلاد الرافدين) والثاني وادي النيل الأخرى مقدمة في أدب العراق القديم وترجمته لملحمة كلكامش إلى العربية.
منذ عام (1980) ساءت حالته الصحية سافر على اثرها إلى بريطانيا للعلاج الا انه توفي بعد عودته إلى الوطن وكان ذلك يوم الثامن والعشرين من شباط عام 1984، منحه اتحاد الآثاريين العرب في القاهرة درع الاتحاد عام (2002) لما قدمه من خدمات جليلة في حقل الآثار.
العلامة عبدالرزاق السنهوري أستاذ القانون
يقول الادباء ان المعرف لا يعرف، فالعلامة السنهوري الذي اشرف على وضع أول قانون مدني عربي للعراق بناء على طلب الحكومة العراقية قد اضطر للإقامة في بعقوبة التي احبها وأحب اهلها وامتدح طيبتهم وكرمهم.. وأقام في دمشق تارة اخرى للاستمرار في وضع القانون المذكور، لأن حكومة الوفد في مصر كانت تطارده كونه من اعوان المناهضين لزعامة علي ماهر والنقراشي، بل طلبت من حكومة العراق رسميا عدم السماح له بالعمل في مؤسساتها، فاضطرت الحكومة العراقية الى مناشدته الاقامة في بعقوبة وتأمين كل متطلباته، لكي تؤكد لمصر انه غير موجود في بغداد.وقد امتدح اهالي بعقوبة كثيرا.
استجاب الى طلب الحكومة ولكن ما يتوفر في العاصمة غير ما يتوفر في بعقوبة وخاصة الصحف والمجلات وأجهزة الراديو وغير ذلك .. وطلب من الحكومة العراقية ان يعيش في دمشق لإكمال ما كلف به.. رحبت الحكومة السورية به وعرضت عليه منصبا مهما إلا انه ظل على تعاقده واستمر يعد مواد القانون العراقي من دمشق .. كما ان الزعيم الوطني المرحوم ياسين باشا الهاشمي في عهد وزارته الثانية عام 1935 استدعاه لتولي عمادة كلية الحقوق ووضع القانون المدني الى جانب قوانين اخرى،واستعان وزير العدل محمد زكي بالعلامة السنهوري لتعديل قانون العشائر العراقية الذي وضعه المستعمرون الانكليز لإدارة شؤون البلاد على النحو الذي يديرون فيه مستعمراتهم وخاصة الهند.
اجتمعت اللجنة الحقوقية في مجلس النواب لدرس التعديلات التي ادخلها العلامة السنهوري على قانون العشائر، ولكن هذه التعديلات لم تلق تأييدا من السيد رشيد عالي الكيلاني وزير الداخلية لأنه رأى فيها ما يضعف قوة السلطة التنفيذية، واعتمدت جميع الحكومات التي اعقبت وزارة المرحوم ياسين باشا الهاشمي على جهوده في اصلاح الاوضاع القانونية. ولما تأكد للحكومة المصرية الموقع المتميز الذي ناله العلامة السنهوري في العراق طالبت بإبعاده عن العراق. إلا ان الحكومة العراقية امتنعت عن ذلك. وتصور البعض عدم الاستجابة هذه انها نتيجة للخلاف السياسي بين نوري السعيد والنحاس باشا، لكن الحقيقة هي ان حاجة العراق للسنهوري قد وضعت فوق كل اعتبار خاصة وانه لم يمارس عملا سياسيا يؤثر في العلاقات المصرية المتصادمة مع بعضها لأن (الخلاف المكبوت) بين العراق ومصر كان منحصرا بين الاسرتين الملكيتين، حيث كانتا تتنافسان تنافسا وهميا على وراثة (الخلافة الاسلامية) التي كان الانكليز يثيرون موضوعها وهي من اساليبهم الدنيئة (فرق تسد) وزرع الفتن والشقاق بين العرب والمسلمين.
كان العلامة السنهوري عن حسن الظن في الابقاء على خدماته القيمة للعراق فقد رفع من مستوى كلية الحقوق وشجع الدراسات العليا، واليه يعود الفضل في اعداد الكثير من القانونيين، وأساتذة الحقوق وحكام التمييز وآخرين شغلوا مناصب عليا في الدولة بجدارة وكفاءة، كما ارتبط بعلاقات واسعة مع عدد كبير من رجال الفقه والقانون والأدباء والشعراء.
حفظ العلامة السنهوري بعد عودته الى مصر افضال العراقيين ونخوتهم وكرمهم وظل يقف الى جانب الطلبة العراقيين الدارسين في مصر ويوجههم ويساعدهم في المصادر ويوصي اساتذتهم، وكان يقف الى جانب العناصر الوطنية في مواقفها ضد تصرفات المحتل البريطاني.. ويوم امتنعت وزارة مصطفى العمري عن تلبية مطالب الشعب بتبديل قانون انتخاب النواب بحجة عدم امكان اصدار مثل هذا القانون بمرسوم لعدم وجود مجلس للنواب، يومها استطلع المرحوم المناضل فائق السامرائي العلامة السنهوري في الموضوع فأصدر فتواه المشهورة (اصدار هذا المرسوم لا يشكل خلافا لأحكام الدستور)، وكان وقع تلك الفتوى من السنهوري على الحكومة شديدا، لأنه وضعها في موقف محرج، لكنها لم تنزل عن رأيها فكان ما كان من أمر الانتفاضة الشعبية التي انتهت بإزاحة مصطفى العمري.
لقد استمعت في السبعينيات محاضرة قيمة في نقابة المحامين من قبل تلميذ السنهوري المرحوم ضياء شيت خطاب الحاكم والقانوني المعروف تحدث فيها بإسهاب عن حياة السنهوري وخدماته التي قدمها للعراق وللأقطار العربية ومحاضراته وأفضاله العديدة، وكان يومها المرحوم حسين جميل حاضرا في هذه الندوة، وقد اثنى على المحاضر والمحاضرة، وعلى العلامة السنهوري، وذكر حادثة طريفة قال فيها:استدعاني عبدالكريم قاسم في قضية قانونية مهمة، وأعطاني مهلة ساعتين. يقول المرحوم حسين جميل: قلت له: عفوا انا لست السنهوري في مثل هذه القضية القانونية انها تحتاج الى دراسة مستفيضة والى متابعة وخبرة افتقرها. يومها انزعج قاسم مني، وقال: لا داعي، لا داعي، لا داعي.
ان عميد جامعة السربون، قال بحقه: انه فخر لامته ولشعبه ولكل القانونيين.
واليوم يخرج علينا محام لم يبرز اسمه ولم يسمع به قبل اخذ يصول ويجول في اكثر الفضائيات ويدور على الصحف ولا تفوته ندوة إلا ويتكلم بها، ويقول انا الخبير القانوني والمحلل السياسي والكاتب والمؤلف، وينال من استاذ اساتذته بقوله (للسنهوري سيط كاذب!، ولا فقهاء ومشرعين في العراق)، سبحان من يحيي العظام وهي رميم .. رحم الله من عرف قدر نفسه.

الآنسة ميّ ...
بين الكرملي والشيخ كاظم الدجيلي
كانت الأنسة ميّ زيادة الاديبة النابغة قد اتصلت بالأب انستاس ماري الكرملي وراسلته في سنة 1920 وساجلته في شؤون الادب، فاهتم بحسبها ونسبها وكتب الى زميل له من رهبان الناصرة -حيث رأت اديبتنا نور الشمس- يسأله مراجعة سجل الكنيسة وتحقيق مولدها واسرتها. فاجاب الراهب: انها ولدت في الناصرة وعمّدت في كنيستها في 11 نيسان 1886،
وسميت “بربارة” وامها من الناصرة، اما ابوها الياس زيادة فمن قضاء كسروان في لبنان، وكان عند ميلاد ابنته معلما في مدرسة “الارض المقدسة” (تيراسنتا) الفرنسية في الناصرة.
وقد كتبت الانسة مّي في مجلة “المقتطف” سنة 1919 عن الشعر القصصي الحماسي وعدم معرفة العرب اياه، فرد عليها كاظم الدجيلي، ثم ترضاها بقصيدة قال فيها:
قلبي بكل هواي لاسمك ذاكر
هل أنت شاعرة؟ فأني شاعر!
يرتاح للذكرى ويطرب كلما
وافاه طيف من خيالك زائر
يا من تحدثت الرجال بفضلها
وبها النساء النابغات تفاخر
لك في سويداء الفؤاد وفكرتي
وبمقلتي وفمي محل عامر
إني امرؤ بالنابغات متيم
وإلى النوابغ شوقه متكاثر
ولم يكن الدجيلي أول من تغزل بميّ غزلا ادبيا بريئاً طاهرا، فقد تغزل بها الادباء والشعراء، وهي الفتاة العبقرية الفريدة، غزلا كثيرا لا يخرج عن التجاوب الفكري والتعاطف الروحي والتعارف الادبي الذي جعل المرأة المثقفة الحساسة حلما في العيون ومغناطيسا جذابا للأفئدة والقلوب وخيالا مائلا ولكنه، في الوقت عينه، عزيزا بعيد المنال. وهل كان وليّ الدين يكن يقصدها حين قال:
تمسين ناسية وأمسي ذاكرا
عجباً، أشاعرة تهاجر شاعرا؟
فهل الملائك كالحسان هواجر
ان الملائك لا تكون هواجرا
إن كنت لا أسعى لدارك زائراً
فلكم سعى فكري لدارك زائرا
ولنعد الى شاعرنا الدجيلي فقد شكته الآنسة ميّ الى الأب الكرملي، فكتب إليها رسالة مطوّلة، وكان ذلك في سنة 1922، فكان ان ارسلت اليه بأحد كتبها وخاطبته في كلمة الاهداء: “إلى أعدل الظالمين من الشعراء”.
وعين الشيخ كاظم مدرساً للغة العربية في جامعة لندن فمرّ في طريقه بالقاهرة في أول سنة 1924 ومكث فيها أياما التقى في أثنائها بالدكتور يعقوب صروف صاحب المقتطف، لكنه سافر الى لندن دون ان يتاح له التعرف بالآنسة. وعاد الى اثارة النقاش في موضوع الشعر القصصي الحماسي عند العرب فكتبت ميّ تقول:
“لقد عاد الشيخ كاظم الدجيلي في فبراير 1924 الى موضوع الشعر القصصي الحماسي.. ناقشني وصمت خمسة اعوام درس خلالها الحقوق ونفحني بقصيدة نشرها في الهلال ودعاني فيها ببعض الاسماء الحلوة التي يبتكرها الشعراء يوم يوطدون النفس على معالجة العناد عند امرئ بوجه من الوجوه وعلى ان يسترضوه بالاوزان والاسجاع ليخاصموه بالنثر المرسل..”.
وختمت ردها تقول: “قيل لي يا سيدي الاستاذ انك رحلت الى انكلترا لتدرّس اللغة العربية في جامعة لندن، وسواء كانت الآن في انكلترا أم في العراق فهات يدك اصافحها!..”.
ومرّت الاعوام وحلت سنة 1930، فاذا بالدجيلي ينقل الى القنصلية العراقية في القاهرة، فيؤمها ويغشى محافلها الادبية والاجتماعية، وهيء له لقاء ميّ لاول مرة في بعض الحفلات، وكان الذي قدمه اليها الدكتور أمين معلوف، فقد اخذ بيده واتجه صوب سيدة مشرقة الطلعة من غير جمال اخاذ وقال: هل تعرفين هذا الرجل؟ قالت: لم يسعفني الحظ بلقائه من قبل. فضحك الدكتور معلوف وقال: كيف ذلك؟ إنه صديقك وخصمك كاظم الدجيلي! فصافحته ببشاشة وقالت: اذن أنت ذلك البغدادي الذي ناظرني وقارعني وترضاني منذ سنين!.
ولبث الدجيلي في القاهرة سنة واحدة كان يزور الآنسة في اثنائها مساء الخميس من كل اسبوع بحضور والدتها، وكان الكلام يدور حول الآدب والعلم والتاريخ والاجتماع. وفي سنة 1931 أعيد نقله الى لندن مراقبا للبعثة العلمية في المفوضية العراقية. ومضت سنتان او ثلاث، وفوجئ شاعرنا ذات يوم بزيارة ميّ على غير موعد، وكانت قد جاءت الى العاصمة البريطانية في رحلة قصيرة.
وقد سرّ بلقائها ايما سرور واحتفى بها في خلال الايام القليلة التي امضتها قبل عودتها الى مصر، واحتفل بها ايضا عطا امين القائم باعمال المفوضية آنذاك وثابت عبد النور. وقد وجدها الشيخ كاظم في اضطراب نفسي شديد: فقد توفيت والدتها التي كانت تلازمها وتتعهدها برعايتها وبقيت وحيدة لا أخ لها ولا اخت ولا صديق يواسيها ويعطف عليها.
عادت مي الى القاهرة فكتبت الى الشيخ رسالة شكر ختمتها بقولها: “أسأل الله ان يوحي الى شاعرنا الف قصيدة وقصيدة”، ولم يكن بوسع الدجيلي إلا ان يجيبها بقصيدة قال منها:
سلام على ميّ، سلام على مصر
سلام على صحبي بها ابد الدهر
واني وتهيامي بميّة، عاجز
عن النظم حتى في محاسنها الغرّ
تطالبني بالشعر ميّ وتبتغي
لشاعرها وحياً من الله بالشعر
ولم تدرِ أني في حياة بعيدة
عن الشعر إذ أني تقدمت في عمري
ومارست اعمال السياسة سالكا
مسالكها القصوى إلى حيث لا ادري
وكان بعد ذلك من أمر ميّ ما كان، فغلب عليها الداء وحجرت في المستشفى لتعود بعدها فلا تلبث حتى تقضي نحبها. وكان ذلك آخر العهد بالمناظرات الادبية بين الشاعر العراقي والاديبة المصرية التي شغلت المحافل والناس سنين طويلة.
عن مجلة بغداد 1948

داود سمرة
.. شيخ القضاء العراقي
كلفني احد شيوخ شارع المتنبي، بالرغم من انه شاب لكنه شيخ شارع المتنبي في بغداد(مازن لطيف) بكتابة شيء عن العراقي اليهودي داود سمرة، فقلت له: ان هذا العلم العراقي لم يغادر العراق واستمر ساكنا في بغداد منذ ولادته سنة 1878 وحتى وفاته فيها سنة 1960، وانه صاحب فضائل كثيرة ومناقب عديدة ولا يقل شأنا عن ابناء الطائفة الموسوية في العراق، اذ ان دوره القانوني والقضائي والادبي والثقافي والاجتماعي والاكاديمي لا يقل شأنا عن سواه من العراقيين ابناء الدين اليهودي، اذ حسبه فضيلة انه كان عضوا في المحكمة العليا التي انشأها دستور 1925 العراقي، والتي كانت تنعقد بصورة مؤقتة وليست دائمية عندما تصدر الارادة الملكية (امر الملك) للنظر في المسائل الدستورية .
وقد انعقدت هذه المحكمة لستة مرات فقط طيلة العهد الملكي، الذي ابتدأ سنة 1921، وانتهى في 14 تموز 1958، وقد كان عضوا في اربعة مرات، ذلك ان هذه المحكمة كانت تشكل للنظر في قضية دستورية من اربعة اعضاء من مجلس الاعيان، وهو المجلس الثاني في السلطة التشريعية الملكية والذي يتولى الملك تعيين اعضاء هذا المجلس مع المجلس الثاني المنتخب وهو مجلس النواب، وكان هذان المجلسان يعتبران السلطة التشريعية على وفق الدستور، وكانت المحكمة تضم اربعة قضاة من اعضاء محكمة التمييز الكبار والاعاظم، حيث كان داود سمرة احد قضاة محكمة التمييز، وقد انعقدت جميع جلسات هذه المحكمة برئاسة السيد محمد الصدر كونه رئيسا لمجلس الاعيان، اذ يشترط قانون هذه المحكمة تشكيلها من اربعة اعيان واربعة قضاة برئاسة رئيس مجلس الاعيان.والمرات الاربعة التي كان فيها داود سمرة عضوا في المحكمة الدستورية الملكية في جلستها بتاريخ 25/ 2/ 1931 لتفسير المادة (35) من الدستور الملكي (القانون الاساسي) فيما يتعلق بمخصصات عضو مجلس الاعيان عند وفاته.والمرة الثانية كانت في 24/ 12/ 1941 وكان الموضوع مسألة تعديل صلاحية الملك الدستورية في الفترة التي يتولى فيها الوصي على العرش السلطة بسبب صغر سن الملك.
والمرة الثالثة في 25/ 12/ 1941 وكان الموضوع فيها جواز تولي المرأة للعرش في حالة عدم وجود رجل في الاسرة المالكة، اي عند انقطاع ذرية الملك من الذكور (الرجال).والمرة الرابعة والاخيرة التي كان فيها داود سمرة عضوا في هذه المحكمة كانت في 23/ 2/ 1942 والمسألة كانت تحديد عدد اعضاء مجلس الاعيان.
وفي جميع القضايا التي تولت المحكمة العليا دراستها واصدار قرار فيها كان لداود سمرة الاثر الواضح.وداود سمرة الاكاديمي الذي تولى التدريس في مدرسة الحقوق (كلية القانون) وحتى بعد تحويلها الى كلية الحقوق، حيث كانت كلية القانون والسياسة الوحيدة في العراق واستمر في التدريس لسنوات عديدة وكان مثال الاستاذ القدير والمتمكن في المواد التي يدرسها وخاصة المرافعات والتنفيذ والقانون المدني وسواها من فروع القانون. ويذكر لنا الاستاذ مظفر حافظ الذي كان يدرسنا في كلية القانون بالجامعة المستنصرية في سنة 1972، ان داود سمرة كان الاستاذ الافضل بين المدرسين والاساتذة بحكم جمعه بين الشريعة الاسلامية التي استوى على احكامها والقوانين الغربية بسبب اجادته اللغة الانكليزية والمامه العام باللغات الاوربية، كذلك فانه جمع الجانب النظري للدراسة مع الجانب العملي باعتباره قاضيا خلافا للاساتذة الاخرين الذين يقتصر تدريسهم على الجانب النظري فقط، لا بل كان استاذنا يردد انه اختلس 90% في كتابه الذي جعله مرجعا ومصدرا من مؤلفات داود سمره التي كتبها.

وداود سمرة صاحب المجلس البغدادي الادبي المشهور والذي يفوق المجالس البغدادية الادبية للعراقيين اليهود ممن امتهن حرفة القانون كمجلس انور شاؤول المحامي ومجلس القانوني يوسف كبير ومجلس القاضي نعيم زلخه ومجلس الفقيه الدستوري روبين بطاط ومجلس التاجر المحامي صالح قحطان، لا بل ان مجلسه والمواضيع التي تناقش فيه من حيث تنوعها واختلافها من لغة وتاريخ وثقافة وادب وفلسفة وموروث شعبي وفقه اسلامي من المجالس المتميزة في بغداد، خلافا للمجالس البغدادية الاخرى، كمجلس الاب انستاس الكرملي والاخوين كوركيس وميخائيل عواد التي انصرفت الى نوع او نوعين من الثقافة هما الادب والتاريخ والاثار، وقد اتخذ من داره مكانا لهذا المجلس، حيث يتردد عليه فضلاء اهل الادب وكملاء اصحاب القانون ومثلاء ارباب الثقافة العامة، وقد كانت قدرته في معرفة احكام الشريعة والفقه الاسلامي بحكم دراسته لها كونها اساس القوانين العثمانية وكونه قاضيا يتولى تطبيق احكام الفقه في النزاعات والخصومات اثرا في اغناء هذا المجلس.وداود سمرة فقيه القانون الذي كتب مصنفات ومؤلفات كثيرة في القانون، حيث اصدر كتابا في شرح قانون المرافعات الذي طبع بطبعتين اولهما سنة 1923 وثانيهما سنة 1950 واصدر كتابا في شرح قانون التنفيذ، طبع ثلاث مرات في السنوات 1935 و1941 و1950 واصدر كتاب شرح قانون المحاكم الصلحية طبع سنة 1941، وتعتبر هذه الكتب متابعة للدعوى من بدئها بتقديم معروض (عريضة الدعوى) مرورا بالمرافعة والحكم والطعن بالحكم وتنفيذ الحكم، حتى استيفاء الحق عن طريق تنفيذه، وبالنظر لبراعته في ادب القضاء في التاريخ الاسلامي ومعرفته بالكتب الخاصة بهذا الموضوع، فانه تناول بشرح مفصل لاحكام القضاء والادلة والشهادات والاحوال الطارئة على الدعوى وسوى ذلك من مواضيع.وداود سمره القاضي الذي استمر نائب لرئيس محكمة التمييز العراقية لمدة تصل الى ثلاثين سنة، حيث كان انموذجا للقاضي العليم الفهيم، كما انه عمل في الادعاء العام وفي ديوان التدوين القانوني (مجلس شورى الدولة) حيث كان له دور في كتابة قانون الحكام والقضاة رقم (31) لسنة 1929 والقانون الذي حل محله القانون رقم 27 لسنة 1945 وقانون الخدمة القضائية رقم (58) لسنة 1956 والقانون المدني رقم (41) لسنة 1951 وقانون المرافعات المدنية والتجارية رقم (88) لسنة 1956.
كذلك كان لداود سمرة دورا في كتابة اول دستور عراقي لسنة 192 وفي التعديل الاول للدستور الذي صدر في السنة الاولى لتطبيق الدستور، وان كان دوره اقل من دور وزير المالية ساسون حسقيل، كون الاخير تم استيزاره في الوزارات الاربع التي عاصرت كتابة الدستور.وداود سمره المثقف والاديب ويظهر ذلك واضحا من المواضيع التي يتم مناقشتها في مجلسه البغدادي كالفلسفة اليونانية وتاريخ العالم والمعتزلة والمتصوفة واخوان الصفا والتاريخ العباسي والعثماني والشعر والادب وعلم الاجتماع وعلم الكلام والمنطق والجدل والافكار الفقهية للمدارس الاسلامية وسواها.اما فلسفته القانونية والقضائية فهي الاجمل فيه وهذه لابد ان تكون محل مقالة جديدة وصدق من قال: ان المحكمة الكبرى في بغداد (محكمة الجنايات) لم تكن في زمان افضل مما كانت تتشكل برئاسة داود سمره اليهودي وعضوية المسيحي انطوان شماس والمعمم من آل الشواف.

بهنام أبو الصوف
عالم جليل .. عشق تراب العراق وحضارته .. ودفن بعيدا عنهما
عالم الأثار العراقي الراحل بهنام ابو الصوف
هوى علم كبير من أعلام العراق ، رحل ( بهنام أبو الصوف) في منفاه الاختياري يوم الأربعاء 19 سبتمبر / أيلول 2012، تاركا خلفه فراغا كبيراً ليس في حقل تخصصه العلمي فقط، وانما في مجمل المشهد الثقافي العراقي ايضا، والفراغ الذي تركه رحيل ابو الصوف لا يمكن سده مع وجود هذه الشحة الكبيرة في علماء الاثار حاليا.
وكان ابو الصوف قد غادر العراق بعد 2003 شأنه في ذلك العديد من علماء العراق ومبدعيه، إلاّ انه بقي متواصلا مع اثار بلاده وحضارتها عبر البحوث والمحاضرات العلمية، التي واصل اداءها حتى وافته المنية.جدير بالذكر ان الدكتور بهنام ابو الصوف اغنى المكتبة العربية والعالمية بالكثير من المؤلفات من ابرزها: ظلال الوادي العريق، فخاريات عصر الوركاء ...أصولها وانتشارها، العراق.. وحدة الأرض والحضارة والإنسان، قراءات في الآثار والحضارة، وغيرها.
ولد الدكتور بهنام ناصر نعمان أبو الصوف في مدينة الموصل بالعراق في عام 1931 ( وله ثلاثة اولاد وبنت هم سرمد نعمت ومعن وحنان ) ، أكمل دراسته الإبتدائية والإعدادية في مدينته الموصل وحصل على بكالوريوس في الآثار والحضارة من كلية الآداب جامعة بغداد في عام 1955 ثم أكمل دراسته العليا في جامعة كمبردج بإنكلترا وحصل على درجة الدكتوراة في الآثار ونواة الحضارة وعلم الإنسان في خريف 1966 ،عمل لسنوات عديدة في التنقيب عن الآثار في عدد من مواقع العراق الأثرية في وسط وشمال العراق، وكان مشرفا علميا على تنقيبات إنقاذية واسعة في حوضي سدي حمرين (في منطقة ديالي)، وأسكي الموصل على نهر دجلة في أواخر السبعينات وحتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي. كشف عن حضارة جديدة من مطلع العصر الحجري الحديث في وسط العراق في أواسط الستينات ألقت الكثير من الضوء على معلوماتنا من تلك الفترة الموغلة في القدم.
حاضر لسنوات عديدة في مادة جذور الحضارة والآثار والتاريخ في عدد من جامعات العراق ومعهد التاريخ العربي للدراسات العليا. وأشرف على عدد من الرسائل الجامعية للماجستير والدكتوراة لطلبة عراقيين وعرب. وناقش العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة لطلبة عرب وعراقيين في مواضيع الآثار والحضارة والتاريخ والملاحم القديمة. وأسهم في العديد من مؤتمرات الآثار والحلقات الدراسية داخل العراق وخارجه. ودعي لإلقاء أحاديث ومحاضرات في جامعات أمريكية وأوربية عن آثار وحضارة العراق وعن نتائج تنقيباته. نشر العديد من البحوث والدراسات والتقارير العلمية عن نتائج أعماله الميدانية ودراساته المقارنة في مجلات علمية عراقية وأجنبية. له ثلاثة كتب مطبوعة: ( 1 ): فخاريات عصر الوركاء – أصوله وانتشاره، بالإنكليزية، (2): ظلال الوادي العريق – بالعربية ، ( 3 ): العراق: وحدة الأرض والحضارة والإنسان، بالعربية أيضاشغل عددا من المواقع العلمية والإدارية في هيئة الآثار والتراث: منها باحث علمي، مديرا للتحريات وحماية المواقع الآثارية، ومديرا عاما للآثار ومتاحف المنطقة الشمالية. ورغم تقاعده من العمل الوظيفي في أواخر الثمانينات إلا أنه استمر في نشاطاته الأكاديمية والعلمية في داخل العراق وخارجه.
يقول بهنام أبو الصوف : لو تعمقنا بدراسة الفن بشكل عام والفن العراقي بشكل خاص لتبين لنا بشكل واضح أن للفن شأنه شان الامور الحضارية الأخرى جذور وأصول تاريخية ضاربة في القدم. وهذه الجذور قد تفوق ما يتصوره الفنانون المختصون أنفسهم، ولعلهم يندهشون بأنواع الفن وتعد د مجالاته وأنماطه التي قد تتطابق مع مجالات الفن الحديث بشكل كبير.وتؤكد الدراسات أن الجذور الفنية الأولى تمتد مند العصر الحجري الحديث أي بحدود الألف التاسع قبل الميلاد.ومن خلال التتبع والاستقصاء يظهر أن تلك الفنون الأولى كانت في تطور مستمر ملازم لتطور الحضارة القديمة حتى أصبح لدينا ما يمكن أن يشكل بداية الفنون الجميلة. حيث كشفت آثار الأجيال القديمة لنا بدايات النحت والرسم والزخارف والتلوين وأمورعديدة تدخل في مضمار الفنون التشكيلية التي شكلت الجذورالأولى للفن بشكل عام، والفن العراقي بشكل خاص. وهذا ما يؤكده الباحثون و الدارسون المختصون في الفنون وعلم الآثار. حيث تؤكد تلك القطع الأثرية التي يمكن الرجوع أليها بعد الإطلاع عليها في مواقع تواجدها لدى الجهات المعنية في العراق كما هو معروف أن الهيأة العامة للآثار و التراث هي الجهة الرسمية الوحيدة التي تملك حق التحري والتنقيب في المواقع الأثرية وحق الاحتفاظ بالآثار المنقولة وصيانة الأبنية الأثرية والتراثية.
خلال زيارتي له نهاية عام 2010 في داره التي يسكنها مع شقيقته في العاصمة الأردنية عمان أهداني كتابه الأخير المعنون (العراق وحدة الأرض والحضارة والإنسان)، يومها أجريت معه رحمه الله حوارا صحفيا مقتضبا قلت فيه : ابو الصوف الذي ما زال يتمتع بحيوية الشباب رغم الـ ( 80) هو وتد من أوتاد الحضارة العراقية ومن أصحاب القلوب العامرة بحب العراق وواحدا من أعلام العراق البارزين في مجال دراسة تاريخ حضارة وادي الرافدين وهوعالم جليل وفطحل بتخصصه، وأحد رموز العلم والأدب والفن والثقافة والإبداع.
وخلال الزيارة كان العراق حاضر بيننا ، بكل إرثه وتراثه ، حيث تحاورنا في مواضيع شتى ،كانت وحدة العراق والعراقيين هي الغالبة على حديثنا ، حيث أكد الدكتور أبو الصوف ، على انه لو عدنا إلى نصوص العراق القديم وكتاباته سومرية كانت أم أكدية ، بالبلية أم آشورية ، لوجدنا الشعور بوحدة أرض العراق وتكاملها الحضاري والجغرافي والإقتصادي والسياسي ، لا بل الشعور بوحدة المنطقة وتناظرها الحضاري من البحر السفلي ( الخليج العربي ) في الشرق إلى شواطيء البحر العلوي ( البحر المتوسط) في الغرب ، كان هاجسا بارزا لشعب العراق القديم وقادته على مر التاريخ ، تعززه وحدة الأرض والتاريخ والمصير المشترك في مواجهة الأخطار والتحديات القادمة من وراء الحدود الشمالية والشرقية بالذات . وقال : لقد سعى إلى هذا الهدف وحققه باصرار واحيانا بتضحيات كبيرة قادة عراقيون بارزون منذ أواسط الألف الثالث قبل الميلاد منهم ( لوكال زاكيري – 2400/2371 ق م) وأشهرهم وأبعدهم أثرا ( سرجون الأكدي -2371/2316 ق م ) وأكثرهم شهرة المشرع البابلي الكبير (حمورابي -1792/1750 ق م ) فضلا عن عدد من القادة الآشوريين العظام أمثال ( سرجون الثاني وابنه سنحاريب وأسرحدون وآشور بانيبال ) الذي اجتث من أرض فلسطين بقايا الكيان العبري وجعل من مدينة بابل عروس العالم القديم .

وتحدث الدكتور ابو الصوف عن ان ارض العراق شهدت اولى القرى في العالم حيث ظهرت في وسط وجنوب بلاد الرافدين وفي شماله ، وذلك في قرى نينوى وتبة كورة وكري رش وقالينج أغا في اربيل وفي سهول مخمور والموصل واحواض سدود دوكان وشهرزور وحمرين واسكي موصل والصوان جنوب سامراء وراس العمية وجمدة نصر وكيش في منطقة مشروع المسيب ونفر والوركاء واور واريدو في الناصرية . وأكد بأن اهل العراق عرفوا استخدام الذهب والفضة في 3500-3000 ق م ، وتوجوها بمعرفة الكتابة خلال فترة الحضارة السومرية .
وعن تأثير وفضل العراقيين على المظاهر الثقافية والتربوية والسياسية والقضائية المعمول بها حاليا ، أكد الدكتور أبو الصوف ، بأن لهم فضلا كبيرا في ذلك ، فهيئة شورى دولة المدينة على ايام جلجامش الملك الخامس لسلالة الوركاء الاولى وهي النموذج الأول للأنظمة البرلمانية في العالم المعاصر ، والمدرسة التي كانت تعرف عند السومريين باسم بيت الرقم ( إ – دوبا ) هي ايضا النموذج الأول لأقدم اشكال المعاهد التربوية والعلمية اللاحقة ، ومن مدينة نفر وصلنا أول تقويم زراعي في بابه يضم عددا من الوصايا والتعليمات الزراعية الخاصة بتهيئة الحقل وبموسم البذار والري والحصاد وضعها فلاح عراقي قديم لإبنه على رقيم من طين يحوي 35 فقرة . وهناك العديد من الأمور الأخرى كان الفضل فيها للعراقيين القدماء على الحضارة الإنسانية .
وكشف الدكتور بهنام ابو الصوف عن معلومة طريفة في تاريخ العراق ، وهي ان مدينتي البصرة والكوفة وهما اول مدينتين شيدهما العرب المسلمون في العراق في زمن الخليفة عمر بن الخطاب كانتا من ( القصب ) بكل مبانيهما بما فيها المسجد الجامع ودار الامارة والاسواق ، وهناك اشارة واضحة على ان بيوت مدينة شروباك في الجنوب من عفك كانت مشيدة من القصب أيضا .
جدير بالذكر بأن الدكتور بهنان أبو الصوف من مواليد محلة ( سوق الشعارين ) القديمة بالموصل قرب جامع النبي جرجيس يوم 15 تموز 1931 ( دقوا عالخشب) ! وأسرة ابو الصوف من الأسر الموصلية العراقية التي سكنت محلة القلعة وهي من اقدم محلات الموصل التي تشغل أجزاء واسعة من تل الموصل الأثري القديم داخل أسوار الموصل وكان والده تاجرا يأتي بالأخشاب من إطراف ديار بكر وجزيرة ابن عمر حيث كان سكن العائلة الأصلي كما كان يتاجر بالأصواف . أكمل دراسته الابتدائية،والمتوسطة والثانوية فيها ،وسافر إلى بغداد كعادة قرنائه –حيث لم تكن آنذاك جامعة في الموصل ، للدخول في قسم التاريخ -كلية الآداب وتخرج متخصصا بالتاريخ والآثار سنة 1955 . وكان من أساتذته الذين تعلم على أيديهما الأستاذ طه باقر والأستاذ فؤاد سفر وهما من عشق من خلالهما التنقيب عن الاثار ، والدكتور صالح احمد العلي الذي وجد في محاضراته نمطا جديدا من المعرفة التاريخية. وقد تيسرت له الفرصة للحصول على بعثة علمية في المملكة المتحدة .وحصل علىالدكتوراه في جامعة كمبردج خريف سنة 1966 .وكانت أطروحته الموسومة : "أصالة عصور ما قبل التاريخ في العراق " ، تتناول نواة الحضارات و(علم الإنسان :انسان العراق القديم ). وكانت حضارة الوركاء هي العمود الفقري في منهجه واطروحته ،لان عصر الوركاء يعد عصرا متميزا في ماضي العراق القديم وازدهار الحضارة الانسانية عموما .
سألته : هل ساهمت ابان عملك الطويل في كشف مواقع معينة؟
ـ نعم، لقد ادى عملي في تل الصوان في سامراء الى الكشف عن بقايا قرية من العصر الحجري الحديث، تعود الى مطلع الألف السادس قبل الميلاد، كما ادى عملي في موقع قاينج آغا قرب قلعة اربيل الى الكشف عن مستوطن واسع من عصر الوركاء، مع معبدين قائمين وسط حي سكني مقام على مسطبة من اللبن تشكل بدايات الزقورات (الابراج المدرجة) في وادي الرافدين. وانتم تعلمون ان التنقيب لا يجري للحصول على مادة تاريخية غير معروفة فقط او ادلة وبراهين جديدة عن مرحلة او مراحل من التاريخ القديم لأي بلدة. وفي اعمالي الميدانية، خاصة في تل الصوان وقاينج آغا في اربيل، اذ حصلنا في الموقع الاول على نتائج مذهلة وجديدة عن حلقات كانت مجهولة من مطلع الألف السادس قبل الميلاد في وسط العراق، وحصلنا في الموقع الثاني على اجوبة مهمة لكثير من المسائل المعمارية والفنية والاجتماعية عن مرحلة بدايات عصر الوركاء في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد.
قلت : وأي المواقع الآثارية التي عملت فيها اقرب الى نفسك؟
ـ كل الاماكن التي عملت فيها احمل لها في قلبي ذكرىات جميلة وانطباعات رائعة، ابتداء من حوض سد دوكان في منطقة رانية بقراها الجميلة وناسها الطيبين البسطاء، ونهر الزاب الصغير الذي يشق طريقه في وسط ذلك السهل الفسيح الذي تحول الى بحيرة، حتى اراضي مشروع المسيَّب الكبير التي كانت مغطاة بكثبان الرمل المتحركة، والتي كنت التقي فيها بقطعان كثيرة من الغزلان كلما دخلت ربوعها. ولدي ذكريات جميلة ايضا عن سنوات التنقيب في منطقة خرساباد، منطقة الآلهة الاشورية السبعة، وحوض سد حمرين التي انقذنا خمسين موقعا فيها قبل ان تغمرها مياه السد، كما انقذنا في حوض سد صدام في منطقة اسكي موصل مائة وخمسين موقعا اثريا. وفي ذاكرتي موقع خاص للعمل في تل الصوان جنوب سامراء، حيث وفقت للكشف عن المكان الذي انتقلت منه معارف فلاحي شمال العراق الاوائل الى مواطن وسط وجنوب العراق، في مطلع الألف السادس قبل الميلاد. وكان لاكتشافاتي غير المسبوقة في هذا المكان صدى واسع في اوساط الآثار العربية والدولية، حيث اخذت مكانها في مختلف النشريات العالمية الآثارية، كما اخذتني لعدد من الجامعات في الكثير من انحاء العالم لالقاء المحاضرات عنها.

سارة خاتون والوالي ناظم باش
كنا نسمع من كبار السن الذين عايشوا فترة العشرينيات من القرن الماضي ، ان الفقر كان يغلب على اكثر سكان بغداد وكانت القوة الشرائية للطبقات الفقيرة ضعيفة جدا ، وكان من يعتبر نفسه ثريا هو من يملك العقارات للايجار او يملك حماما او خاناً ويأكل اللحم يوميا مع عائلته وهذا يسمى في اصطلاح اهل بغداد بالزنكين او قارون او يقولون له (ابن دله)أي يشبهونه بالثري البغدادي عبد القادر دله ،مالك خان دله المشهور في شارع السموأل وهناك اثرياء مشهورون في بغداد , عاشوا حياة مترفهة انذاك ... منهم سارة خاتون التي مازال اسمها حتى اليوم يطلق على حي سكني يسمى كمب سارة في بغداد ..
ومن اجل معرفة المزيد عن حياة هذه الثرية البغدادية الشهيرة التي ذاع صيتها لدى الاوساط البغدادية يذكر الكاتب التراثي المعروف عباس بغدادي في كتابه الموسوم (بغداد في العشرينيات) قائلا : تعد سارة "الزنكينة" من اثرياء بغداد وهي نفس الفتاة التي اثارت الفضيحة المتعلقة بوالي بغداد المشهور ناظم باشا صاحب سدة ناظم باشا المعروفة في بغداد الذي أحبها ولحقها الى بومبي وعرض عليها الزواج ثم هربتها السلطات البريطانية الى فرنسا وبريطانيا وهي ارمنية بنت المرابي الشهير اوهانسيان , وكان هذا المرابي يقرض شيوخ العشائر الذين يحكم عليهم بغرامات ثقيلة لا تدخل خزينة الدولة العثمانية بل تدخل في خزينة الوالي الشخصية .
وكان اوهانسيان هو المشتري والبائع لاغنام الرؤساء ودوابهم وارضيهم بالثمن البخس ثم يعود ويبيعها لهم بعد ان يقبض الوالي ما يريد , وهكذا فهو كالمنشار يأكل صاعدا ونازلا هذا عدا عن قيامه برهن الاراضي والبساتين وشرائها بعدئذ بأرخص الاثمان , فامتلك اخصب الاراضي واجود البساتين في محافظة واسط (لواء الكوت) وبغداد والحلة وغيرها من جهات العراق واشهرها اراضي مقاطعة الدبوني في العزيزية من لواء الكوت , واراضي معسكر الرشيد والتي تسمى الان (كمب سارة ) وقسم كبير من اراضي المسبح , وقد سجلت جميع هذة الاراضي باسمها حين تطبيق قانون تسوية حقوق الاراضي بمساعدة رئيس اللجنة المطاع وهو المستر (ديجبرن) ثم شيدت قصرها الفخم المنيف على اراضيها في المسبح , ولكنها كانت متلافة مبذرة عديمة التبصر فاخذت تقترض بالربا والفائدة اكثر مما كان ابوها يتقاضاه , فاكلت الفوائد اموالها واملاكها واضاف الى ذلك تبذير ولدها المدلل (بيرسي ) الذي كان يلبس اسوارات ذهبية في يديه ورجليه وينشر امواله جزافا في ساحات سباق الخيل وقد ترعرع ابنها هذا في انكلترا تحت رعاية (بيت لنج) لان المستر كمبل مدير الشركة ووريث لنج قد تزوج بنت سارة وبدأت الام تبيع املاكها تباعا لتسديد الديون والفوائد وحجر على قصرها في المسبح وتأجل بيعه في المزاد العلني عدة مرات بتأثير من نوري السعيد ، وكانت تلجأ اليه كلما ضاق بها الحال ،ولم تفلح كل هذة الجهود ورجع بيرسي الى لندن وبيع قصرها واراضيها بما فيها مقاطعة الدبوني المشهورة ،وقد اشتراها المرحوم عبد المنعم الخضيري بالاشتراك مع جابر القاطع من اهالي الصويرة صاحب اسواق ميسلون في المنصور ، وذلك بعد الحاح متزايد وضغط من الدائن التاجر كاظم مكية ثم هجرها كل الاصدقاء والمعارف ، ولم يبق لها ماتعتاش منه قبل ان يستطيع المستر كمبل انقاذها ونقلها الى لندن لتعيش في كنفه وكنف ابنتها.

عبد الرزاق الحسني.. شاهد على أحداث بغدادية
ولد المؤرخ العراقي المعروف السيد عبدالرزاق الحسني في منطقة الشورجة – سوق العطارين العام 1321 هـ الموافق لعام 1903، كانت عائلته تقرض الشعر وتتعاطى الأدب وتمتهن العطارة وقد لقبت عائلته بآل العطار. تعلم مبادئ القواعد والخط في جامع الخفافين على يد الملا احمد المعروف بغلظته مع طلابه، شغف بالكتابة والنشر منذ كان طالباً في دار المعلمين، وكان يهتم باقتناء الجرائد اليومية والمجلات الدورية ويقتبس منها كلمات وعبارات ملائمة وينشئ منها خبراً محلياً أو قطعة أدبية أو شعرية، بدأ التأليف مبكراً حتى جاوزت مؤلفاته الثلاثين كتاباً بينها عناوين مشهورة مثل تاريخ الوزارات العراقية , تاريخ العراق السياسي الحديث، العراق في دوري الاحتلال والانتداب, العراق قديماً وحديثاً , الثورة العراقية الكبرى، الأسرار الخفية في حركة سنة 1941 التحررية.
أثناء دراسته في دار المعلمين أحب الرواية فكتب فيها رسالة بعنوان تحت ظل المشانق ثم انصرف إلى الشعر ثم هجره باتجاه التاريخ كمادة دسمة للكتابة فيه قد لا تحصل في كتب الأدب واللغة.
العام 1926 وفي الأول من تشرين الثاني تنافس على رئاسة مجلس النواب كل من حكمت سليمان باعتباره مرشح الوزارة السعدونية الثانية ورشيد علي الكيلاني باعتباره مرشح المعارضة، وكتب الحسني مقالة نشرها في مجلة العرفان اللبنانية لكنه وسع هذا المقال وجعله كتاباً اسماه تاريخ الوزارات العراقية الذي صار عشرة أجزاء فيما بعد وأعيد طبعه سبع مرات، وعن نسبة الإقبال على قراءة كتبه فانه يعزو ذلك إلى نسبة الأميين أو المتعلمين في العراق فحين كانت نسبة الأمية 97 بالمئة فان ما يطبعه من كتاب معين له لا يتجاوز ألف نسخة وحين أصبحت نسبة المتعلمين 75 بالمئة فانه راح يطبع خمسة آلاف نسخة منه وان كتابه ( اليزيدون في حاضرهم وماضيهم ) والذي ترجم إلى التركية والفارسية فانه أعاد طبعه عشر مرات، وهذا رقم قياسي في إعادة طبع الكتب لم ينله كاتب سابق قبل الحسني.
يعد الحسني موسوعة علمية ومؤرخ نزيه وصادق فيما يكتب فهو لا يداهن ولا يجامل وبقي قلمه نظيفاً طوال أكثر من 50 سنة قضاها في البحث والتأليف وذاكرة تحتفظ لبغداد العشرينيات بخارطة كاملة كان العراق في تتويج الملك فيصل الأول في 23 آب العام 1921 عبارة عن قرية كبيرة طرقها ضيقة ومعوجة وأسواقها مسقفة بالية وبيوتها بدائية متهرئة، وكذلك كانت مدن العراق وقصباته وقراه اذا ما استثنت دور بعض الموسرين، كان عدد المدارس في العراق 83 مدرسة وكان في بغداد جسر خشبي عائم على سفن متساوية الحجم ،وإذا ما طغت مياه دجلة فان جزءاً من هذا الجسر يذهب إلى جنوب المدينة فتذهب اليه مجموعة من الجنود مع الموسيقى فيسحبون هذا الجزء الهارب على أنغام الموسيقى وهم يحملون حبالاً غليظة ويهزجون لإثارة العزيمة والنخوة في من يساعدهم ويشد أزرهم، وكانت الطرق العامة تنار بالفوانيس المضاءة بالنفط الأبيض (الكيروسين ).
وفي العام 1926 تعرضت بغداد إلى غرق شامل وعن هذه الحادثة يقول الحسني اعتاد أهل بغداد، لاسيما جانب الرصافة منها أن يشهدوا ارتفاع مناسيب مياه نهر دجلة ارتفاعاً عظيماً وهذا ما كان يحدث في كل ربيع من كل عام وقد كان الفيضان يلحق الأذى والضرر والخسارة بالمزروعات وتهديم البيوت والأسواق واحتفظت ذاكرة الحسني بما نجم عن فيضان سابق حدث العام 1911 حيث غرقت المدينة وتهدمت بيوتها وتشرد أهلها وقد عرف الوالي العثماني نتائج الخطر الذي تتعرض له المدينة فأمر بإقامة سدة ترابية ضخمة تحيط بجانب الرصافة من شمالها إلى جنوبها وقد بقيت هذه السدة تقي بغداد خطر الغرق وظلت تحت الرعاية والعناية من حيث الترميم والإدامة من قبل الجيش وسراة القوم والكشافة إلى سد الثغور التي تحدث فيها وفي سنة 1926 طغى نهر الفرات وانشقت ثغرات عديدة في جرف النهر وغرقت حقول الحنطة والشعير وتعطل السير على ضفتيه وفي التاسع من شهر نيسان ذاته 1926 ارتفعت مناسيب المياه في دجلة وكانت للملك فيصل الأول مزرعة للقطن بالقرب من بلاطه بين بغداد والاعظمية يديرها رجل سوري يدعى توفيق المفتي وهو على وشك عقد قرانه على أحدى كريمات صفوت العواد مدرس الملك فيصل سابقاً وناظر خزينته الخاصة فيما بعد فأراد توفيق المفتي أن يسقي مزرعة القطن ففتح ثغرة في النهر سرعان ما توسعت وعجزت جهوده الشخصية عن سدها حيث اندفع الماء بشدة وبغزارة وأحاط بالقصر الملكي وجرف بيوتا ومواشي وأثاثاً وبعض الأطفال الساكنين في المنطقة واضطرت الحكومة إلى نقل العائلة المالكة إلى قلب بغداد مؤقتاً وكان متصرف بغداد في حينه ناجي شوكت فأمر بتوقيف مدير مزرعة القطن لإجراء التحقيقات اللازمة وتقدير الخسائر وعزل من وظيفته، لكن عبدالمحسن السعدون عارض هذا القرار وأبقاه مسحوب اليد لمدة طويلة إلى أن استطاع اقناع الملك فيصل الأول بنقله إلى متصرفية الموصل.

لكن المفتي ظل موقوفاً مدة طويلة حاولت خلالها الخزينة اطلاق سراحه بكفالتها فرفضت المحكمة ألا بعد تقديم كفالة نقدية قدرها 50 ألف روبية وعندما اتجهت النية إلى تخليص سمعة البلاط الملكي من مسؤولية الغرق حتى وكان الناس قد نسوا الفاجعة حتى أغلقت القضية ودفنت في لحد عميق.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى